شرح حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ) متفق عليه. البضع: بكسر الباء، ويجوز فتحها، وهو من الثلاثة إلى العشرة. والشعبة: القطعة والخصة. والإماطة: الإزالة. والأذى: ما يؤذي كحجر وشوك وطين ورماد وقذر ونحو ذلك. حفظ
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسلام على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال -رحمه الله تعالى- : " وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ) متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتاب *رياض الصالحين، فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( الإيمان بضع وسبعون -أو- بضع وستّون شعبة ) شكٌّ من الراوي هل قال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم بضع وسبعون، أو قال بضع وستّون: ( فأفضلها -وفي لفظ- فأعلاها قول لا إله إلاّ الله وأدناها إماطة الأذى عن الطرّيق، والحياء شعبة من الإيمان ) : هذا هو الشاهد لهذا الباب باب: الحياء وفضله .
في هذا الحديث بيّن الرسول عليه الصّلاة والسّلام أن الإيمان شعب، شعب كثيرة، بضع وستّون أو بضع وسبعون، ولم يبيّنها الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، لأجل أن الإنسان بنفسه يجتهد ويتتبّع نصوص الكتاب والسّنّة، حتى يجمع هذه الشّعب ويعمل بها، وهذا كثير، أي أنه يكون في القرآن والسّنّة أشياء مبهمة، يبهمها الله ورسوله من أجل امتحان الخلق ليتبيّن الحريص من غير الحريص، فمثلا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، أو في السّبع الأواخر من رمضان، لكن لا يعلم أي ليلة هي، من أجل أن يحرص الناس على العمل في كلّ اللّيالي رجاء هذه الليلة، ولو عُلمت عينها لاجتهد الناس في تلك الليلة وكسلوا عن بقية اللّيالي.
ومن ذلك ساعة الإجابة في يوم الجمعة، فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه، هذه أيضا مبهمة من أجل أن يحرص الناس على التّحرّي على العمل.
كذلك في الليل، كلّ ليلة ساعة إجابة لا يوافقها أحد يدعو الله تعالى إلاّ استجاب له.
كذلك أخبر النّبي عليه الصّلاة والسّلام: ( أن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلاّ واحدًا من أحصاها دخل الجنّة )، ولم يعدّها، والحديث الوارد في سردها حديث ضعيف لا تقوم به حجّة، وعلى هذا فإن قول الرّسول صلى الله عليه وسلّم هنا: ( الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستّون شعبة ) : ترك تعيينها من أجل أن نحرص نحن على تتبّعها من الكتاب والسّنّة حتى نجمع هذه الشّعب ثمّ نقوم بالعمل بها، وهذا من حكمة الله عزّ وجلّ.
يقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم هذه الشّعب أفضلها وأعلاها: ( قول لا إله إلاّ الله ) : هذه الكلمة العظيمة لو وُزنت بها السماوات السّبع والأرضون السّبع وجميع المخلوقات لرجحت بهنّ لأنها أعظم كلمة، وهي كلمة التّوحيد التي إذا قالها الإنسان صار مسلمًا وإذا استكبر عنها صار كافرًا، فهي الحدّ الفاصل بين الإيمان والكفر، ولذلك كانت أعلى شعب الإيمان، وأفضل شعب الإيمان: لا إله إلاّ الله أي: لا معبود حقّ إلاّ الله عزّ وجلّ، كل المعبودات من دون الله كلّها باطلة إلاّ الله وحده لا شريك له فهو الحقّ، كما قال الله تبارك وتعالى: (( ذلك بأن الله هو الحقّ وأنَّ ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العليّ الكبير )) .
والإيمان بهذا التّوحيد العظيم أنه لا معبود حقّ إلاّ الله يتضمّن الإيمان بأنه لا خالق إلاّ الله، ولا رازق إلاّ الله، ولا مدبّر للخلق إلاّ الله، ولا يملك الضّرّ والنّفع إلاّ الله، ويتضمّنُ كذلك الإيمان بأسماء الله وصفاته إذ لا يعبد إلاّ من عُلم أنّه أهل للعبادة، ولا أهل للعبادة سوى الخالق عزّ وجلّ، لهذا كانت هذه الكلمة أعلى شعب الإيمان، وأفضل شعب الإيمان، ومن خُتم له بها في الحياة الدّنيا فإنه يكون مِن أهل الجنّة، ( فإن مَن كان آخر كلامه من الدّنيا لا إله إلاّ الله دخل الجنّة ) ، نسأل الله أن يختم لنا ولكم بها إنه على كلّ شيء قدير.
