تتمة شرح ما تقدم قراءته من أحاديث الباب " ... وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك رواه البخاري ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف النّووي -رحمه الله- في كتابه *رياض الصّالحين، في باب: " ذكر الموت وقصر الأمل " : فيما نقله عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بمنكبه وقال: ( كن في الدّنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ) : وتقدّم الكلام على هذا، قال : " وكان ابن عمر يقول : إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح " : المعنى لا تؤمّل أنّك إذا أصبحت أمسيت، وإذا أمسيت أصبحت، فكم من إنسان أصبح ولم يمس، وكم من إنسان أمسى ولم يُصبح، وكم من إنسان لبس ثوبه ولم يخلعه إلاّ الغاسل، وكم من إنسان خرج من أهله قد هيّؤوا له غداءه أو عشاءه ولم يأكله، وكم من إنسان نام ولم يقم مِن فراشه، المهمّ أن الإنسان لا ينبغي له أن يطيل الأمل، بل يكن حَرزا حاذقا حازما كيّسا هذا معنى قوله : " إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصّباح، قال: وخذ من صحّتك لمرضك ومن حياتك لموتك " : الإنسان الصّحيح منشرح الصّدر، منبسط النّفس، واسع الفكر، عنده سعة، عنده وقت، لكن ما أكثر الذين يضيعون هذا، لأنه يؤمّل أن هذه الصّحّة سوف تبقى وتدوم، وأنه سوف تطول به الدّنيا، فتجده قد ضيّع هذه الصّحة، فابن عمر رضي الله عنهما يقول : " خذ من صحّتك لمرضك " : المرض تضيق به النّفس ، ويتعب به الجسم ، وتضيق عليه الدنيا ، ولا يستطيع أن يعمل العمل الذي يعمله في حال الصّحّة، فليأخذ من صحّته لمرضه، ومن حياته لموته : قس ما بين حياتك وموتك أيهما أطول؟ لا شكّ أن الحياة لا تُنسب للموت، كم للرسول عليه الصلاة والسلام ميّتا؟ وكم لمن قبله؟ وحياتهم قليلة بالنسبة لموتهم فكيف إلى الآخرة؟! ولهذا ينبغي للإنسان أن يأخذ من حياته ما دام الله قد أحياه لموته إذا عجز عن العمل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلاّ من ثلاثة: صدقةٍ جارية وعلمٍ ينتفع به وولد صالح يدعو له ) ، فخذ من حياتك لموتك.