شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب الحلم والأناة والرفق . قال الله تعالى: (( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين )) وقال تعالى: (( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )) وقال تعالى: (( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم )) وقال تعالى: (( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور )) ... " . حفظ
القرئ : قال -رحمه الله تعالى- : " باب الحلم والأناة والرفق :
قال الله تعالى: (( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين )).
وقال تعالى: (( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )).
وقال تعالى: (( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يُلقَّاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم )) " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " باب الحلم والأناة والرّفق " : هذه ثلاثة أمور متقاربة: الحلم والأناة والرّفق :
أما الحِلم: فهو أن يملك الإنسان نفسه عند الغضب، إذا حصل غضب وهو قادر فإنه يحلم ولا يعاقب، ولا يعاجل بالعقوبة.
وأما الأناة: فهو التأني في الأمور وعدم العجلة وأن لا يأخذ الإنسان الأمور بظاهرها فيتعجّل ويحكم على الشّيء قبل أن يتأنّى فيه وينظر.
وأما الرّفق: فهو معاملة النّاس بالرفق والهون، حتى وإن استحقوا ما يستحقّون من العقوبة والنّكال فإنه يرفق بهم، ولكن هذا فيما إذا كان الإنسان الذي يُرفق به محلاّ للرفق، أما إذا لم يكن محلاّ للرّفق فإن الله سبحانه وتعالى قال: (( الزانية والزاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين )).
ثمّ ساق المؤلف آيات قال في الآية الأولى: (( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحبّ المحسنين )) : هذه من جملة الأوصاف التي يتصف بها المتّقون الذين أعدّت لهم الجنّة: أنه يكظمون الغيظ، إذا غضبوا كظموا الغيظ، وفي قوله: (( الكاظمين الغيظ )) : دليل على أنهم يشقّ عليهم ذلك لكنّهم يغلبون أنفسهم فيكظمون غيظهم، ولهذا قال النبي عليه الصّلاة والسّلام: ( ليس الشّديد بالصُّرَعة ) الصُرَعة: يعني الذي يصرع الناس إذا صارعوه ( وإنما الشّديد الذي يملك نفسه عند الغضب ).
وأما قوله تعالى: (( والعافين عن الناس )) فقد سبق الكلام عليه وبيان التفصيل فيمن يستحقّ العفو ومن لا يستحقّ، فالإنسان الشّرّير الذي لا يزداد بالعفو عنه إلاّ سوءً وشراسة ومعاندة هذا لا يُعفى عنه، والإنسان الذي هو أهل للعفو ينبغي للإنسان أن يعفو عنه لأن الله يقول: (( فمن عفى وأصلح فأجره على الله )).
وأما الآية الثانية فهي قوله تعالى: (( خُذِ العفو وأمُرْ بالعُرف وأعرض عن الجاهلين )) قال: (( خذ العفو )) ولم يقل: اعف، ولا افعل العفو، قال: (( خذ العفو ))، والمراد بالعفو هنا: ما عفا وسهل من الناس، فمن أراد من الناس أن يعاملوه على الوجه الذي يحبّ، على الوجه الأكمل فهذا شيء يصعب عليه ويشقّ عليه ويتعب وراء الناس، وأما من استرشد بهذه الآية، وأخذ ما عفا من الناس وما سهل، فما جاءه منهم قبله، وما أضاعوه من حقّه تركه، إلاّ إذا انتهكت محارم الله فإن هذا هو الذي أرشد الله إليه، نأخذ العفو، خذ ما تيسّر من أخلاق الناس ومن معاملتهم لك والباقي أنت صاحب الفضل فيه إذا تركته.
(( وأمر بالعرف )): يعني اؤمر بما يتعارفه الناس ويعرفه الشّرع من أمور الخير، ولا تسكت عن الأمر بالخير إذا كان الناس أخلّوا به، فيما بنك وبينهم حقّك افعل ما تشاء، لكن الشيء المعروف ينبغي أن تأمر به.
(( وأعرض عن الجاهلين )): المراد بالجاهل هنا ليس الذي لا يعلم الحكم، بل الجاهل: السّفيه في التّصرّف كما قال الله تعالى: (( إنما التّوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة )) أي: بسفاهة ، (( ثمّ يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم )) فالجاهلون هنا: هم السّفهاء الذين يجهلون حقوق الغير ويفرّطون فيها أعرض عنهم ولا تبال بهم، وأنت إذا أعرضت عنهم ولم تبال بهم فإنهم سوف يملّون ويتعبون ثمّ بعد ذلك يرجعون إلى صوابهم، لكن إذا عاندتهم أو خاصمتهم أو أردت منهم أن يعطوك حقّك كاملا، فإنهم ربّما لسفههم يعاندون، ولا يأتون بالذي تريد، فهذه ثلاثة أوامر من الله عزّ وجلّ فيها الخير لو أننا سرنا عليها، (( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )) ويأتي إن شاء الله بقيّة الكلام عن الآيات.
