شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا متفق عليه ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذه الأحاديث ذكرها النّووي -رحمه الله- في باب الرّفق والحلم والأناة في *رياض الصالحين : عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( يسروا ولا تعسروا ، وبشروا ولا تنفروا ) هذه أربع جمل: الأولى: قوله : يسّروا يعني : اسلكوا ما فيه اليسر والسهولة ، سواء كان فيما يتعلّق بأعمالكم أو معاملاتكم مع غيركم ، ولهذا كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم مِن هديه أنه ما خُيّر بين أمرين إلاّ اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه، فأنت اختر الأيسر لك حتى في كلّ أحوالك، حتى في العبادات وفي المعاملات مع الناس في كلّ شيء، لأن اليُسر هو الذي يريده الله عزّ وجلّ منّا ويريده بنا : (( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )) ، فمثلا إذا كان لك طريقان إلى المسجد أحدهما صعب فيه حصى وأحجار وأشواك والثاني سهل، فالأفضل أن تسلك الأسهل، إذا كان هناك ماءان وأنت في الشّتاء أحدهما بارد يؤلمك، والثاني ساخن ترتاح له، فالأفضل أن تستعمل السّاخن، لأنه أيسر وأسهل، إذا كان يمكن أن تحجّ على سيّارة أو تحجّ على بعير والسّيارة أسهل فالحجّ على السّيّارة أفضل، المهم أنه كلما كان أيسر فهو أفضل ما لم يكن إثما، لأن عائشة تقول : ( كان الرسول عليه الصّلاة والسلام ما خيّر بين أمرين إلاّ اختار أيسرهما ما لم يكن إثما ) ، أما إذا كان فعل العبادة لا يتأتّى إلاّ بمشقّة وهذه المشقّة لا تسقطها عنك ففعلتها على مشقّة فهذا أجر يزداد لك الأجر ، فإن إسباغ الوضوء على المكاره مما يرفع الله به الدّرجات ، ويكفّر به الخطايا ، لكن كون الإنسان يذهب إلى الأصعب مع إمكان الأسهل هذا خلاف الأفضل ، الأفضل اتباع الأسهل في كلّ شيء ، وانظر إلى الصّوم قال فيه الرسول عليه الصّلاة والسلام : ( لا يزال الناس بخير ما عجّلوا الفطر ) ، وفي حديث آخر ليس في الصّحيحين : ( وأخّروا السَّحور ) لماذا ؟ لأن تأخير السَّحور أقوى على الصّوم مما إذا تقدّم والمبادرة بالفطر أسهل وأيسر على النّفس لا سيما مع طول النّهار وشدّة الظّمأ ، فهذا وغيره من الشّواهد يدلّ على أن الأيسر أفضل ، فأنت يسّر على نفسك.
كذلك أيضا في مزاولة الأعمال : إذا رأيت أنّك إذا سلكت هذا العمل فهو أسهل وأقرب ويحصل به المقصود فلا تكلّف نفسك في أعمال أخرى أكثر من اللاّزم وأنت لا تحتاج إليها، فافعل ما هو أسهل في كلّ شيء، خذ هذه قاعدة : " أنّ اتّباع الأسهل والأيسر هو الأرفق بالنّفس والأفضل عند الله ".
( ولا تعسّروا ) : يعني لا تسلكوا طرق العسر لا في عباداتكم ولا في معاملاتكم ولا غير ذلك فإن هذا منهيّ عنه، ( لا تعسّروا )، ولهذا : ( لما رأى النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجلا واقفا في الشّمس سأل عنه، قالوا يا رسول الله: هذا صائم نذر أن يصوم ويقف في الشّمس، فنهاه وقال له: لا تقف في الشّمس ) ، لأنّ هذا فيه عسر على الإنسان ومشقّة ، والرّسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا تعسّروا ).
الجملة الثالثة قال: ( وبشّروا ولا تنفّروا ) : بشّروا يعني اجعلوا طريقكم دائما البشارة، بشّروا أنفسكم وبشّروا غيركم.