شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب العفو والإعراض عن الجاهلين . قال الله تعالى: (( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )) . وقال تعالى: (( فاصفح الصفح الجميل )) وقال تعالى: (( وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم )) . وقال تعالى: (( والعافين عن الناس والله يحب المحسنين )) .
وقال تعالى: (( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور )) . والآيات في الباب كثيرة معلومة . وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ قال: ( لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك فما شئت إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ) متفق عليه ... " . حفظ
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسلام على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين :
قال -رحمه الله تعالى- : " باب العفو والإعراض عن الجاهلين :
قال الله تعالى: (( خذ العفو وأمر بالعُرف وأعرض عن الجاهلين )).
وقال تعالى: (( فاصفح الصفح الجميل )).
وقال تعالى: (( وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم )).
وقال تعالى: (( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين )).
وقال تعالى: (( ولَمَن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور )).
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: ( هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: لقد لقيتُ من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عَرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كُلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي وإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم عليَّ ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك فما شئت، إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله مِن أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ) متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف النّووي في كتابه *رياض الصالحين : " باب العفو والإعراض عن الجاهلين " ، ثمّ ساق آيات تكلّمنا عليها سابقا في أبواب سبقت .
ثمّ ذكر حديث عائشة رضي الله عنها أنها سألت النّبيّ صلى الله عليه وسلّم : ( هل مرّ عليك يوم أشدّ من يوم أحد؟ ) : لأن يوم أحد كان شديدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم أحد كان غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين تجمّعت قريش لغزوه لينتقموا مِن النبيّ صلى الله عليه وسلم فيما حصل من قتل زعمائهم في بدر، لأنه قتل في بدر وهي في السّنة الثانية، قتل من زعمائهم أناس لهم شرف وجاه في قريش، وفي شوال من السّنة التي تليها وهي الثالثة : اجتمعت قريش فجاؤوا إلى المدينة ليغزوا النبي صلى الله عليه وسلم ، ولما سمع بهم النبي عليه الصّلاة والسّلام استشار أصحابه هل يخرج إليهم أو يبقى في المدينة ، فإذا دخلوا المدينة قاتلهم ، فأشار عليه الشّبّان والذين لم يحضروا بدرًا أشاروا عليه أن يخرج إليهم ، فخرج إليهم عليه الصّلاة والسّلام في نحو ألف مقاتل ، إلاّ أنه انخزل نحو ثلث الجيش ، لأنهم كانوا منافقين والعياذ بالله ، وقالوا : (( لو نعلم قتالا لاتّبعناكم )) ، فبقي النّبي صلى الله عليه وسلم في نحو سبعمائة نفر ، ورتّبهم الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أحسن ترتيب في سفح جبل أحد، وحصل القتال، وانهزم المشركون في أول النّهار، وبدأ المسلمون يجمعون الغنائم، وكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم قد جعل على ثَغَرِ الجبل خمسين رجلا راميًا يحمون ظهور المسلمين، ولما رأى هؤلاء الرّماة أن المسلمين هزموا المشركين وصاروا يجمعون الغنائم قالوا : لننزل من هذا حتى نساعد المسلمين على جمع الغنائم ، ظنّوا هكذا ، فذكّرهم أميرهم عبد الله بن جبير ذكّرهم ما قال الرسول عليه الصّلاة والسلام لهم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما وضعهم في هذا المكان قال : ( لا تبرحوا مكانكم، ولا تتعدّوه سواء لنا أو علينا ) : لكنّهم عفا الله عنهم تعجّلوا ونزل أكثرهم ، فلما رأى