شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب أمر ولاة الأمور بالرفق برعاياهم ونصيحتهم والشفقة عليهم والنهي عن غشهم والتشديد عليهم وإهمال مصالحهم والغفلة عنهم وعن حوائجهم . قال الله تعالى: (( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين )) وقال تعالى: (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون )) . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته الإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته وكلكم راع ومسئول عن رعيته )) متفق عليه ... " . حفظ
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين :
قال -رحمه الله تعالى- : " باب أمر ولاة الأمور بالرفق برعاياهم، ونصيحتِهم والشفقة عليهم، والنهي عن غشهم والتشديد عليهم، وإهمال مصالحهم والغفلة عنهم وعن حوائجهم :
قال الله تعالى: (( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين )).
وقال تعالى: (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تَذَكَّرون )).
وأما الأحاديث: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولةٌ عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته ) متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذا الباب الذي عقده المؤلف -رحمه الله- النّووي في *رياض الصّالحين باب عظيم مهم، يخاطَب به ولاة الأمور وتُخاطب به الرّعيّة، ولكلّ منهم على الآخر حقّ تجب عليه مراعاته:
أما ولاة الأمور فيجب عليهم الرّفق بالرّعيّة، والإحسان إليهم، واتّباع مصالحهم، وتولية مَن هو أهل للولاية، ودفع الشّرّ عنهم، وغير ذلك من مصالحهم، لأنهم مسؤولون عنهم أمام الله عزّ وجلّ.
وأما الرّعيّة فالواجب عليهم السّمع والطاعة في غير المعصية والنّصح للولاة، وعدم التّشويش عليهم، وعدم إثارة الناس عليهم، وطيّ مساوئهم، وبيان محاسنهم، لأن المساوئ يمكن أن يُنصح عنها الولاة سرّا بدون أن تنشر على النّاس، لأن نشر مساوئ ولاة الأمور أمام الناس لا يُستفاد منه بل لا يزيد الأمر إلاّ شدّة، تحمل صدورُ الناس البغضاء والكراهية لولاة الأمور ، وإذا كره الناس ولاة الأمور وأبغضوهم تمرّدوا عليهم، ورأوا أمرهم بالخير أمرًا بالشّرّ، ولم يسكتوا عن مساوئهم وحصل بذلك إغار الصّدور والشّرّ والفساد، والأمّة إذا تفرّقت وتمزّقت حصلت الفتنة بينها، ووقعت مثل ما حصل في عهد عثمان بن عفّان رضي الله عنه، حين بدأ الناس يتكلّمون فيه، فأوغروا الصّدور وحشدوا الناس ضدّه وحصل ما حصل من الفتن والشّرور إلى يومنا هذا، فولاّة الأمور لهم حقّ وعليهم حقّ، ثمّ استدل المؤلف رحمه الله بآيات من كتاب الله فقال: " وقول الله تعالى: (( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين )) " : يعني لا تتعلَّى عليهم ولا ترتفع في الجوّ بل اخفض جناحك، حتى إن كنت تستطيع أن تطير في الجوّ فاخفض جناحك، (( لمن اتّبعك من المؤمنين ))، وأما من خالفك وعصاك فأقم عليه العقوبة اللاّئقة به، لأن الله تعالى لم يقل: اخفض جناحك لكلّ أحد بل قال: (( لمن اتّبعك من المؤمنين ))، وأما المتمرّدون والعصاة فقد قال الله تعالى: (( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويَسعَون في الأرض فسادا أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم مِن خلاف أو يُنفَوا من الأرض ذلك لهم خِزي في الدّنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم إلاّ الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم )).
وقول الله تعالى: (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون )) : إن الله يأمر بهذه الأمور الثلاثة :
بالعدل : وهو واجب، يجب على الإنسان أن يقيم العدل في نفسه، وفي أهله، وفي من استرعاه الله عليهم، في نفسه : في أن لا يثقل عليها في غير ما أمر الله وأن يراعيها، حتى في أمر الخير لا يثقل على نفسه، ولهذا لما قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : ( أصوم ولا أفطر وأصلي ولا أنام ) : دعاه النبي عليه الصّلاة والسلام ونهاه عن ذلك، وقال: ( إن لنفسك عليك حقّا، ولربّك عليك حقّا، ولأهلك عليك حقّا، فأعط كلّ ذي حقّ حقّه )، يأمر بالعدل كذلك في أهل الإنسان، اعدل في أهلك، من كان له زوجتان وجب عليه العدل بينهما، ومن كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقّه مائل.
