شرح حديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا عبد الله، لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل ). متفق عليه. حفظ
الشيخ : وأما الأحاديث فذكر منها -رحمه الله- حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ( يا عبد الله! لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل ) : كلمة فلان يكنى بها عن الإنسان البشر الرجل، والمرأة يقال : فلانة ، وهذه الكلمة فلان يحتمل أنها من الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلّم، وأن الرسول لم يذكر اسمه لعبد الله بن عمرو سترًا عليه ، لأن المقصود القضيّة دون صاحبها، ويحتمل أن الرسول صلى الله عليه وآله سلم عيّنه ، لكن أبهمه عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، وأيّا كان فالمهمّ العمل والقضيّة : رجل كان يقوم من الليل ثمّ ترك قيام الليل ، فلم يُثبته ، ولم يداوم عليه، مع أن قيام الليل في الأصل سنّة لو لم يفعل الإنسان لم يلم عليه ، يعني لو لم يقم من الليل ما لامه أحد ، ولا قال له لمَ لم تقم من الليل؟ لأنه سنّة ، لكن كونه يقوم ثم يرجع ويترك ، هذا هو الذي يلام عليه ، ولهذا قال الرسول عليه الصّلاة والسّلام: ( لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل ) .
ومن ذلك -وهو أهمّ وأعظم- أن يبدأ الإنسان بطلب العلم الشّرعي ثمّ إذا فتح الله عليه بما فتح تركه، فإن هذا كفر نعمة أنعم الله بها عليه ، فإذا بدأت بطلب العلم فاستمرّ إلاّ أن يشغلك عنه شيء على وجه الضّرورة ، وإلاّ فداوم لأنّ طلب العلم فرض كفاية ، كل من طلب العلم فإن الله يثيبه على طلبه ثواب الفرض وثواب الفرض أعظم من ثواب النافلة كما جاء في الحديث الصّحيح أن الله تعالى قال: ( ما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضت عليه ) : فطلب العلم فرض كفاية إذا قام به الإنسان قام بفرض عن عموم الأمّة، وقد يكون فرض عين فيما إذا احتاج الإنسان إليه في نفسه، كمن أراد أن يصلي فلابدّ أن يتعلّم أحكام الصّلاة، ومن كان له مال فلابدّ أن يتعلّم أحكام الزّكاة، والبائع والمشتري لابدّ أن يتعلّم أحكام الشّراء، ومن أراد أن يحجّ فلابدّ أن يتعلّم أحكام الحجّ فهذا فرض عين، أما بقية العلوم فهي فرض كفاية، فإذا شرع الإنسان في طلب العلم فلا يرجع يستمرّ إلاّ أن يصدّه عن ذلك أمر ضروري فذلك شيء آخر، ولهذا كان المنافقون هم الذين إذا بدؤوا بالعمل تركوه، في غزوة أحد خرج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلّم نحو ألف رجل، منهم الثلث تقريبًا من المنافقين ولما كانوا في أثناء الطريق بين المدينة وأُحد رجع المنافقون ، لأنهم لم يخرجوا لله رجعوا وقالوا : (( لو نعلم قتالا لاتبعناكم )) قال الله تعالى: (( هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان )) ، فالحاصل أنه ينبغي للمسلم .