فرسان قريش أن المكان مكان الرّماة خاليا كرّوا على المسلمين من الخلف ، ومنهم خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل ، اللّذان أسلما فيما بعد وصارا فارسين من فوارس المسلمين ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، دخلوا على المسلمين من خلفهم واختلطوا بالمسلمين واستشهد من المسملين سبعون رجلا على رأسهم أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب عمّ النبي عليه الصّلاة والسّلام ، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم يجبّه ويجلّه، وحصل على النبي عليه الصّلاة والسّلام ما حصل، ضربوا وجهه، وشجّوه، وصار الدّم ينزف على وجهه وفاطمة تغسّله، تغسّل الدّم حتى إذا لم يتوقّف أحرقت حصيرًا يعني : خُصّافًا من سعف النخل وذرّته عليه حتّى وقف ، وكسروا رباعيته عليه الصلاة والسّلام ، وحصل من البلاء ما حصل ، حصل بلاء عظيم قال الله تعالى فيها: (( فلما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كلّ شيء قدير * وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله )) ، (( ونعم المولى ونعم النّصير )) : ما دام الأمر بإذنه فهو خير ، وحصل في هذا ما حصل من الشدّة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه ، وحملوا الشّهداء إلى المدينة ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يُردّوا إلى مصارعهم ، إلى المكان الذي استشهدوا فيه ودفنوا هناك ، ليخرجوا يوم القيامة مِن هذا المكان الذي استشهدوا فيه رضي الله عنهم وأرضاهم ، فقال النبي عليه الصّلاة والسّلام لعائشة لما سألته : ( هل مرّ عليك يوم أشد من يوم أحد؟ قال: نعم ) ، وذكر لها قصّة ذهابه إلى الطائف ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعا قريشًا في مكة ولم يستجيبوا له خرج إلى الطائف ليبلّغ كلام الله عزّ وجلّ ، ودعا أهل الطائف لكن كانوا أسفه من أهل مكّة ، اجتمعوا هم وسفهاؤُهم وصاروا صفّين متقابلين في طريق النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام ، وجعلوا يرمونه بالحجارة ، يرمونه بالحصى حتى أدموا عقبه صلّى الله عليه وسلّم وخرج ، خرج مغموماً مهموماً ولم يفق إلاّ وهو في قرن الثعالب ، فأظلّـه غمامة فرفع رأسه فإذا في هذه الغمامة جبريل عليه السّلام وقال له : ( هذا ملك الجبال يقرؤك السّلام -فسلم عليه وقال- إن ربي أرسلني إليك فإن شئت أن أطبق عليهم -يعني الجبلين- فعلت ) ، ولكنّ النبي صلى الله عليه وسلم لحِلمه وبعد نظره وتأنّيه في الأمر قال : ( لا )، لأنه لو أطبق عليهم الجبلين هلكوا ، ( لا ، وإني لأرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً ) : وهذا الذي حصل : أن الله تعالى أخرج من أصلاب هؤلاء المشكرين الذين آذوا الرّسول صلى الله عليه وسلم هذه الأذيّة العظيمة أخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً ، فهذا يبيّن أن الرسول عليه الصّلاة والسّلام حصل له أشد مما حصل له في أحد ، وحصل له أنواع من الأذى لكنه صابر، ومن أعظم ما كان : أنه كان ذات ساجدًا تحت الكعبة يصلي لله، والمسجدُ الحرام لو يجد الإنسان قاتل أبيه فيه ما قتله، وكان ساجدًا فقال بعض السّفهاء من قريش والمعتدين منهم : " اذهبوا إلى جزور آل فلان فأتوا بِسَلاها فضعوه على محمّد عليه الصّلاة والسّلام وهو ساجد " ، فذهبوا وأتوا بسلى الجزور الناقة والرسول عليه الصّلاة والسّلام ساجد تحت الكعبة فوضعوه على ظهره إهانة له وإغاظة له فبقي عليه الصّلاة والسّلام ساجداً حتى جاءت بنته فاطمة رضي الله عنها وألقت السَّلَى عن ظهره فقام من السّجود ولما سلّم رفع يديه عليه الصلاة والسلام يدعو الله تعالى على هؤلاء الملأ من قريش.
فالشاهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يُؤذى أشدّ الأذى ومع ذلك يعفو ويصفح ويتأنى ويترجّى ، فبلّغه الله ولله الحمد مراده، وحصل له النّصر، النّصر المبين المؤزّر، هكذا ينبغي للإنسان أن يصبر على الأذى لا سيما إذا أوذي في الله فإنه يصبر ويحتسب وينتظر الفرج، وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : ( واعلم أنّ النّصر مع الصّبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسرا ) والله أعلم.