( أعلاها قول لا إله إلاّ الله وأدناها -يعني الشيء الهين- إماطة الأذى عن الطريق ) : الأذى : ما يؤذي المارّة من شوك، أو خِرَق، أو خشب، أو حجر، أو غير ذلك، إماطة الأذى عن الطّريق من شعب الإيمان، وهذا يدلّ على سعة الإيمان وأنه يشمل الأعمال كلّها، ( والحياء شعبة من الإيمان ) : الحياء : انكسار يكون في القلب، وخجل لفعل ما لا يهتم به الناس، أو ما لا يستحسنه الناس، الحياء من الله، والحياء من الخلق مِن الإيمان، الحياء من الله يوجب للعبد أن يقوم بطاعة الله، وأن ينتهي عما نهى الله، والحياء من الناس: يوجب للعبد أن يستعمل المروءة، وأن يفعل ما يجمّله ويزينه عند الناس، ويتجنّب ما يدنّسه ويشينه، فالحياء من الإيمان، ( وسئل النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام عن الإيمان قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه ) ، فإذا جمعت هذا الحديث إلى الحديث الآخر، يعني هذا الحديث الذي نتكلّم عليه الآن، والحديث الآخر: ( الإيمان أن تؤمن بالله ) ، تبيّن لك أن الإيمان كما ذهب إليه أهل السّنّة والجماعة يشمل العقيدة ويشمل القول، ويشمل الفعل، ويشمل عمل القلب: عقيدة القلب وعمل القلب، وقول اللسان، وعمل الجوارح، أربعة، لا إله إلاّ الله، هي قول إيش؟ أجيبوا؟ لا إله إلاّ الله ما هي؟
الطالب : قول اللسان.
الشيخ : قول اللّسان، إماطة الأذى عن الطريق عمل الجوارح، الحياء عمل القلب، الإيمان بالله وملائكته وكتبه؟ اعتقاد القلب.
فالإيمان عند أهل السّنّة والجماعة يتضمّن كلّ هذه الأربعة: اعتقاد القلب، وعمل القلب، وقول اللّسان، وعمل الجوارح، وأدلّة ذلك من الكتاب والسّنّة كثيرة.
في هذا الحديث حثّ على إماطة الأذى عن الطّريق لأنه إذا كان من الإيمان فافعله، يزداد إيمانك ويكمُل إيمانك، فإذا وجدت أذى في الطريق حجرًا أو زجاجا أو شوكا أو غير ذلك فأزله فإن ذلك من الإيمان، حتى السّيّارة إذا جعلتها في وسط الطّريق وضيّقت على الناس فقد وضعت الأذى في طرق الناس، وإزالة ذلك من الإيمان.
وإذا كان إماطة الأذى عن الطريق من الإيمان، فوضع الأذى في الطريق من الخسران والعياذ بالله، ومن نقص الإيمان، ولذلك يجب أن يكون الإنسان حيّي القلب، يشعر بشعور النّاس، تجد بعض الناس الآن مثل ما طلعت عليه يوقف السيّارة في أيّ مكان، طول، عرض، مكان ضيّق، مكان واسع ما يهتم ليست هذه خصال المؤمن، المؤمن هو الذي يكون حيّ القلب يشعر بشعور الناس، يحبّ للناس ما يحبّ لنفسه، كيف تأتي مثلا تقف في عرض الطريق ولا تبالي؟! ضيّقت الطريق أم ما تضيّق لا يهمّك، أحيانًا يسدّون الطّريق يقفون هنا عند المسجد الجامع في هذا الطريق الضيّق فإذا خرج الناس يوم الجمعة ضيّقوا عليهم، هذا غلط، إماطة الأذى عن الطريق صدقة، فعلى هذا ينبغي للإنسان أن يقوم بإماطة الأذى عن الطريق، وإذا كان لا يستطيع كما لو كانت أحجارًا كبيرة أو أكوامًا من الرّمل أو ما أشبه ذلك فليبلّغ المسؤولين، ليبلّغ البلديّة مثلاً، لأنها مسؤولة عن هذا، يبلّغها حتى نكون ممن تعاون على البرّ والتّقوى، ( الحياء شعبة من الإيمان ) : فإذا كان الإنسان حييّا لا يتكلّم بما يدنّسه عند الناس، ولا يفعل ما يدنّسه عند الناس، بل تجده وقورا ساكنا مطمئنّا فهذا من علامة الإيمان، والله الموفّق