شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب تحريم الكبر والإعجاب . قال الله تعالى: (( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين )) . وقال تعالى: (( ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا )) . وقال تعالى: (( ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور )) . وقال تعالى: (( إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين )) إلى قوله تعالى: (( فخسفنا به وبداره الأرض )) الآيات ... " . حفظ
القارئ : قال -رحمه الله تعالى- : " باب تحريم الكبر والإعجاب :
قال الله تعالى: (( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادًا والعاقبة للمتقين )).
وقال تعالى: (( ولا تمش في الأرض مرحًا )) .
وقال تعالى: (( ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحًا إن الله لا يحب كل مختال فخور )).
وقال تعالى: (( إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين )) إلى قوله تعالى: (( فخسفنا به وبداره الأرض )) "
.
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف النّووي رحمه الله في كتابه *رياض الصّالحين : " فيما جاء في الكبر والإعجاب " : الكبر الترفّع واعتقاد الإنسان نفسه أنه كبير وأنه فوق الناس وأن له فضلًا عليهم، والإعجاب : أن يرى الإنسان عمل نفسه فيُعجب به ويستعظمه ويستكبره، فالإعجاب يكون في العمل، والكبر يكون في النفس، وكلاهما خلق مذموم : الكبر والإعجاب، والكبر نوعان:
كبر على الحقّ، وكبر على الخلق ، وقد بيّنهما النبي صلى الله عليه وآله وسلّم في قوله: ( الكبر بَطَر الحقّ وغمط الناس ) : فَبَطَر الحقّ : يعني ردّه والإعراض عنه وعدم قبوله، وغمط الناس : يعني احتقارهم وازدراءهم وأن لا يرى الناس شيئا، ويرى أنه فوقهم وما أشبه ذلك .
وقيل لرجل ماذا ترى الناس؟ قال لا أراهم إلاّ مثل البعوض، فقيل له: إنّهم لا يرونك إلاّ مثل البعوضة.
وقيل لآخر ما ترى الناس؟ قال: أرى الناس أعظم منّي ولهم شأن ولهم منزلة، فقيل له: إنهم يرونك أعظم منهم وأن لك شأنا ومحلاّ ، فأنت إذا رأيت الناس مرأى، فالناس يرونك مثلما تراهم، إن رأيتهم في محلّ الإكرام والإجلال والتّعظيم، وأنزلتهم منزلتهم، عرفوا لك ذلك، ورأوك في محلّ الإجلال والإكرام والتعظيم ونزّلوك منزلتك، والعكس بالعكس.
أما بَطَر الحقّ : فهو ردّه وأن لا يقبل الإنسان الحقّ، بل يرفضه ويردّه اعتدادًا بنفسه ورأيه ، فيرى والعياذ بالله أنه أكبر من الحقّ، وعلامة ذلك أن الإنسان يُؤتى إليه بالأدلّة من الكتاب والسّنّة ويقال: هذا كتاب الله، هذه سنّة رسول الله ولكنّه لا يقبل، يستمرّ على رأيه، فهذا ردّ الحقّ والعياذ بالله، وكثير من الناس ينتصر لنفسه، إذا قال قولا لا يمكن أن يتزحزح عنه، ولو رأى الصّواب في خلافه.
ولكنّ هذا خلاف العقل، وخلاف الشّرع، فالواجب أن يرجع الإنسان للحقّ حيث ما وجده حتى لو خالف قوله فليرجع إليه فإنّها أعزّ له عند الله، وأعزّ له عند الناس، وأسلم لذمّته، وأبرأ، ولا يضرّه، لا تظنّ أنّك إذا رجعت عن قولك لبيان الصواب أن ذلك يضع منزلتك عند الناس، بل هذا يرفع منزلتك، ويعرف الناس أنّك لا تتبع إلاّ الحقّ، أما الذي يعاند ويبقى على ما هو عليه ويردّ الحق فهذا متكبّر والعياذ بالله.
وهذا الثاني يقع من بعض الناس والعياذ بالله حتى من طلبة العلم، يتبيّن له بعد المناقشة وجه الصّواب، وأنّ الصواب خلاف ما قاله بالأمس، ولكنّه يبقى على رأيه، يملي عليه الشّيطان أنه إذا رجع استهان الناس به وقالوا : هذا إنسان إمّعة ، كل يوم له قول ، وهذا لا يضرّ ، إذا رجعت إلى الصواب فليكن قولك اليوم خلاف قولك بالأمس، فالأئمة الأجلّة يكون لهم في المسألة الواحدة أقوال متعدّدة، هاهو الإمام أحمد رحمه الله إمام أهل السّنّة وأرفع الأئمّة من حيث اتّباع الدليل، وسعة الإطّلاع، نجد أن له في المسألة الواحدة في بعض الأحيان أكثر مِن أربعة أقوال، لماذا؟ لأنه إذا تبيّن له الدّليل رجع إليه، وهكذا شأن كلّ إنسان مُنصف: أن يتبع الدليل حيث ما كان.
