تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال تعالى (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )) وقال تعالى: (( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى )) . وقال الله تعالى: (( ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون، أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون )) ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم:
ذكر المؤلف الحافظ النّووي رحمه الله في كتابه: *رياض الصّالخين ، تحت عنوان: " باب التّواضع وخفض الجناح للمؤمنين " : في سياق الآيات المتعلقة بهذا الموضوع قال:
وقول الله تعالى: (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائلَ لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير )) : يخاطب الله عزّ وجلّ الناس كلّهم مبيّنًا أنّه خلقهم من ذكر وأنثى، أي: من هذا الجنس أو من هذا الشّخص، يعني إمّا أن يكون المراد بالذّكر والأنثى آدم وحوّاء، أو أنّ المراد الجنس: أن بني آدم خلقوا كلّهم من ذكر وأنثى، وهذا هو الغالب وهو الأكثر، وإلاّ فإنّ الله خلق آدم من غير أمّ ولا أب، خلقه من تراب، من طين، مِن صلصال كالفخّار، ثمّ نفخ فيه من روحه، خلق له روحاً فنفخها فيه فصار بشراً سويّاً، وخلق الله حوّاء من أبٍ بلا أمّ، وخلق الله عيسى من أمّ بلا أب، وخلق الله سائر الإنسان من أمّ وأب، والإنسان أيضاً كما أنّه أربعة أنواع من جهة مادّة خلقه، كذلك هو أربعة أنواع من جهة جنس الخلق، يقول الله عزّ وجلّ: (( ولله ملك السّموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذّكور أو يزوّجهم ذكرانًا وإناثًا ويجعل من يشاء عقيمًا )) : هذه أيضا أربعة أقسام، (( يهب لمن يشاء إناثًا )) : أي بلا ذكور، يعني يوجد بعض النّاس يوجد له الإناث ولا يوجد له الذّكور، لا يولد له ذكور أبدًا، كل نسله إناث، (( ويهب لمن يشاء الذّكور )) : فيكون كلّ نسلهِ ذكوراً بلا إناث، (( أو يزوّجهم ذكرانا وإناثا )) : يزوّجهم يعني يصنّفهم، لأن الزوج يعني الصّنف، كما قال الله تعالى: (( ومن شكله أزواج )) أي: أصناف وقال: (( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم )) أي: أصنافهم وأشكالهم، (( يزوّجهم )) يعني يصنّفهم (( ذكرانا وإناثا )) : هذه كم يا عبد الرحمن؟ ثلاثة أقسام، القسم الرابع: (( ويجعل من يشاء عقيماً )) : لا يولد له لا ذكر ولا أنثى، لأنّ الله سبحانه وتعالى له ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء، لا معقّب لحكمه وهو السّميع العليم، يقول جلّ ذكره: (( وجعلناكم شعوباً وقبائل )) :الشّعوب : الطوائف الكبيرة كالعرب والعجم وما أشبه ذلك، والقبائل : ما دون ذلك جمع قبيلة، فالناس بنو آدم شعوب وقبائل، شعوب : أمم عظيمة كبيرة كما تقول: العرب بجميع أصنافهم، والعجم بجميع أصنافهم، كذلك القبائل دون ذلك، كما تقول : قريش، بنو تميم وما أشبهها، هؤلاء القبائل ، نعم (( لتعارفوا )) : هذه الحكمة من أن الله جعلنا شعوبا وقبائل من أجل أن يعرف بعضنا بعضاً، هذا عربي وهذا عجميّ، هذا من بني تميم وهذا من قريش، هذا مِن خزاعة وهكذا.
