شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد ) رواه مسلم . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ) رواه مسلم . وعن أنس رضي الله عنه أنه مر على صبيان فسلم عليهم وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله متفق عليه . وعنه قال: ( إن كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت ) رواه البخاري . حفظ
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا ، حتى لا يفخر أحد على أحد ، ولا يبغي أحد على أحد ) رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ) رواه مسلم.
وعن أنس رضي الله عنه، أنَّه مرَّ على صبيان فسلم عليهم وقال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله ) متفق عليه .
وعنه قال: ( إن كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت ) رواه البخاري " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم:
هذه الأحاديث التي ذكرها المؤلف -رحمه الله- في كتاب رياض الصّالحين في باب التواضع، فمنها حديث عياض بن حمار رضي الله عنه : ( أن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى نبيّه صلى الله عليه وسلم أن تواضعوا ) : يعني أن يتواضع كل واحد للآخر ولا يترفّع عليه، بل يجعله مثلَه أو يكرمه أكثر، وكان من عادة السّلف -رحمهم الله- أن الإنسان منهم يجعل من هو أصغر منه مثل ابنه، ومن هو أكبر مثل أبيه، ومن هو مثله مثل أخيه، فينظر إلى مَن هو أكبر منه نظرة إكرام وإجلال، وإلى من هو دونه نظرة إشفاق ورحمة، وإلى مَن هو مثله نظرة مواساة ، فلا يبغي أحد على أحد، وهذا من الأمور التي يجب على الإنسان أن يتّصف بها ، أي : بالتواضع لله عزّ وجلّ ولإخوانه من المسلمين، أما الكافر فقد أمر الله تعالى بمجاهدته والغلظة عليه وإغاظته وإهانته بقدر المستطاع ، لكن مَن كان له عهد وذمّة فإنه يجب على المسلمين أن يفو له بعهده وذمّته وأن لا يخفروا ذمّته ، وأن لا يؤذوه ما دام له عهد.
ثمّ ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال : ( ما نقصت صدقة من مال ) : يعني أن الصّدقات لا تنقص الأموال كما يتوهّمه الإنسان ، وكما يَعِد به الشّيطان ، فإن الشّيطان كما قال الله عزّ وجلّ : (( يعدكم بالفقر ويأمركم بالفحشاء )) : الفاحشاء : كلّ ما يستفحش من بخل أو غيره ، فهو يعد الإنسان الفقر، إذا أراد أن يتصدّق قال: لا تتصدّق هذا ينقص مالك، هذا يجعلك فقيرا، لا تتصدّق أمسك، ولكنّ النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الصّدقة لا تنقص المال ، فإن قال قائل : كيف لا تنقص المال والإنسان إذا كان عنده مائة فتصدّق بعشرة صار له تسعون؟ فيقال: هذا نقص كم ولكنّها تزيد في الكيف، ثمّ يفتح الله للإنسان أبوابًا من الرّزق تردّ عليه ما أنفق، كما قال الله تعالى: (( وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه )) أي : يجعل بدله خلفا ، فلا تظنّ أنك إذا تصدّقت بعشرة من مائة فصارت تسعين أن ذلك ينقص المال ، بل يزيده بركة ونماء، وترزق من حيث لا تحتسب.
( وما زاد الله عبدا بعفو إلاّ عزّا ) : يعني أن الإنسان إذا عفى عمّن ظلمه فقد تقول له نفسه : إن هذا ذلّ وخضوع وخذلان، فبيّن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أن الله ما يزيد أحدًا بعفو إلاّ عزّا، يعني : يعزّه ويرفع من شأنه.
