تتمة شرح حديث عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا أبا ذر إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم ). رواه مسلم. وعنه قال: قلت يا رسول الله ألا تستعملني ؟ فضرب بيده على منكبي ثم قال: ( يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها ). رواه مسلم. حفظ
الشيخ : وأنه قد يؤثّر أن يقول لك مثل النبي عليه الصّلاة والسّلام: ( إنك امرئ ضعيف )، لكن الأمانة تقتضي هكذا: أن يُصرح للإنسان بوصفه الذي هو عليه إن قويّا فقويّ، وإن ضعيفًا فضعيف هذا هو النّصح: ( إنك امرئ ضعيف )، ولا حرج على الإنسان إذا قال لشخص مثلا: إن فيك كذا وكذا من باب النّصيحة لا من باب السّبّ والتّعيير، فالنّبي عليه الصّلاة والسّلام قال : ( إنك امرئ ضعيف ).
الثاني قال: ( فلا تولين على اثنين، وإني أحب لك ما أحب لنفسي ) : وهذا من حسن خلق النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام، لما كانت الجملة الأولى فيها شيء من الجرح قال: ( وإني أحبّ لك ما أحبّ لنفسي ): يعني لم أقل لك ذلك إلاّ أني أحبّ لك ما أحبّ لنفسي، ( فلا تولين على اثنين ) : يعني لا تكن أميرا على اثنين وما زاد فهو من باب أولى، والمعنى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهاه أن يكون أميرًا، لأنه ضعيف، والإماة تحتاج إلى إنسان قويّ، قويّ أمين، قويّ: يكون له سلطة وكلمة حادّة، إذا قال فعل، لا يكون ضعيفًا أمام الناس، لأن الناس إذا استضعفوا الشخص لم يبق له حرمة عندهم، وتجرّأ عليه لُكَع بن لكع، وصار الإنسان ليس بشيء، لكن إذا كان قويّا حادّا في ذات الله لا يتجاوز حدود الله عزّ وجلّ، ولا يقصر عن السّلطة التي جعلها الله له، فهذا هو الأمير حقيقة.
( ولا تولينّ مال يتيم ) : واليتيم هو الذي مات أبوه قبل أن يبلغ، نهاه الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أن يتولّى على مال اليتيم، لأن مال اليتيم يحتاج إلى عناية ويحتاج إلى رعاية: (( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا ))، وأبو ذرّ ضعيف لا يستطيع أن يرعى هذا المال حقّ رعايته فلهذا قال: ( ولا تولينّ على مال يتيم ): يعني لا تكن وليّاً عليه دعه لغيرك، ففي هذا دليل، على أنه يُشترط للإمارة أن يكون الإنسان قويّا وأن يكون أميناً، لأن رسول الله عليه الصّلاة والسلام قال: ( إنها أمانة ) .
فإذا كان قويّا أمينا فهذه هي الصّفات التي يستحقّ بها أن يكون أميراً، فإن كان قويّا غير أمين أو أمينا غير قويّ، أو ضعيفًا غير أمين، في هذه الأقسام الثّلاثة لا ينبغي أن يكون أميراً، ولكن يجب أن نعلم أنّ الأشياء تتقيّد بقدر الحاجة، فإذا لم نجد إلاّ أميرًا ضعيفًا، أو إلاّ أميرًا غير أمين، وكان لا يوجد في الساحة أحد تنطبق عليه الأوصاف الكاملة فإنه يولى الأمثل فالأمثل، ولا تترك الأمور بلا إمارة، الناس محتاجون إلى أمير، محتاجون إلى قاضي، محتاجون إلى من يتولّى أمورهم، فإن أمكن وجود من تتمّ فيه الشّروط فهذا هو الواجب، وإلاّ فإنه يولّى الأمثل فالأمثل لقول الله تعالى: (( فاتّقوا الله ما استطعتم )). وتختلف الأنظار فيما إذا كان لدينا رجلان: أحدهما أمين غير قويّ، والثاني: قويّ غير أمين، كلّ منهما معيب، لكن في باب الإمارة يفضّل القويّ وإن كان فيه ضعف في الأمانة، لأن القوي ربّما يكون أميناً، لكن الضّعيف الذي طبيعته الضّعف، فإن الطبع لا يتحوّل ولا يتغيّر، فإذا كان أمامنا رجلان أحدهما ضعيف ولكنّه أمين، والثاني: قويّ ولكنّه ضعيف في الأمانة، فإننا نؤمّر القويّ، لأنّ هذا أنفع للناس، الناس يحتاجون إلى سلطة إلى قوّة، إذا لم يكن قوة ولا سيما مع ضعف الدّين ضاعت الأمور، والله الموفّق.