ثمّ ذكر المؤلف آيات تتعلّق بهذا الباب بيّن فيها -رحمه الله- أنها كلّها تدلّ على ذمّ الكِبر، وأخّر ذكر الآيات المتعلّقة بقارون، وقارون رجل من بني إسرائيل من قوم موسى، أعطاه الله سبحانه وتعالى مالا كثيراً ، حتّى أنّ مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوّة : يعني مفاتيح الخزائن تثقل وتشق ، على العصبة : يعني الجماعة من الناس من الرّجال، أولي القوّة : في كثرتها (( إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحبّ الفرحين )) : فإنّ هذا الرجل بَطِر والعياذ بالله وتكبّر ولما ذكّر بآيات الله ردّها واستكبر قال: (( إنما أوتيته على علم عندي )) : فأنكر فضل الله عليه، وقال أنا أخذته بيدي، عندي علم أدركت به هذا المال، وكانت النّتيجة أن الله خسف به وبداره الأرض، زال هو وأملاكه : (( فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين * وأصبح الذين تمنّوا مكانه بالأمس يقولون ويكأنَّ الله يبسط الرّزق لمن يشاء ويقدر لولا أن منّ الله علينا لخسف بنا )) : فتأمّل نتيجة الكبر والعياذ بالله والعُجب والإعتداد بالنّفس، كيف كان عاقبة ذلك الهلاك والدّمار، فالله الموفّق.
بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف النّووي رحمه الله في كتاب: *رياض الصّالحين : " باب: تحريم الكبر والإعجاب " : وقد سبق الكلام على كلّ معنى منهما، وسبق الكلام على الآيات التي جاءت في قارون .
ثمّ ذكر المؤلف عدّة آيات منها قوله تعالى: (( تلك الدّار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتّقين )) : الدار الآخرة هي آخر دور بني آدم ، لأنّ ابن آدم له أربعة دور كلّها تنتهي بالآخرة، الدار الأولى : في بطن أمّه، والدار الثانية : إذا خرج من بطن أمّه إلى دار الدّنيا، والدار الثالثة : البرزخ ما بين موته وقيام السّاعة، والدار الرابعة : الدار الآخرة، وهي النّهاية وهي القرار، هذه الدار قال الله تعالى : (( نجعلها للذين لا يريدون علوًّا في الأرض ولا فسادًا )) : لا يريدون التعلّي على الحقّ ولا التعلّي على الخلق، وإنّما هم متواضعون، وإذا نفى الله عنهم إرادة العلوّ والفساد فهو من باب أولى أن لا يكون علوّ ولا فساد، فهم لا يعلون في الأرض ولا يفسدون ولا يريدون ذلك، لأن الناس ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:
قسم علا وأفسد، فهذا اجتمع في حقّه الإرادة والفعل.
وقسم لم يرد الفساد ولا العلوّ فقد انتفى عنه الأمران.
وقسم ثالث : يريد العلوّ والفساد لكن لا يقدر عليه، فهذا الثالث بين الأول والثاتي لكن عليه الوزر، لأنه أراد السّوء.
فالدار الآخرة إنما تكون للذين لا يريدون علوّا في الأرض : أي تعليّا على الحقّ أو على الخلق ، (( ولا فسادا والعاقبة للمتّقين )).
فإن قال قائل: ما هو الفساد في الأرض؟
فالجواب: أن الفساد في الأرض ليس هدم المنازل ولا إحراق الزروع، الفساد في الأرض بالمعاصي، كما قال أهل العلم رحمهم الله في قوله تعالى: (( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها )) أي: لا تعصوا الله، لأن المعاصي سبب للفساد قال الله تبارك وتعالى: (( ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون )) : فلم يفتح عليهم الله بركات من السّماء ولا من الأرض، فالفساد في الأرض يكون بالمعاصي نسأل الله العافية .
وقال الله تبارك وتعالى : (( ولا تمش في الأرض مرحًا )) يعني : لا تمشي مرحا مستكبرا متبخترا متعاظما في نفسك، وفي الآية الثانية : (( ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً )) : يعني مهما كنت لا تقدر تنزل في الأرض ولا تتباهى حتّى تساوي الجبال ، بل إنّك أنت أنت ، أنت ابن آدم حقير ضعيف فكيف تمشي في الأرض مَرحًا؟!، وقال تعالى : (( ولا تصعّر خدّك للناس ولا تمش في الأرض مرحًا إن الله لا يحب كل مختال فخور )) ، تصعير الخدّ للناس : أن يعرض الإنسان عن الناس فتجده والعياذ بالله مستكبراً لاوياً عنقه ، تحدّثه وهو يحدّثك وقد صدّ عنك هكذا ، صعّر خدّه ، (( ولا تمش في الأرض مرحا )) : يعني لا تمشي تبخترا وتعاظما وتكبّرا ، (( إنّ الله لا يحبّ كلّ مختال فخور )) : المختال في هيئته والفخور في لسانه وقوله، فهو في هيئته مختال: في ثيابه، في ملابسه، في مظهره، في مشيه، فخور بقوله ولسانه، فالله تعالى لا يحب هذا، إنما يحب المتواضع، الغني، الخفيّ، التّقيّ، هذا هو الذي يحبّه الله عزّ وجلّ، نسأل الله تعالى أن يهدينا وإيّاكم لأحسن الأخلاق والأعمال، وأن يجنّبنا سيّئات الأخلاق والأعمال إنه جواد كريم.