تتمة شرح حديث ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء ... ) . حفظ
الشيخ : فمثلا إذا أردت أن تقتل فأراً وقتلها مستحب، فأحسن القتلة، اقتلها بما يزهق روحها حالا، لا تؤذها، ومن أذيتها ما يفعله بعض الناس يضع لها شيئا لاصقا تلتصق به ثمّ يدعها تموت جوعا وعطشا وهذا لا يجوز، فإذا وضعت هذا اللاّصق فلابدّ أن تكرّر مراجعة هذا اللاصق ومراقبته حتى إذا وجدت فيه شيئا لاصقا اقتله، أما أن تترك هذا اللاّصق يومين ثلاثة وتقع فيه الفأرة وتموت عطشا أو جوعا فإنه يخشى عليك أن تدخل النار بذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( دخلت النار امرأة في هرّة حبستها حتى ماتت، لا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض ) ، المهم أن ما يشرع قتله فاقتله بأقرب ما يكون من إهلاكه وإتلافه ، ومن ذلك الوزغ ، الوزغ الذي يسمّى السّامّ الأبرص، يسمى البورصي ، أيضا اقتله واحرص على أن يموت بأوّل مرّة فهو أفضل وأعظم أجرا وأيسر له، وكذلك بقية الأشياء التي تقتل .
ومن ذلك من يقتلوا قصاصًا، لكن من يقتل قصاصًا فإنه يفعل به كما فعل في المقتول، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلّم رُفع إليه قضيّة امرأة أتاها يهوديّ، وكان معها حُليّ، فقتلها وأخذ الحليّ، لكن كيف قتلها؟ وضع رأسها على حجر وقتلها بالحجر الثاني، فرضّ رأسها بين حجرين، فأتي إليها وفيها رمق من حياة فقيل لها من قتلك؟ فلان فلان فلان؟ حتى ذكروا اليهودي فأشارت برأسها أن نعم، فأخذوا اليهودي فاعترف، فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أن يرضّ رأسه بين حجرين، وُضع رأسه على حجر ثمّ ضرب بالحجر الثاني حتّى مات، لأن هذا قصاص، والله عزّ وجلّ يقول: (( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم )) ، لكن وجب قتله لحرابة، حرابة يعني أنه صار يقطع الطريق على الناس، يأخذ الأموال ويقتل الناس فهذا يقتل لكن يقتل بالسّيف، يقتل بالسيف إلاّ إذا كان قد مثّل بمن قتله فيمثل به بحسب ما فعل ، يفعل به كما فعل .
فإن قال قائل : ما تقولون في الرّجل إذا زنى وهو وحصن فإنه يرجم بالحصى، بالحجر الصّغير حتى يموت وهذا يؤلمه ويؤذيه قبل أن يموت، فهل يعارض هذا الحديث؟ فالجواب لا، لا يعارضه، لأنه يحمل على أحد أمرين : إما أن يراد بإحسان القتلة ما وافق الشّرع ، وحينئذ يكون الرّجم من إحسان القتلة ، لأنه موافق للشّرع، وإما أن يقال : هذا مستثنى دلّت عليه السّنة ، بل دلّ عليه القرآن الذي نسخ لفظه وبقي حكمه ودلّ عليه صريح السّنّة ، فالزاني المحصن الذي قد تزوّج وجامع زوجته إذا زنى والعياذ بالله فإنه يؤتى به ، ويؤخذ حجارة صغيرة أقل من البيضة ، مثل التمرة تقريبا أو أكبر قليلا ، ويضرب يرجم حتى يموت ، ويُتقّى المقاتل ، يعني ما يضرب بشيء يموت به سريعا، بل يضرب على ظهره وبطنه وما أشبه ذلك حتى يموت ، لأن هذا الواجب، والحكمة مِن هذا أن البدن الذي تلذّذ بالشّهوة المحرّمة وعمّت الشّهوة جميع بدنه ينبغي أو من الحكمة أن تعم العقوبة جميع بدنه ، وهذا من حكمة الله عزّ وجلّ ، ثم قال النبي عليه الصّلاة والسّلام : ( وليحدّ أحدكم شفرته ) :اللاّم للأمر، يحدّ : يعني يجعلها حديدة سريعة القطع، والشّفرة : السّكّين يعني إذا أردت أن تذبح فاذبح بسكين مشحوذة أي : مسنونة ، بحيث يكون ذلك أقرب إلى القطع بدون ألم.
( وليرح ذبيحته ) : ليرح ذبيحته : هذا أمر زائد على شحذ الشفرة وذلك بأن يقطع بقوّة ، يضع السّكين على الرّقبة ثم يجرّها بقوّة ، حتى يكون ذلك أسرع من كونه يحرحر ويردّد مرّتين ثلاثة ، وبعض الناس ما شاء الله عليهم ! ، بعض الناس مرة واحدة حتى يقطع الودجين والحلقوم والمريء ، لأنه يأخذ السكين بقوة وتكون السّكين جيّدة مشحوذة فيسهل على الذّبيحة أو المنحورة يسهل عليها الموت ، ومن إراحة الذّبيحة أن تضع رجلك على رقبتها، ضع الرّجل على الرّقبة، وأمسك بالرأس باليد اليسرى واذبح باليد اليمنى، وحينئذ تكون مضجعة على الجنب الأيسر، ودع القوائم، اليدين والرّجلين دعها، خلّها تتحرّك بسهولة، لأنك إذا أمسكت بها فإن هذا ضغط عليها، وإذا تركتها تتحرّك بيديها ورجليها كان هذا أيسر لها، وفيه أيضا فائدة وهو تفريغ الدّم بهذه الحركة، لأنه مع الحركة والإضطراب يتفرّغ الدّم أكثر ، وكلّما تفرّغ فهو أحسن ، وأما ما يفعله بعض العامّة مِن أنّه يأخذ بيدها اليسرى ويلويها على عنقها ثم يبرك على قوائمها الثّلاث رجل ، ويمسك بها حتى لا تتحرّك أبدًا ، فهذا خلاف السّنّة، السّنّة أنّك تضع الرّجل على الرّقبة ، ثمّ تدع القوائم تتحرّك ، لأن ذلك أيسر لها وأشد فراغًا أو تفريغاً للدّم .
( وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ) : الشّاهد من هذا الحديث قوله عليه الصّلاة والسّلام : ( إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبحة ) ، فإن هذا من الرّفق ، والله الموفّق.