وفي هذا حثّ على العفو، ولكنّ العفو مقيّد بما إذا كان إصلاحًا لقول الله تعالى: (( فمن عفى وأصلح فأجره على الله ))، أما إذا لم يكن إصلاحا بل كان إفسادًا فإنّه لا يؤمر به، مثال ذلك: اعتدى شخص شرير معروف بالعدوان على آخر، فهل نقول للآخر الذي اعتُدي عليه: اعف عن هذا الشّرير؟ لا، ما نقول اعف عنه، لأنه شرير، إذا عفوت عنه تعدّى على غيرك من الغد أو عليك أنت أيضًا، فمثل هذا نقول: الحزم والأفضل أن تأخذه بجريرته، يعني أن تأخذ حقّك منه وأن لا تعفو عنه، لأن العفو عن أهل الشّرّ والفساد ليس بإصلاح، بل لا يزيدهم إلاّ فسادا وشرّا، فأما إذا كان في العفو خير وإحسان وربما يخجل الذي عَفوت عنه ولا يتعدّ عليك ولا على غيرك فهذا خير.
( وما تواضع أحد لله إلاّ رفعه ) : هذا الشاهد : ( ما تواضع أحد لله إلاّ رفعه الله ) : والتواضع لله له معنيان: المعنى الأول : أن تتواضع لدين الله فلا تترفّع عن الدّين ولا تستكبر عنه.
والثاني : أن تتواضع لعباد الله من أجل الله لا خوفا منهم ولا رجاء لما عندهم ولكن لله عزّ وجلّ، والمعنيان صحيحان، فمن تواضع لله عزّ وجلّ في الدّنيا وفي الآخرة وهذا أمر مشاهَد: أن الإنسان المتواضع يكون محلّ رفعة عند الناس وذكر حسن، ويحبّه الناس، وانظر إلى تواضع الرسول عليه الصّلاة والسّلام وهو أشرف الخلق حيث كانت الأَمَة من إماء المدينة تأتي إليه وتأخذ بيده وتذهب به حيث شاءت ليعينها في حاجتها، هذا وهو أشرف الخلق، أَمَة من الإماء تأتي تأخذ بيده تذهب به إلى حيث شاءت ليقضي حاجتها ولا يقول أين تذهبين بي؟ أو اذهبي أنا لي شغل أو ما أشبه ذلك، لكن مع هذا ما زاده الله عزّ وجلّ بذلك إلاّ عزّا ورفعة صلوات الله وسلامه عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ) رواه مسلم.
وعن أنس رضي الله عنه، أنَّه مرَّ على صبيان فسلم عليهم وقال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله ) متفق عليه .
وعنه قال: ( إن كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت ) رواه البخاري " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم:
هذه الأحاديث التي ذكرها المؤلف -رحمه الله- في كتاب رياض الصّالحين في باب التواضع، فمنها حديث عياض بن حمار رضي الله عنه : ( أن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى نبيّه صلى الله عليه وسلم أن تواضعوا ) : يعني أن يتواضع كل واحد للآخر ولا يترفّع عليه، بل يجعله مثلَه أو يكرمه أكثر، وكان من عادة السّلف -رحمهم الله- أن الإنسان منهم يجعل من هو أصغر منه مثل ابنه، ومن هو أكبر مثل أبيه، ومن هو مثله مثل أخيه، فينظر إلى مَن هو أكبر منه نظرة إكرام وإجلال، وإلى من هو دونه نظرة إشفاق ورحمة، وإلى مَن هو مثله نظرة مواساة ، فلا يبغي أحد على أحد، وهذا من الأمور التي يجب على الإنسان أن يتّصف بها ، أي : بالتواضع لله عزّ وجلّ ولإخوانه من المسلمين، أما الكافر فقد أمر الله تعالى بمجاهدته والغلظة عليه وإغاظته وإهانته بقدر المستطاع ، لكن مَن كان له عهد وذمّة فإنه يجب على المسلمين أن يفو له بعهده وذمّته وأن لا يخفروا ذمّته ، وأن لا يؤذوه ما دام له عهد.