يجب عليك العدل بين الأولاد، إذا أعطيت أحدهم ريالا أعط الآخر مثله، إذا أعطيت الولد ريالين أعط البنت ريالاً، وإذا أعطيت الولد ريالاً أعط البنت نصف ريال، حتى إن السلف يعدلون بين الأولاد في القُبَل، يعني إذا حَبَّ الولد الصّغير وأخوه عنده حبّ الولد الثاني لئلاّ يُجحف معهم في التّقبيل، وكذلك أيضاً في الكلام يجب أن تعدل بينهم، فلا تتكلّم مع أحدهم بكلام خشن ومع الآخر بكلام ليّن، وكذلك يجب العدل في من ولاّك الله عليهم، لا تحابي قريبك لأنه قريبك، ولا الغنيّ لأنه غنيّ، ولا الفقير لأنه فقير، ولا الصّديق لأنه صديق، لا تحابي أحدًا الناس سواء، حتى أن العلماء رحمهم الله قالوا يجب العدل بين الخصمين إذا دخل القاضي في لفظه، ولحظه، وكلامه، ومجلسه، ودخولهما عليه، لا تنظر لهذا نظرة غضب ولهذا نظرة رضا، لا تُليّن الكلام لهذا والثاني لا، لا تقل لأحدهم كيف أنت؟ كيف أهلك؟ كيف أولادك؟ والثاني لا تقول مثله اعدل بينهم حتّى في هذا، في المجلس لا تجعل أحدهما يجلس على اليمين قريبا منك والثاني بعيدا، اجعلهم كلّهم أمامك على حد سواء، حتى المؤمن والكافر إذا تخاصما عند القاضي يجب أن يعدل بينهما في الكلام والنّظر والجلوس ، لا يقول للمسلم: تعال جنبي والكافر يبعده، لا، يجعلهما يجلسان جميعا أمامه فالعدل واجب في كلّ الأمور.
أما الإحسان فهو فضل، الإحسان فضل زائد على العدل، ومع ذلك أمر الله به، لكن أَمره بالعدل واجب وأمره بالإحسان سنّة وتطوّع.
(( وإيتاء ذي القربى )) : يعني إعطاء ذي القربى يعني القريب حقّه، فإن القريب له حقّ، حقّ الصّلة، فمن وصل رحمه وصله الله، ومن قطع رحمه قطعه الله، ويأتي إن شاء الله الكلام على الآية والحديث.
الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين :
قال -رحمه الله تعالى- : " باب أمر ولاة الأمور بالرفق برعاياهم، ونصيحتِهم والشفقة عليهم، والنهي عن غشهم والتشديد عليهم، وإهمال مصالحهم والغفلة عنهم وعن حوائجهم :
قال الله تعالى: (( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين )).
وقال تعالى: (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تَذَكَّرون )).
وأما الأحاديث: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولةٌ عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته ) متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذا الباب الذي عقده المؤلف -رحمه الله- النّووي في *رياض الصّالحين باب عظيم مهم، يخاطَب به ولاة الأمور وتُخاطب به الرّعيّة، ولكلّ منهم على الآخر حقّ تجب عليه مراعاته:
أما ولاة الأمور فيجب عليهم الرّفق بالرّعيّة، والإحسان إليهم، واتّباع مصالحهم، وتولية مَن هو أهل للولاية، ودفع الشّرّ عنهم، وغير ذلك من مصالحهم، لأنهم مسؤولون عنهم أمام الله عزّ وجلّ.