فالله جعل هذه القبائل من أجل أن يعرف بعضنا بعضًا، لا مِن أجل أن يفخر بعضنا على بعض فيقول: أنا عربي وأنت عجميّ، أنا قبيلي وأنت خضيري، أنا عبد وأنت شيخ، هذا ما يجوز ، هذا من دعوى الجاهلية والعياذ بالله، لم يجعل هؤلاء الأصناف إلاّ من أجل التعارف فقط، لا من أجل التّفاخر، ولهذا قال النبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ( إنّ الله أذهب عنكم عِبّيّة الجاهليّة وفخرها بالأنساب ، فلا فخر لأحد على أحد: لكن: (( إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم )) ) : أكرمنا عند الله أتقانا لله عزّ وجلّ، فمن كان لله أتقى فهو عند الله أكرم، ولكن يجب أن نعلم أن بعض القبائل أو بعض الشّعوب أفضل مِن بعض، فالشّعب الذي بُعث فيه الرسول عليه الصّلاة والسّلام هو أفضل الشّعوب، شعب العرب ، لأن الله قال في كتابه : (( الله أعلم حيث يجعل رسالته )) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلّم : ( خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا ) ، فلا يعني هذا إهدار الجنس البشري بالكلية، لا، لكن التّفاخر هو الممنوع، أما التّفاضل فإن الله يفضّل بعض الأجناس على بعض، فالعرب أفضل من غيرهم، جنس العرب أفضل من جنس العجم، لكن إذا كان العربي غير مُتّقٍ والعجميّ متّقياً فالأعجمي عند الله أكرم من العربي، ثم ساق المؤلف الآيات الأخرى : (( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتّقى )) : لا تزكّوها : أي لا تصفوها بالزّكاء افتخارًا، وأمّا التحدّث بنعمة الله على العبد مثل أن يقول القائل : كان مسرفًا على نفسه، كان منحرفًا فهداه الله ووفّقه ولزم الإستقامة تحدّثا بنعمة الله لا تزكية لنفسه، فإنّ هذا لا بأس به، و لا حرج فيه: أن يذكر الإنسان نعمة الله عليه بالهداية والتّوفيق كما أنّه لا حرج أن يذكر نعمة الله عليه بالغنى بعد الفقر: (( فلا تزكّوا أنفسكم هو أعلم بمن اتّقى )) هو : أي الرّبّ عزّ وجلّ (( أعلم بمن اتّقى )) ، وكم من شخصين يقومان بعمل أو يدعان عملاً وبينهما في التّقى مثل ما بين السّماء والأرض ، ولهذا قال : (( هو أعلم بمن اتّقى )) ، تجد شخصين يصلّيان كلّ واحد جنب الآخر لكن بين ما في قلوبهما من التقوى مثل ما بين السّماء والأرض ، شخصان يتجنّبان الفاحشة لكن بينهما في التقوى مثل ما بين السّماء والأرض ، (( لا تزكّوا أنفسكم هو أعلم بمن اتّقى )) .
ثم ذكر المؤلف آية ثالثة : (( ونادى أصحاب الأعراف رجالاً يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون )) :
أصحاب الأعراف : قوم تساوت حسناتهم وسيّئاتهم، فلا يدخلون الجنّة ولا يدخلون النار، يصرف أهل النار إلى النار، يُحشر أهل النار إلى النار ويُساق المتّقون إلى الرحمن وفداً، إلى الجنّة زمراً فيدخل أهل النار النار، وأهل الجنّة الجنّة، وأصحاب الأعراف في مكان مرتفع، الأعراف : جمع عَرْف وهو المكان المرتفع ، لكن ليسوا في الجنّة وليسوا في النار، وهم يطّلعون إلى هؤلاء وإلى هؤلاء، وفي النّهاية يدخلون الجنّة، لأنه ما فيه إلاّ جنّة أو نار، هما الباقيتان أبدًا وأما ما سواهما فيزول، يقول: (( ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم )) أي : بعلامتهم معرفة تامّة ، (( قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون )) : يعني جمعكم المال والأولاد والأهل ما أغنى عنكم هؤلاء ؟! وما أغنى عنكم جمعكم من الناس الذين هم جنودكم تجمعونهم إليكم وتستنصرون بهم ، ما أغنوا عنكم شيئًا، (( وما كنتم تستكبرون )) : يعني وما أغنى عنكم استكباركم على الحقّ، (( أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة )) : يعني الضّعفاء ، وكان الملأ المكذّبون للرسل يسخرون من المؤمنين يقولون : (( أهؤلاء الذين مَنّ الله علينا من بيننا )) يقولون : أهؤلاء أصحاب الرّحمة؟ أهؤلاء أهل الجنّة؟ يسخرون بهم : (( إنّ الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون * وإذا مرّوا بهم يتغامزون * وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين )) .
(( أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة ))، يعني : قد قيل لهم (( ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون )).
إذن صار تواضعهم للحقّ واتّباعهم للرسل هو الذي أبلغهم هذه المنازل العالية.
أما هؤلاء المستكبرون الذين فخروا بما أغناهم الله به من الجمع والمال، فإن ذلك لم يغن عنهم شيئا، فدل ذلك على فضل التواضع للحقّ، نسأل الله أن يجعلنا وإيّاكم من المتواضعين له وللحق الذي جاءت به رسله، إنّه على كلّ شيء قدير.
