باب حث السلطان والقاضي وغيرهما من ولاة الأمور على اتخاذ وزير صالح وتحذيرهم من قرناء السوء والقبول منهم : قال الله تعالى: (( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين )). عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما بعث الله من نبي، ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم من عصم الله ). رواه البخاري. حفظ
القارئ : قال -رحمه الله تعالى- : " باب حث السلطان والقاضي وغيرهما من ولاة الأمور على اتخاذ وزير صالح، وتحذيرهم من قرناء السوء والقبول منهم :
قال الله تعالى: (( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعضٍ عدو إلا المتقين )).
وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما بعث الله من نبي، ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم من عصم الله ) رواه البخاري.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أراد الله بالأمير خيراً، جعل له وزير صدق، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإذا أراد به غير ذلك جعل له وزير سوء، إن نسي لم يذكره، وإن ذكر لم يعنه ) رواه أبو داود بإسناد جيد على شرط مسلم "
.
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال النووي -رحمه الله- في كتاب *رياض الصّالحين : " باب حث القاضي والسلطان على اتّخاذ وزير صالح والتحذير من قرناء السّوء ": ثم ذكر المؤلف قول الله تعالى: (( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين )) : الأخلاّء جمع خليل، والخليل : هو الذي أحبّك وتحبّه حبّاً عظيماً حتى يتخلّل حبّه جميع البدن، وفي ذلك يقول الشّاعر :
" قد تخللتِ مسلك الروح منّي *** وبِذا سُمّي الخليل خليلا " .
فإذا صدق الودّ واشتدّ الودّ ، فإن أعلى أنواع المحبّة هو الخلّة، ولهذا اتّخذ الله إبراهيم خليلا واتّخذ محمّدا صلى الله عليه وسلم خليلا، ولا نعلم أنه اتّخذ خليلا من خلقه إلاّ هذين : إبراهيم ومحمّد صلى الله عليهما وسلم، ولهذا نقول: من قال إن إبراهيم خليل الله، وموسى كليم الله، ومحمّد حبيب الله، فقد هضم محمّدًا حقّه، لماذا؟ لأنه إذا جعله حبيب الله نزل رتبته، بل هو عليه الصّلاة والسّلام أعلى من الحبيب، فالله تعالى يحبّ المؤمنين، ويحب المقسطين، ويحبّ المتّقين، فمحبّته أوسع، لكن الخلّة لا تحصل لكلّ أحد، فهؤلاء المساكين الجهال يقولون: محمّد حبيب الله وإبراهيم خليل الله، سبحان الله! إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله اتّخذني خليلا كما اتّخذ إبراهيم خليلا ) ، وقال عليه الصّلاة والسلام : ( لو كنت متّخذا من أمّتي خليلا لاتّخذت أبا بكر ) ومع هذا : ( سئل أيّ الرّجال أحب إليك؟ قال: أبو بكر )، ففرّق بين الخلّة والمحبّة، الخلّة ما اتّخذ النبي صلى الله عليه وسلم أحدا خليلا، والمحبة يحبّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام من يحبّ من المؤمنين، وأبو بكر الذي قال فيه: ( لو كنت متّخذا من أمّتي خليلا لاتّخذت أبا بكر ) : هو الذي قال : ( أحبّ الرّجال إليّ ) ، هو الذي قال فيه الرّسول : ( هو أحبّ الرّجال إليّ ) ، فالأخلاّء في الدّنيا والأصدقاء في الدّنيا هم على صداقتهم لكنّهم في الآخرة أعداء : (( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ إلاّ المتّقين )) ، فإن المتّقين محبّتهم في الله ، والرّجلان إذا تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه كان من السّبعة الذين يظلّهم الله في ظله يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه ، جعلني الله وإيّاكم منهم .
ويدلّ لهذا -أي أنّ الأخلاّء أعداء إلاّ المتّقين- قوله تعالى: (( قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجنّ والإنس في النار كلّما دخلت أمّة لعنت أختها ))، وقال تعالى: (( إذ تبرّأ الذين اتُبعوا من الذين اتَبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب ))، قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: " تقطّعت بهم المحبّة "، فكانت المحبّة بينهم في الدّنيا في الآخرة تتلاشى وتتقطّع.
ثمّ إنه يجب أن نعلم أنّ الله سبحانه وتعالى يبتلي العبد، فتارة ييسّره لأخلاّء صدق، يدعونه للخير، يأمرونه بالمعروف، وينهونه عن المنكر، ويعينونه على ما يعجز عنه، وتارة يبتلى بقوم خلاف ذلك، ولهذا جاء في الحديث: ( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل )، وقال عليه الصّلاة والسلام: ( مثل الجليس الصّالح كحامل المسك إما أن يبيعه ) : يبيع لك مسك، ( وإما أن يحذيك ) أي: يعطيك مجانًا، ( وإما أن تجد منه رائحة طيّبة ) ، أما جليس السوء والعياذ بالله فإنه كنافخ الكير : ( إما أن يحرق ثيابك ) : بما يتطاير عليك من شرر النار، ( وإما أن تجد منه رائحة كريهة ).