تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب الوالي العادل . قال الله تعالى: (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان )) وقال تعالى (( واقسطوا إن الله يحب المقسطين )) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله تعالى ورجل معلق قلبه في المساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ) متفق عليه ... " . حفظ
الشيخ : استئثارًا عليكم ، ( فاصبروا حتّى تلقوني على الحوض ) : وذلك لأن منازعة وليّ الأمر يحصل بها الشّرّ والفساد الذي هو أعظم من جوره وظلمه ، ومعلوم أن العقل والشّرع ينهى عن ارتكاب أشدّ الضّررين ويأمر بارتكاب أخفّ الضّررين .
ثمّ ساق المؤلف -رحمه الله- آيات وأحاديث منها قوله تعالى: (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان )) :
العدل واجب، والإحسان فضل وزيادة، فهو سنّة، وحسبته أن يذكر قوله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم )) وقوله: (( إن الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نِعمّا يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً )) : والعدل من الوالي أن لا يفرّق بين الناس، لا يجور على أحد، لا يُحابي غنيّاً لغناه، ولا قريباً لقرابته، ولا فقيراً لفقره، ولكن يحكم بالعدل، حتى إن العلماء رحمهم الله قالوا : " يجب على القاضي أن يستعمل العدل مع الخصمين ولو كان أحدهما كافرا "، يعني : لو دخل كافر ومسلم على القاضي فإن الواجب أن يعدل بينهما في الجلوس والمكالمة والملاحظة بالعين وغير ذلك ، لأن المقام مقام حكم يجب فيه العدل ، وإن كان بعض الجهال يقول: لا، قدّم المسلم، نقول : لا يجوز أن نقدّم المسلم ، لأن المقام مقام محاكمة ومعادلة ، فلا بدّ من العدل في كلّ شيء ، ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه ) : سبعة يظلّهم الله : وليس هذا على سبيل الحصر ، فيه أناس آخرون يظلّهم الله غير هؤلاء ، وقد جمعهم الحافظ ابن حجر في *شرح البخاري فزادوا على العشرين ، لكن الرسول عليه الصّلاة والسّلام يتحدّث أحياناً بما يناسب المقام ، فتجده يقول : سبعة، ثلاثة، أربعة وما أشبه ذلك مع أن هناك أشياء أخرى لم يذكرها ، لأنه صلى الله عليه وآله وسلّم أفصح الخلق ، وأقواهم بلاغة ، فيتحدّث بما يناسب المقام وقوله : ( سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه ) : وذلك يوم القيامة، لأنه في يوم القيامة ليس هناك شجر ولا بناء، ولا جبال، ولا ثياب، ولا غير ذلك، حتى الناس يحشرون حفاة عراة غُرلًا، ما فيه ظلّ ، ليس فيه إلاّ ظلّ الله أي : ظل يخلقه الله عزّ وجلّ يظلّل من يظلّهم الله تعالى في ذلك اليوم، لأنه ما فيه ظلّ بناء، لا ظلّ شجر، ولا ظلّ ثياب، ولا ظلّ مصنوعات أبدًا، ما فيه إلاّ الظّلّ الذي ييسّره الله تعالى للإنسان، يخلق الله عزّ وجلّ ظلاّ من عنده، الله أعلم بكيفيّته ويظلّل الإنسان:
أولّا: إمام عادل : بدأ بالإمام العادل الذي يعدل بين الناس، وأهم عدل في الإمام أن يحكم بين الناس بشريعة الله، لأن شريعة الله هي العدل، وأما من حكم بالقوانين الوضعيّة المخالفة للشريعة فهو من أشد الولاة جورًا والعياذ بالله، وأبعد الناس أن يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه، لأنه ليس من العدل أن تحكم بين عباد الله بشريعة غير شريعة الله، مَن جعل لك هذا؟ احكم بين الناس بشريعة ربّهم عزّ وجلّ، فأعظم ما يدخل في ذلك أن يحكم الإمام بشريعة الله .
ومن ذلك أن يقتص الحقّ حتى مِن نفسه، ومن أقرب الناس إليه، لقول الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء الله )) .
ومن ذلك أيضًا أن لا يفرّق بين قريبه وغيره، فتجده إذا كان الحق على القريب تهاون في تنفيذه، وجعل يمطّط ويؤخّر، وإذا كان لقريبه على غيره بادر فاقتصّ منه، فإن هذا ليس مِن العدل، والعدل في وليّ الأمر له فروع كثيرة، وأنواع كثيرة، لا يتّسع المقام الآن لذكرها، فنسأل الله تعالى أن يوفّق المسلمين لأئمّة عادلين، يحكمون فيهم بكتاب الله، وبشريعة الله التي اختارها لعباده.