ذكر المؤلف الحافظ النّووي رحمه الله في كتابه: *رياض الصّالخين ، تحت عنوان: " باب التّواضع وخفض الجناح للمؤمنين " : في سياق الآيات المتعلقة بهذا الموضوع قال:
وقول الله تعالى: (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائلَ لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير )) : يخاطب الله عزّ وجلّ الناس كلّهم مبيّنًا أنّه خلقهم من ذكر وأنثى، أي: من هذا الجنس أو من هذا الشّخص، يعني إمّا أن يكون المراد بالذّكر والأنثى آدم وحوّاء، أو أنّ المراد الجنس: أن بني آدم خلقوا كلّهم من ذكر وأنثى، وهذا هو الغالب وهو الأكثر، وإلاّ فإنّ الله خلق آدم من غير أمّ ولا أب، خلقه من تراب، من طين، مِن صلصال كالفخّار، ثمّ نفخ فيه من روحه، خلق له روحاً فنفخها فيه فصار بشراً سويّاً، وخلق الله حوّاء من أبٍ بلا أمّ، وخلق الله عيسى من أمّ بلا أب، وخلق الله سائر الإنسان من أمّ وأب، والإنسان أيضاً كما أنّه أربعة أنواع من جهة مادّة خلقه، كذلك هو أربعة أنواع من جهة جنس الخلق، يقول الله عزّ وجلّ: (( ولله ملك السّموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذّكور أو يزوّجهم ذكرانًا وإناثًا ويجعل من يشاء عقيمًا )) : هذه أيضا أربعة أقسام، (( يهب لمن يشاء إناثًا )) : أي بلا ذكور، يعني يوجد بعض النّاس يوجد له الإناث ولا يوجد له الذّكور، لا يولد له ذكور أبدًا، كل نسله إناث، (( ويهب لمن يشاء الذّكور )) : فيكون كلّ نسلهِ ذكوراً بلا إناث، (( أو يزوّجهم ذكرانا وإناثا )) : يزوّجهم يعني يصنّفهم، لأن الزوج يعني الصّنف، كما قال الله تعالى: (( ومن شكله أزواج )) أي: أصناف وقال: (( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم )) أي: أصنافهم وأشكالهم، (( يزوّجهم )) يعني يصنّفهم (( ذكرانا وإناثا )) : هذه كم يا عبد الرحمن؟ ثلاثة أقسام، القسم الرابع: (( ويجعل من يشاء عقيماً )) : لا يولد له لا ذكر ولا أنثى، لأنّ الله سبحانه وتعالى له ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء، لا معقّب لحكمه وهو السّميع العليم، يقول جلّ ذكره: (( وجعلناكم شعوباً وقبائل )) :الشّعوب : الطوائف الكبيرة كالعرب والعجم وما أشبه ذلك، والقبائل : ما دون ذلك جمع قبيلة، فالناس بنو آدم شعوب وقبائل، شعوب : أمم عظيمة كبيرة كما تقول: العرب بجميع أصنافهم، والعجم بجميع أصنافهم، كذلك القبائل دون ذلك، كما تقول : قريش، بنو تميم وما أشبهها، هؤلاء القبائل ، نعم (( لتعارفوا )) : هذه الحكمة من أن الله جعلنا شعوبا وقبائل من أجل أن يعرف بعضنا بعضاً، هذا عربي وهذا عجميّ، هذا من بني تميم وهذا من قريش، هذا مِن خزاعة وهكذا.