ثمّ ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال : ( ما نقصت صدقة من مال ) : يعني أن الصّدقات لا تنقص الأموال كما يتوهّمه الإنسان ، وكما يَعِد به الشّيطان ، فإن الشّيطان كما قال الله عزّ وجلّ : (( يعدكم بالفقر ويأمركم بالفحشاء )) : الفاحشاء : كلّ ما يستفحش من بخل أو غيره ، فهو يعد الإنسان الفقر، إذا أراد أن يتصدّق قال: لا تتصدّق هذا ينقص مالك، هذا يجعلك فقيرا، لا تتصدّق أمسك، ولكنّ النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الصّدقة لا تنقص المال ، فإن قال قائل : كيف لا تنقص المال والإنسان إذا كان عنده مائة فتصدّق بعشرة صار له تسعون؟ فيقال: هذا نقص كم ولكنّها تزيد في الكيف، ثمّ يفتح الله للإنسان أبوابًا من الرّزق تردّ عليه ما أنفق، كما قال الله تعالى: (( وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه )) أي : يجعل بدله خلفا ، فلا تظنّ أنك إذا تصدّقت بعشرة من مائة فصارت تسعين أن ذلك ينقص المال ، بل يزيده بركة ونماء، وترزق من حيث لا تحتسب.
( وما زاد الله عبدا بعفو إلاّ عزّا ) : يعني أن الإنسان إذا عفى عمّن ظلمه فقد تقول له نفسه : إن هذا ذلّ وخضوع وخذلان، فبيّن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أن الله ما يزيد أحدًا بعفو إلاّ عزّا، يعني : يعزّه ويرفع من شأنه.
وفي هذا حثّ على العفو، ولكنّ العفو مقيّد بما إذا كان إصلاحًا لقول الله تعالى: (( فمن عفى وأصلح فأجره على الله ))، أما إذا لم يكن إصلاحا بل كان إفسادًا فإنّه لا يؤمر به، مثال ذلك: اعتدى شخص شرير معروف بالعدوان على آخر، فهل نقول للآخر الذي اعتُدي عليه: اعف عن هذا الشّرير؟ لا، ما نقول اعف عنه، لأنه شرير، إذا عفوت عنه تعدّى على غيرك من الغد أو عليك أنت أيضًا، فمثل هذا نقول: الحزم والأفضل أن تأخذه بجريرته، يعني أن تأخذ حقّك منه وأن لا تعفو عنه، لأن العفو عن أهل الشّرّ والفساد ليس بإصلاح، بل لا يزيدهم إلاّ فسادا وشرّا، فأما إذا كان في العفو خير وإحسان وربما يخجل الذي عَفوت عنه ولا يتعدّ عليك ولا على غيرك فهذا خير.
( وما تواضع أحد لله إلاّ رفعه ) : هذا الشاهد : ( ما تواضع أحد لله إلاّ رفعه الله ) : والتواضع لله له معنيان: المعنى الأول : أن تتواضع لدين الله فلا تترفّع عن الدّين ولا تستكبر عنه.
والثاني : أن تتواضع لعباد الله من أجل الله لا خوفا منهم ولا رجاء لما عندهم ولكن لله عزّ وجلّ، والمعنيان صحيحان، فمن تواضع لله عزّ وجلّ في الدّنيا وفي الآخرة وهذا أمر مشاهَد: أن الإنسان المتواضع يكون محلّ رفعة عند الناس وذكر حسن، ويحبّه الناس، وانظر إلى تواضع الرسول عليه الصّلاة والسّلام وهو أشرف الخلق حيث كانت الأَمَة من إماء المدينة تأتي إليه وتأخذ بيده وتذهب به حيث شاءت ليعينها في حاجتها، هذا وهو أشرف الخلق، أَمَة من الإماء تأتي تأخذ بيده تذهب به إلى حيث شاءت ليقضي حاجتها ولا يقول أين تذهبين بي؟ أو اذهبي أنا لي شغل أو ما أشبه ذلك، لكن مع هذا ما زاده الله عزّ وجلّ بذلك إلاّ عزّا ورفعة صلوات الله وسلامه عليه.