شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم ) فقال أصحابه وأنت ؟ قال: ( نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة ) رواه البخاري . وعنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من خير معاش الناس رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله، يطير على متنه، كلما سمع هيعة أو فزعة، طار عليه يبتغي القتل أو الموت مظانه، أو رجل في غنيمة في رأس شعفة من هذه الشعف، أو بطن واد من هذه الأودية، يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين ليس من الناس إلا في خير ) رواه مسلم يطير . أي يسرع . ومتنه ظهره . و الهيعة الصوت للحرب . ... " . حفظ
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم، فقال أصحابه وأنت ؟ قال: كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة ) رواه البخاري.
وعنه رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( مِن خير معاش الناس رجل ممسكٌ عنان فرسه في سبيل الله، يطير على متنه، كلما سمع هَيْعة أو فزعة طار عليه يبتغي القتل أو الموت مظانه، أو رجل في غُنيمة في رأس شعفة من هذه الشعف، أو بطن واد من هذه الأودية، يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين ، ليس من الناس إلا في خير ) رواه مسلم.
قوله: ( يطير ) أي: يسرع، ( ومتنه ): أي: ظهره، ( والهيعة ): الصوت للحرب "
.
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم:
هذا حديثان في باب العزلة عن الناس خوف الفتنة : فيه حديث أبي هريرة الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من نبي إلاّ رعى الغنم ) : يعني ما من نبيّ من الأنبياء أرسله الله عزّ وجلّ إلى عباده إلاّ رعى الغنم ، ( قالوا وأنت؟ قال: كنت أرعاها على قراريط لأهل مكّة ) : يعني حتى النبي عليه الصّلاة والسلام رعى الغنم، قال العلماء : " والحكمة من ذلك أن يتمرّن الإنسان على رعاية الخلق وتوجيههم إلى ما فيه الصّلاح ، لأن الراعي للغنم تارة يوجّهها إلى وادٍ مزهر مخضرّ ، وتارة إلى واد خلاف ذلك ، وتارة إلى أرض ليس فيها هذا ولا هذا ، وتارة لا يرعاها أبدًا يبقيها واقفة " ، فالنبي عليه الصلاة والسّلام سيرعى الأمّة يوجّهها إلى الخير عن علم وهدى وبصيرة كالراعي الذي عنده علم بالمراعي الحسنة ، وعنده نصح وتوجيه للغنم إلى ما فيه خيرها وما فيه تسمينها ، واختيرت الغنم لأن الغنم صاحبها صاحب سكينة وهدوء واطمئنان، بخلاف الإبل، الإبل أصحابها في الغالب عندهم شدّة وغلظة، لأن الإبل كذلك، فيها الشدّة والغلظة فلهذا اختار الله سبحانه وتعالى لرسله أن يرعوا الغنم، حتى يتعوّدوا ويتمرّنوا على رعاية الخلق، فرسول الله صلى الله عليه وسلم رعاها على قراريط لأهل مكّة، وموسى عليه الصّلاة والسّلام رعاها مهرًا لابنة صاحب مدين، فإنه قال : (( إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتيّ هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممتَ عشرًا فمن عندك )).
وأما الحديث الثاني: ففيه أيضا دليل على أن العزلة خير، يكون الإنسان ممسكًا بعنان فرسه يطير عليه كلما سمع هيعة : يعني أنه بعيد عن الناس ، مهتم بأمور الجهاد ، منعزل عن الناس لكنه على أتم استعداد للنفور والجهاد ، كلما سمع هيعة ركبه فطار به أي: مشى مشيًا مسرعًا، وكذلك ما كان في مكان من الأودية والشّعاب منعزل عن الناس ، ليس من الناس إلاّ في الخير فهذا في خير ، ولكنّنا سبق لنا أن قلنا : إن هذه النّصوص تحمل على أنّ ما كان في الإختلاط فتنة وشرّ ، وأما إذا لم يكن فيها فتنة وشرّ: ( فإن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم ).