شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عقبة بن الحارث رضي الله عنه أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز فأتته امرأة فقالت: إني قد أرضعت عقبة والتي قد تزوج بها، فقال لها عقبة ما أعلم أنك أرضعتني ولا أخبرتني فركب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسأله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كيف، وقد قيل ؟ ) ففارقها عقبة ونكحت زوجا غيره .رواه البخاري . وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح . حفظ
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه: ( أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز ، فأتته امرأة فقالت: إني قد أرضعت عقبة والتي قد تزوج بها، فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتني ولا أخبرتني، فركب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسأله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف وقد قيل؟ ففارقها عقبة ونكحت زوجا غيره ) رواه البخاري.
وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: ( حفظتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم: دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح ".
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذان الحديثان ذكرهما المؤلف -رحمه الله- في باب: " الورع وترك الشّبهات " : في كتاب رياض الصالحين، فالأول في مسألة الرّضاع : حديث عقبة، والثاني في ترك المتشابه : حديث الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما:
أما الأول: فإن عقبة تزوّج امرأة ابنة لأبي إهاب، فلما تزوّجها جاءت امرأة فقالت: إني أرضعته هو والمرأة التي تزوّجها، يعني فيكون أخاً لها من الرضاعة، وأخوها من الرّضاع يحرم عليها كما يحرم عليها أخوها من النّسب، لقول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم: ( يحرم من الرّضاع ما يحرم من النّسب )، ولكن لابدّ لهذا من شروط: الشرط الأول: أن يكون اللبن من آدميّة، فلو اشترك طفلان من الرضاع من شاة أو من بقرة أو من بعير فإنهما لا يصيران أخوين، لأنه لابدّ أن يكون الرّضاع من آدميّة لقوله تعالى: (( وأمّهاتكم اللاّتي أرضعنكم )).
ولابدّ أن يكون الرّضاع خمس رضعات فأكثر، فإن كان مرّة واحدة أو مرّتين أو ثلاث مرّات أو أربع مرات، فإنه ليس بشيء، ولا يؤثّر، فلو أن امرأة أرضعت طفلا أربع مرات في أربعة أيام كل مرة يشبع فإنه لا يكون ابنا لها، لأنه لابدّ من خمس، ولو أرضعته خمس مرات ولو لم يشبع فإنها تكون أمّا له ويكون الرّضاع مُحرّمًا.
ولابدّ أن يكون في زمن الإرضاع وهو ما قبل الفطام في الحولين، فإن لم يكن في هذا الزّمن بأن أرضعته وهو كبير فإن ذلك لا يؤثّر، فلو أن طفلا له خمس سنوات رضع مِن امرأة خمس مرّات أو عشر مرّات فإنه لا يكون ابنا لها من الرّضاع لأنه ليس في زمن الإرضاع، فهذه شروط ثلاثة.
وإذا ثبت التّحريم فإنه ينتشر إلى المرتَضِع وذرّيته فقط، ولا ينتشر إلى إخوانه وآبائه وأمّهاته، وإنما ينتشر إليه وإلى فروعه فقط، وهم ذرّيته، وعلى هذا فيجوز لأخ الطّفل الراضع أن يتزوّج أخت أخيه من الرّضاع، وأن يتزوج أمّ أخيه من الرّضاع، لأنه لا علاقة أو لا تأثير في الرّضاع إلاّ على المرتضِع وذرّيته، يعني فروعه، فأما أصوله وحواشيه، أصوله : من آباء وأمّهات ، وحواشيه : من إخوة وأعمام وأبنائهم وبناتهم فإنه لا تأثير لهم في الرّضاع، سواء كانوا أكبر منه أو أصغر منه.
وما اشتهر عند العامة من أن إخوته الذين هم أصغر منه يلحقهم حكم الرّضاع فإنّه لا صحّة له، بعض العوام يقول: إذا رضع طفل من امرأة صار ابنا لها، وصار إخوته الذين من بعده أبناء لها، وهذا غير صحيح، بل جميع إخوته ليس لهم فيها تعلّق بوجه من الوجوه.
وأما حديث الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فإنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وحفظ منه هذه الجملة المفيدة العظيمة التي تُعتبر قاعدة في الورع وهي: ( دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك ) : يريبك يعني يحصل لك به ريب وشكّ فدعه ،ولا تأخذ إلاّ ما تيقّنته أو غلب على ظنّك إن كان مما يفيد فيه غلبة الظّنّ، وأمّا ما شككت فيه فدعه ، وهذا أصل من أصول الورع ، ولهذا رأى النبي صلى الله عليه وسلّم تمرة رآها في الطريق فلم يأكل منها ، وقال : ( إنّي أخشى أن تكون من الصّدقة ) ، وهذا يدخل في هذا الحديث: ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) .
ومن ذلك إذا كان بينك وبين شخص محاسبة وحصل زيادة لك من أجل هذه المحاسبة وشككت فيها فدعها ، وإذا شكّ فيها صاحبك وتركها فتصدّق بها ، تصدّق بها تخلّصًا منها أو صدقة معلّقة بأن تقول: اللهم إن كانت لي فهي صدقة أتقرّب بها إليك، وإن لم تكن لي فهو مال أتخلّص به، أو أتخلص بالصّدقة به من عذابه.
والحاصل أن هذا الحديث حديث عظيم في باب الورع: ( دع ما يَريبك إلى ما لا يريبك ) : ما تشكّ فيه اتركه وخذ بالشيء الذي لا يلحق لك به قلق ولا شكّ ولا اضطراب.
وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: ( حفظتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم: دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح ".
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذان الحديثان ذكرهما المؤلف -رحمه الله- في باب: " الورع وترك الشّبهات " : في كتاب رياض الصالحين، فالأول في مسألة الرّضاع : حديث عقبة، والثاني في ترك المتشابه : حديث الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما:
أما الأول: فإن عقبة تزوّج امرأة ابنة لأبي إهاب، فلما تزوّجها جاءت امرأة فقالت: إني أرضعته هو والمرأة التي تزوّجها، يعني فيكون أخاً لها من الرضاعة، وأخوها من الرّضاع يحرم عليها كما يحرم عليها أخوها من النّسب، لقول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم: ( يحرم من الرّضاع ما يحرم من النّسب )، ولكن لابدّ لهذا من شروط: الشرط الأول: أن يكون اللبن من آدميّة، فلو اشترك طفلان من الرضاع من شاة أو من بقرة أو من بعير فإنهما لا يصيران أخوين، لأنه لابدّ أن يكون الرّضاع من آدميّة لقوله تعالى: (( وأمّهاتكم اللاّتي أرضعنكم )).
ولابدّ أن يكون الرّضاع خمس رضعات فأكثر، فإن كان مرّة واحدة أو مرّتين أو ثلاث مرّات أو أربع مرات، فإنه ليس بشيء، ولا يؤثّر، فلو أن امرأة أرضعت طفلا أربع مرات في أربعة أيام كل مرة يشبع فإنه لا يكون ابنا لها، لأنه لابدّ من خمس، ولو أرضعته خمس مرات ولو لم يشبع فإنها تكون أمّا له ويكون الرّضاع مُحرّمًا.
ولابدّ أن يكون في زمن الإرضاع وهو ما قبل الفطام في الحولين، فإن لم يكن في هذا الزّمن بأن أرضعته وهو كبير فإن ذلك لا يؤثّر، فلو أن طفلا له خمس سنوات رضع مِن امرأة خمس مرّات أو عشر مرّات فإنه لا يكون ابنا لها من الرّضاع لأنه ليس في زمن الإرضاع، فهذه شروط ثلاثة.
وإذا ثبت التّحريم فإنه ينتشر إلى المرتَضِع وذرّيته فقط، ولا ينتشر إلى إخوانه وآبائه وأمّهاته، وإنما ينتشر إليه وإلى فروعه فقط، وهم ذرّيته، وعلى هذا فيجوز لأخ الطّفل الراضع أن يتزوّج أخت أخيه من الرّضاع، وأن يتزوج أمّ أخيه من الرّضاع، لأنه لا علاقة أو لا تأثير في الرّضاع إلاّ على المرتضِع وذرّيته، يعني فروعه، فأما أصوله وحواشيه، أصوله : من آباء وأمّهات ، وحواشيه : من إخوة وأعمام وأبنائهم وبناتهم فإنه لا تأثير لهم في الرّضاع، سواء كانوا أكبر منه أو أصغر منه.
وما اشتهر عند العامة من أن إخوته الذين هم أصغر منه يلحقهم حكم الرّضاع فإنّه لا صحّة له، بعض العوام يقول: إذا رضع طفل من امرأة صار ابنا لها، وصار إخوته الذين من بعده أبناء لها، وهذا غير صحيح، بل جميع إخوته ليس لهم فيها تعلّق بوجه من الوجوه.
وأما حديث الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فإنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وحفظ منه هذه الجملة المفيدة العظيمة التي تُعتبر قاعدة في الورع وهي: ( دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك ) : يريبك يعني يحصل لك به ريب وشكّ فدعه ،ولا تأخذ إلاّ ما تيقّنته أو غلب على ظنّك إن كان مما يفيد فيه غلبة الظّنّ، وأمّا ما شككت فيه فدعه ، وهذا أصل من أصول الورع ، ولهذا رأى النبي صلى الله عليه وسلّم تمرة رآها في الطريق فلم يأكل منها ، وقال : ( إنّي أخشى أن تكون من الصّدقة ) ، وهذا يدخل في هذا الحديث: ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) .
ومن ذلك إذا كان بينك وبين شخص محاسبة وحصل زيادة لك من أجل هذه المحاسبة وشككت فيها فدعها ، وإذا شكّ فيها صاحبك وتركها فتصدّق بها ، تصدّق بها تخلّصًا منها أو صدقة معلّقة بأن تقول: اللهم إن كانت لي فهي صدقة أتقرّب بها إليك، وإن لم تكن لي فهو مال أتخلّص به، أو أتخلص بالصّدقة به من عذابه.
والحاصل أن هذا الحديث حديث عظيم في باب الورع: ( دع ما يَريبك إلى ما لا يريبك ) : ما تشكّ فيه اتركه وخذ بالشيء الذي لا يلحق لك به قلق ولا شكّ ولا اضطراب.