فالله جعل هذه القبائل من أجل أن يعرف بعضنا بعضًا، لا مِن أجل أن يفخر بعضنا على بعض فيقول: أنا عربي وأنت عجميّ، أنا قبيلي وأنت خضيري، أنا عبد وأنت شيخ، هذا ما يجوز ، هذا من دعوى الجاهلية والعياذ بالله، لم يجعل هؤلاء الأصناف إلاّ من أجل التعارف فقط، لا من أجل التّفاخر، ولهذا قال النبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ( إنّ الله أذهب عنكم عِبّيّة الجاهليّة وفخرها بالأنساب ، فلا فخر لأحد على أحد: لكن: (( إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم )) ) : أكرمنا عند الله أتقانا لله عزّ وجلّ، فمن كان لله أتقى فهو عند الله أكرم، ولكن يجب أن نعلم أن بعض القبائل أو بعض الشّعوب أفضل مِن بعض، فالشّعب الذي بُعث فيه الرسول عليه الصّلاة والسّلام هو أفضل الشّعوب، شعب العرب ، لأن الله قال في كتابه : (( الله أعلم حيث يجعل رسالته )) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلّم : ( خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا ) ، فلا يعني هذا إهدار الجنس البشري بالكلية، لا، لكن التّفاخر هو الممنوع، أما التّفاضل فإن الله يفضّل بعض الأجناس على بعض، فالعرب أفضل من غيرهم، جنس العرب أفضل من جنس العجم، لكن إذا كان العربي غير مُتّقٍ والعجميّ متّقياً فالأعجمي عند الله أكرم من العربي، ثم ساق المؤلف الآيات الأخرى : (( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتّقى )) : لا تزكّوها : أي لا تصفوها بالزّكاء افتخارًا، وأمّا التحدّث بنعمة الله على العبد مثل أن يقول القائل : كان مسرفًا على نفسه، كان منحرفًا فهداه الله ووفّقه ولزم الإستقامة تحدّثا بنعمة الله لا تزكية لنفسه، فإنّ هذا لا بأس به، و لا حرج فيه: أن يذكر الإنسان نعمة الله عليه بالهداية والتّوفيق كما أنّه لا حرج أن يذكر نعمة الله عليه بالغنى بعد الفقر: (( فلا تزكّوا أنفسكم هو أعلم بمن اتّقى )) هو : أي الرّبّ عزّ وجلّ (( أعلم بمن اتّقى )) ، وكم من شخصين يقومان بعمل أو يدعان عملاً وبينهما في التّقى مثل ما بين السّماء والأرض ، ولهذا قال : (( هو أعلم بمن اتّقى )) ، تجد شخصين يصلّيان كلّ واحد جنب الآخر لكن بين ما في قلوبهما من التقوى مثل ما بين السّماء والأرض ، شخصان يتجنّبان الفاحشة لكن بينهما في التقوى مثل ما بين السّماء والأرض ، (( لا تزكّوا أنفسكم هو أعلم بمن اتّقى )) .
ثم ذكر المؤلف آية ثالثة : (( ونادى أصحاب الأعراف رجالاً يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون )) :
أصحاب الأعراف : قوم تساوت حسناتهم وسيّئاتهم، فلا يدخلون الجنّة ولا يدخلون النار، يصرف أهل النار إلى النار، يُحشر أهل النار إلى النار ويُساق المتّقون إلى الرحمن وفداً، إلى الجنّة زمراً فيدخل أهل النار النار، وأهل الجنّة الجنّة، وأصحاب الأعراف في مكان مرتفع، الأعراف : جمع عَرْف وهو المكان المرتفع ، لكن ليسوا في الجنّة وليسوا في النار، وهم يطّلعون إلى هؤلاء وإلى هؤلاء، وفي النّهاية يدخلون الجنّة، لأنه ما فيه إلاّ جنّة أو نار، هما الباقيتان أبدًا وأما ما سواهما فيزول، يقول: (( ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم )) أي : بعلامتهم معرفة تامّة ، (( قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون )) : يعني جمعكم المال والأولاد والأهل ما أغنى عنكم هؤلاء ؟! وما أغنى عنكم جمعكم من الناس الذين هم جنودكم تجمعونهم إليكم وتستنصرون بهم ، ما أغنوا عنكم شيئًا، (( وما كنتم تستكبرون )) : يعني وما أغنى عنكم استكباركم على الحقّ، (( أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة )) : يعني الضّعفاء ، وكان الملأ المكذّبون للرسل يسخرون من المؤمنين يقولون : (( أهؤلاء الذين مَنّ الله علينا من بيننا )) يقولون : أهؤلاء أصحاب الرّحمة؟ أهؤلاء أهل الجنّة؟ يسخرون بهم : (( إنّ الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون * وإذا مرّوا بهم يتغامزون * وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين )) .
(( أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة ))، يعني : قد قيل لهم (( ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون )).
إذن صار تواضعهم للحقّ واتّباعهم للرسل هو الذي أبلغهم هذه المنازل العالية.
أما هؤلاء المستكبرون الذين فخروا بما أغناهم الله به من الجمع والمال، فإن ذلك لم يغن عنهم شيئا، فدل ذلك على فضل التواضع للحقّ، نسأل الله أن يجعلنا وإيّاكم من المتواضعين له وللحق الذي جاءت به رسله، إنّه على كلّ شيء قدير.