شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين . قال الله تعالى: (( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين )) وقال تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين )) . وقال تعالى (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )) وقال تعالى: (( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى )) . وقال الله تعالى: (( ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون، أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون )) . ... " . حفظ
القارئ : قال -رحمه الله تعالى- : " باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين :
قال الله تعالى: (( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين )).
وقال تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا من يرتدَّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلةٍ على المؤمنين أعزةٍ على الكافرين )).
وقال تعالى: (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )).
وقال تعالى: (( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى )).
وقال تعالى: (( ونادى أصحاب الأعراف رجالاً يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون * أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون )) "
.
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال النووي -رحمه الله تعالى- في كتاب: *رياض الصّالحين : " باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين " : التواضع ضدّ التعالي يعني : ألاّ يرتفع الإنسان ولا يترفّع على غيره بعلم، ولا نسب، ولا مال، ولا جاه، ولا إمارة، ولا وزارة، ولا غير ذلك، بل الواجب على المرء أن يخفض جناحه للمؤمنين : أن يتواضع لهم، كما كان أشرف الخلق وأعلاهم منزلة عند الله رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يتواضع للمؤمنين ، حتى إنّ الصّبيّة لتمسك بيده لتأخذه إلى بيتها فيقضي حاجتها عليه الصّلاة والسّلام، وقول الله تعالى: (( واخفض جناحك للمؤمنين )).
وفي آية أخرى: (( لمن اتّبعك من المؤمنين )) : اخفض جناحك : يعني نزّله وذلك أنّ المتعالي والمترفّع كالطّير يسبح في جوّ السّماء ، فأُمر أن يخفض جناحه وينزّله للمؤمنين الذين اتّبعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ، وعُلم من هذا أن الكافر لا يخفض له الجناح وهو كذلك ، بل الكافر ترفّع عليه وتعالى عليه ، واجعل نفسك في موضع أعلى منه لأنّك مستمسك بكلمة الله ، وكلمة الله هي العليا ، ولهذا قال الله عزّ وجلّ في وصف النبيّ صلى الله عليه وسلّم وأصحابه قال: (( أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم )) : يعني أنّهم على الكفّار أقوياء ذووا غِلظة، أما فيما بينهم فهم رحماء، ثمّ قال المؤلف، ساق المؤلف الآية الثّانية: (( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلةٍ على المؤمنين أعزة على الكافرين )) أي: من يرجع منكم عن دينه فيكون كافرا بعد أن كان مؤمناً، وهذا قد يقع، قد يقع من الناس: أن يكون الإنسان داخلًا في الإسلام عاملًا به ثم يزيغه -والعياذ بالله- الشّيطان حتى يرتدّ عن دينه فإذا ارتدّ عن دينه فإنه لا يكون وليّا للمؤمنين ولهذا قال: (( فسوف يأتي الله بقوم يحبّهم ويحبّونه )) يعني: بقوم مؤمنين يحبّهم ويحبّونه، (( أذلّةٍ على المؤمنين أعزّة على الكافرين )) يعني: في جانب المؤمنين أذلّة لا يترفّعون عليهم ولا يأخذون بالعزّة عليهم ، ولكنّهم يذلون لهم، أما على الكفّار فهم أعزّة مترفّعون، ولهذا قال النبي عليه الصّلاة والسّلام: ( لا تبدؤوا اليهود والنّصارى بالسلام وإذا لقيتموهم في طريق فاضطرّوهم إلى أضيقه ) : إذلالا لهم وخذلانا لهم، لأنهم أعداء، أعداء لك وأعداء لربّك وأعداء لرسولك، وأعداء لدينك، وأعداء لكتاب الله وسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
وفي هذه الآية دليل على إثبات المحبّة من الله عزّ وجلّ، وأن الله يُحِبّ ويُحَبّ: (( فسوف يأتي الله بقوم يحبّهم ويحبّونه )) : وهذا الحبّ حبّ عظيم لا يماثله شيء، تجد المحب لله عزّ وجلّ ترخص عنده الدّنيا: الأهل والأموال بل والنّفس فيما يُرضي الله عزّ وجلّ ، ولهذا يبذل ويعرض رقبته لأعداء الله محبّة في نصرة الله عزّ وجلّ ونصرة دينه، وهذا دليل على أن الإنسان مقدّمٌ ما يحبّه الله ورسوله على ما تهواه نفسه، ومِن علامات محبّة الله أن الإنسان يديم ذكر الله، يكون دائما يذكر ربّه : بقلبه ولسانه وجوارحه.
ومن علامة محبّة الله أن يحبّ من أحب الله عزّ وجلّ من الأشخاص فيحبّ الرّسول، ويحب الخلفاء الرّاشدين، يحب الأئمة، يحب من كان في وقته من أهل العلم والصّلاح.
ومن علامة محبّة الله عزّ وجلّ: أن يقوم الإنسان بطاعة الله مقدّمًا ذلك على هواه، فإذا أذّن المؤذّن يقول: حيّ على الصّلاة ترك عمله وأقبل إلى الصلاة لأنه يحب ما يرضي الله أكثر مما يحب ما ترضاه نفسه، ولمحبّة الله علامات كثيرة.
إذا أحب الإنسان ربّه فالله عزّ وجلّ أسرع إليه حبّا لأنّه قال سبحانه وتعالى قال في الحديث القدسي: ( من أتاني يمشي أتيته هرولة ) ، وإذا أحبّه الله فهذا هو المقصود وهذا هو الأعظم ، ولهذا قال تعالى: (( قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يحببكم الله ))، ولم يقل: فاتّبعوني تصدقوا الله، بل قال: (( يحببكم الله )) ، لأنّ هذه هي الثمرة ، أن يحب الرّبّ عزّ وجلّ عبده ، فإذا أحبّ عبده نال خيري الدّنيا والآخرة، جعلني الله وإيّاكم من أحبابه، وفي قوله: (( ويحبّونه )) : دليل على إثبات محبّة العبد لربّه وهذا أمر واضح، واقع، مشاهد يجد الإنسان من قلبه ميلا إلى ما يرضي الله، وهذا يدل على أنّه يجبّ الله عزّ وجلّ، والإنسان المؤمن الموفّق لهذه الصّفة العظيمة تجده يحب الله أكثر من نفسه، أكثر من ولده، أكثر من أمّه، أكثر من أبيه، يحب الله أكثر من كلّ شيء، ويحب المرء لأنّه يحب الله، ومعلوم أن المحبّ يحبّ أحباب حبيبه، فتجد هذا الرّجل لمحبّته لله يحب من يحبّه الله عزّ وجلّ من الأشخاص، وما يحبّه من الأعمال.