وأما الرّعيّة فالواجب عليهم السّمع والطاعة في غير المعصية والنّصح للولاة، وعدم التّشويش عليهم، وعدم إثارة الناس عليهم، وطيّ مساوئهم، وبيان محاسنهم، لأن المساوئ يمكن أن يُنصح عنها الولاة سرّا بدون أن تنشر على النّاس، لأن نشر مساوئ ولاة الأمور أمام الناس لا يُستفاد منه بل لا يزيد الأمر إلاّ شدّة، تحمل صدورُ الناس البغضاء والكراهية لولاة الأمور ، وإذا كره الناس ولاة الأمور وأبغضوهم تمرّدوا عليهم، ورأوا أمرهم بالخير أمرًا بالشّرّ، ولم يسكتوا عن مساوئهم وحصل بذلك إغار الصّدور والشّرّ والفساد، والأمّة إذا تفرّقت وتمزّقت حصلت الفتنة بينها، ووقعت مثل ما حصل في عهد عثمان بن عفّان رضي الله عنه، حين بدأ الناس يتكلّمون فيه، فأوغروا الصّدور وحشدوا الناس ضدّه وحصل ما حصل من الفتن والشّرور إلى يومنا هذا، فولاّة الأمور لهم حقّ وعليهم حقّ، ثمّ استدل المؤلف رحمه الله بآيات من كتاب الله فقال: " وقول الله تعالى: (( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين )) " : يعني لا تتعلَّى عليهم ولا ترتفع في الجوّ بل اخفض جناحك، حتى إن كنت تستطيع أن تطير في الجوّ فاخفض جناحك، (( لمن اتّبعك من المؤمنين ))، وأما من خالفك وعصاك فأقم عليه العقوبة اللاّئقة به، لأن الله تعالى لم يقل: اخفض جناحك لكلّ أحد بل قال: (( لمن اتّبعك من المؤمنين ))، وأما المتمرّدون والعصاة فقد قال الله تعالى: (( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويَسعَون في الأرض فسادا أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم مِن خلاف أو يُنفَوا من الأرض ذلك لهم خِزي في الدّنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم إلاّ الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم )).
وقول الله تعالى: (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون )) : إن الله يأمر بهذه الأمور الثلاثة :
بالعدل : وهو واجب، يجب على الإنسان أن يقيم العدل في نفسه، وفي أهله، وفي من استرعاه الله عليهم، في نفسه : في أن لا يثقل عليها في غير ما أمر الله وأن يراعيها، حتى في أمر الخير لا يثقل على نفسه، ولهذا لما قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : ( أصوم ولا أفطر وأصلي ولا أنام ) : دعاه النبي عليه الصّلاة والسلام ونهاه عن ذلك، وقال: ( إن لنفسك عليك حقّا، ولربّك عليك حقّا، ولأهلك عليك حقّا، فأعط كلّ ذي حقّ حقّه )، يأمر بالعدل كذلك في أهل الإنسان، اعدل في أهلك، من كان له زوجتان وجب عليه العدل بينهما، ومن كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقّه مائل.
يجب عليك العدل بين الأولاد، إذا أعطيت أحدهم ريالا أعط الآخر مثله، إذا أعطيت الولد ريالين أعط البنت ريالاً، وإذا أعطيت الولد ريالاً أعط البنت نصف ريال، حتى إن السلف يعدلون بين الأولاد في القُبَل، يعني إذا حَبَّ الولد الصّغير وأخوه عنده حبّ الولد الثاني لئلاّ يُجحف معهم في التّقبيل، وكذلك أيضاً في الكلام يجب أن تعدل بينهم، فلا تتكلّم مع أحدهم بكلام خشن ومع الآخر بكلام ليّن، وكذلك يجب العدل في من ولاّك الله عليهم، لا تحابي قريبك لأنه قريبك، ولا الغنيّ لأنه غنيّ، ولا الفقير لأنه فقير، ولا الصّديق لأنه صديق، لا تحابي أحدًا الناس سواء، حتى أن العلماء رحمهم الله قالوا يجب العدل بين الخصمين إذا دخل القاضي في لفظه، ولحظه، وكلامه، ومجلسه، ودخولهما عليه، لا تنظر لهذا نظرة غضب ولهذا نظرة رضا، لا تُليّن الكلام لهذا والثاني لا، لا تقل لأحدهم كيف أنت؟ كيف أهلك؟ كيف أولادك؟ والثاني لا تقول مثله اعدل بينهم حتّى في هذا، في المجلس لا تجعل أحدهما يجلس على اليمين قريبا منك والثاني بعيدا، اجعلهم كلّهم أمامك على حد سواء، حتى المؤمن والكافر إذا تخاصما عند القاضي يجب أن يعدل بينهما في الكلام والنّظر والجلوس ، لا يقول للمسلم: تعال جنبي والكافر يبعده، لا، يجعلهما يجلسان جميعا أمامه فالعدل واجب في كلّ الأمور.
أما الإحسان فهو فضل، الإحسان فضل زائد على العدل، ومع ذلك أمر الله به، لكن أَمره بالعدل واجب وأمره بالإحسان سنّة وتطوّع.
(( وإيتاء ذي القربى )) : يعني إعطاء ذي القربى يعني القريب حقّه، فإن القريب له حقّ، حقّ الصّلة، فمن وصل رحمه وصله الله، ومن قطع رحمه قطعه الله، ويأتي إن شاء الله الكلام على الآية والحديث.