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسلام على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين :
قال -رحمه الله تعالى- : " باب العفو والإعراض عن الجاهلين :
قال الله تعالى: (( خذ العفو وأمر بالعُرف وأعرض عن الجاهلين )).
وقال تعالى: (( فاصفح الصفح الجميل )).
وقال تعالى: (( وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم )).
وقال تعالى: (( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين )).
وقال تعالى: (( ولَمَن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور )).
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: ( هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: لقد لقيتُ من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عَرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كُلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي وإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم عليَّ ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك فما شئت، إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله مِن أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ) متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف النّووي في كتابه *رياض الصالحين : " باب العفو والإعراض عن الجاهلين " ، ثمّ ساق آيات تكلّمنا عليها سابقا في أبواب سبقت .
ثمّ ذكر حديث عائشة رضي الله عنها أنها سألت النّبيّ صلى الله عليه وسلّم : ( هل مرّ عليك يوم أشدّ من يوم أحد؟ ) : لأن يوم أحد كان شديدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم أحد كان غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين تجمّعت قريش لغزوه لينتقموا مِن النبيّ صلى الله عليه وسلم فيما حصل من قتل زعمائهم في بدر، لأنه قتل في بدر وهي في السّنة الثانية، قتل من زعمائهم أناس لهم شرف وجاه في قريش، وفي شوال من السّنة التي تليها وهي الثالثة : اجتمعت قريش فجاؤوا إلى المدينة ليغزوا النبي صلى الله عليه وسلم ، ولما سمع بهم النبي عليه الصّلاة والسّلام استشار أصحابه هل يخرج إليهم أو يبقى في المدينة ، فإذا دخلوا المدينة قاتلهم ، فأشار عليه الشّبّان والذين لم يحضروا بدرًا أشاروا عليه أن يخرج إليهم ، فخرج إليهم عليه الصّلاة والسّلام في نحو ألف مقاتل ، إلاّ أنه انخزل نحو ثلث الجيش ، لأنهم كانوا منافقين والعياذ بالله ، وقالوا : (( لو نعلم قتالا لاتّبعناكم )) ، فبقي النّبي صلى الله عليه وسلم في نحو سبعمائة نفر ، ورتّبهم الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أحسن ترتيب في سفح جبل أحد، وحصل القتال، وانهزم المشركون في أول النّهار، وبدأ المسلمون يجمعون الغنائم، وكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم قد جعل على ثَغَرِ الجبل خمسين رجلا راميًا يحمون ظهور المسلمين، ولما رأى هؤلاء الرّماة أن المسلمين هزموا المشركين وصاروا يجمعون الغنائم قالوا : لننزل من هذا حتى نساعد المسلمين على جمع الغنائم ، ظنّوا هكذا ، فذكّرهم أميرهم عبد الله بن جبير ذكّرهم ما قال الرسول عليه الصّلاة والسلام لهم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما وضعهم في هذا المكان قال : ( لا تبرحوا مكانكم، ولا تتعدّوه سواء لنا أو علينا ) : لكنّهم عفا الله عنهم تعجّلوا ونزل أكثرهم ، فلما رأى فرسان قريش أن المكان مكان الرّماة خاليا كرّوا على المسلمين من الخلف ، ومنهم خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل ، اللّذان أسلما فيما بعد وصارا فارسين من فوارس المسلمين ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، دخلوا على المسلمين من خلفهم واختلطوا بالمسلمين واستشهد من المسملين سبعون رجلا