قال الله تعالى: (( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين )).
وقال تعالى: (( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )).
وقال تعالى: (( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يُلقَّاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم )) " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " باب الحلم والأناة والرّفق " : هذه ثلاثة أمور متقاربة: الحلم والأناة والرّفق :
أما الحِلم: فهو أن يملك الإنسان نفسه عند الغضب، إذا حصل غضب وهو قادر فإنه يحلم ولا يعاقب، ولا يعاجل بالعقوبة.
وأما الأناة: فهو التأني في الأمور وعدم العجلة وأن لا يأخذ الإنسان الأمور بظاهرها فيتعجّل ويحكم على الشّيء قبل أن يتأنّى فيه وينظر.
وأما الرّفق: فهو معاملة النّاس بالرفق والهون، حتى وإن استحقوا ما يستحقّون من العقوبة والنّكال فإنه يرفق بهم، ولكن هذا فيما إذا كان الإنسان الذي يُرفق به محلاّ للرفق، أما إذا لم يكن محلاّ للرّفق فإن الله سبحانه وتعالى قال: (( الزانية والزاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين )).
ثمّ ساق المؤلف آيات قال في الآية الأولى: (( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحبّ المحسنين )) : هذه من جملة الأوصاف التي يتصف بها المتّقون الذين أعدّت لهم الجنّة: أنه يكظمون الغيظ، إذا غضبوا كظموا الغيظ، وفي قوله: (( الكاظمين الغيظ )) : دليل على أنهم يشقّ عليهم ذلك لكنّهم يغلبون أنفسهم فيكظمون غيظهم، ولهذا قال النبي عليه الصّلاة والسّلام: ( ليس الشّديد بالصُّرَعة ) الصُرَعة: يعني الذي يصرع الناس إذا صارعوه ( وإنما الشّديد الذي يملك نفسه عند الغضب ).
وأما قوله تعالى: (( والعافين عن الناس )) فقد سبق الكلام عليه وبيان التفصيل فيمن يستحقّ العفو ومن لا يستحقّ، فالإنسان الشّرّير الذي لا يزداد بالعفو عنه إلاّ سوءً وشراسة ومعاندة هذا لا يُعفى عنه، والإنسان الذي هو أهل للعفو ينبغي للإنسان أن يعفو عنه لأن الله يقول: (( فمن عفى وأصلح فأجره على الله )).
وأما الآية الثانية فهي قوله تعالى: (( خُذِ العفو وأمُرْ بالعُرف وأعرض عن الجاهلين )) قال: (( خذ العفو )) ولم يقل: اعف، ولا افعل العفو، قال: (( خذ العفو ))، والمراد بالعفو هنا: ما عفا وسهل من الناس، فمن أراد من الناس أن يعاملوه على الوجه الذي يحبّ، على الوجه الأكمل فهذا شيء يصعب عليه ويشقّ عليه ويتعب وراء الناس، وأما من استرشد بهذه الآية، وأخذ ما عفا من الناس وما سهل، فما جاءه منهم قبله، وما أضاعوه من حقّه تركه، إلاّ إذا انتهكت محارم الله فإن هذا هو الذي أرشد الله إليه، نأخذ العفو، خذ ما تيسّر من أخلاق الناس ومن معاملتهم لك والباقي أنت صاحب الفضل فيه إذا تركته.
(( وأمر بالعرف )): يعني اؤمر بما يتعارفه الناس ويعرفه الشّرع من أمور الخير، ولا تسكت عن الأمر بالخير إذا كان الناس أخلّوا به، فيما بنك وبينهم حقّك افعل ما تشاء، لكن الشيء المعروف ينبغي أن تأمر به.
(( وأعرض عن الجاهلين )): المراد بالجاهل هنا ليس الذي لا يعلم الحكم، بل الجاهل: السّفيه في التّصرّف كما قال الله تعالى: (( إنما التّوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة )) أي: بسفاهة ، (( ثمّ يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم )) فالجاهلون هنا: هم السّفهاء الذين يجهلون حقوق الغير ويفرّطون فيها أعرض عنهم ولا تبال بهم، وأنت إذا أعرضت عنهم ولم تبال بهم فإنهم سوف يملّون ويتعبون ثمّ بعد ذلك يرجعون إلى صوابهم، لكن إذا عاندتهم أو خاصمتهم أو أردت منهم أن يعطوك حقّك كاملا، فإنهم ربّما لسفههم يعاندون، ولا يأتون بالذي تريد، فهذه ثلاثة أوامر من الله عزّ وجلّ فيها الخير لو أننا سرنا عليها، (( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )) ويأتي إن شاء الله بقيّة الكلام عن الآيات.