على رأسهم أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب عمّ النبي عليه الصّلاة والسّلام ، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم يجبّه ويجلّه، وحصل على النبي عليه الصّلاة والسّلام ما حصل، ضربوا وجهه، وشجّوه، وصار الدّم ينزف على وجهه وفاطمة تغسّله، تغسّل الدّم حتى إذا لم يتوقّف أحرقت حصيرًا يعني : خُصّافًا من سعف النخل وذرّته عليه حتّى وقف ، وكسروا رباعيته عليه الصلاة والسّلام ، وحصل من البلاء ما حصل ، حصل بلاء عظيم قال الله تعالى فيها: (( فلما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كلّ شيء قدير * وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله )) ، (( ونعم المولى ونعم النّصير )) : ما دام الأمر بإذنه فهو خير ، وحصل في هذا ما حصل من الشدّة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه ، وحملوا الشّهداء إلى المدينة ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يُردّوا إلى مصارعهم ، إلى المكان الذي استشهدوا فيه ودفنوا هناك ، ليخرجوا يوم القيامة مِن هذا المكان الذي استشهدوا فيه رضي الله عنهم وأرضاهم ، فقال النبي عليه الصّلاة والسّلام لعائشة لما سألته : ( هل مرّ عليك يوم أشد من يوم أحد؟ قال: نعم ) ، وذكر لها قصّة ذهابه إلى الطائف ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعا قريشًا في مكة ولم يستجيبوا له خرج إلى الطائف ليبلّغ كلام الله عزّ وجلّ ، ودعا أهل الطائف لكن كانوا أسفه من أهل مكّة ، اجتمعوا هم وسفهاؤُهم وصاروا صفّين متقابلين في طريق النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام ، وجعلوا يرمونه بالحجارة ، يرمونه بالحصى حتى أدموا عقبه صلّى الله عليه وسلّم وخرج ، خرج مغموماً مهموماً ولم يفق إلاّ وهو في قرن الثعالب ، فأظلّـه غمامة فرفع رأسه فإذا في هذه الغمامة جبريل عليه السّلام وقال له : ( هذا ملك الجبال يقرؤك السّلام -فسلم عليه وقال- إن ربي أرسلني إليك فإن شئت أن أطبق عليهم -يعني الجبلين- فعلت ) ، ولكنّ النبي صلى الله عليه وسلم لحِلمه وبعد نظره وتأنّيه في الأمر قال : ( لا )، لأنه لو أطبق عليهم الجبلين هلكوا ، ( لا ، وإني لأرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً ) : وهذا الذي حصل : أن الله تعالى أخرج من أصلاب هؤلاء المشكرين الذين آذوا الرّسول صلى الله عليه وسلم هذه الأذيّة العظيمة أخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً ، فهذا يبيّن أن الرسول عليه الصّلاة والسّلام حصل له أشد مما حصل له في أحد ، وحصل له أنواع من الأذى لكنه صابر، ومن أعظم ما كان : أنه كان ذات ساجدًا تحت الكعبة يصلي لله، والمسجدُ الحرام لو يجد الإنسان قاتل أبيه فيه ما قتله، وكان ساجدًا فقال بعض السّفهاء من قريش والمعتدين منهم : " اذهبوا إلى جزور آل فلان فأتوا بِسَلاها فضعوه على محمّد عليه الصّلاة والسّلام وهو ساجد " ، فذهبوا وأتوا بسلى الجزور الناقة والرسول عليه الصّلاة والسّلام ساجد تحت الكعبة فوضعوه على ظهره إهانة له وإغاظة له فبقي عليه الصّلاة والسّلام ساجداً حتى جاءت بنته فاطمة رضي الله عنها وألقت السَّلَى عن ظهره فقام من السّجود ولما سلّم رفع يديه عليه الصلاة والسلام يدعو الله تعالى على هؤلاء الملأ من قريش.
فالشاهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يُؤذى أشدّ الأذى ومع ذلك يعفو ويصفح ويتأنى ويترجّى ، فبلّغه الله ولله الحمد مراده، وحصل له النّصر، النّصر المبين المؤزّر، هكذا ينبغي للإنسان أن يصبر على الأذى لا سيما إذا أوذي في الله فإنه يصبر ويحتسب وينتظر الفرج، وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : ( واعلم أنّ النّصر مع الصّبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسرا ) والله أعلم.