باب الوعظ والاقتصاد فيه : قال الله تعالى: (( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة )) . عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: كان ابن مسعود رضي الله عنه يذكرنا في كل خميس مرة، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، لوددت أنك ذكرتنا كل يوم، فقال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم وإني أتخولكم بالموعظة، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا. متفق عليه. يتخولنا: يتعهدنا. حفظ
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين :
قال -رحمه الله تعالى- : " باب الوعظ والاقتصاد فيه :
قال الله تعالى: (( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة )).
وأما الأحاديث : عن أبي وائل شقيق بن سلمة رضي الله عنه قال: ( كان ابن مسعود رضي الله عنه يذكرنا في كل خميس مرة، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، لوددت أنك ذكرتنا كل يوم، فقال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم وإني أتخولكم بالموعظة، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا ) متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتاب *رياض الصّالحين : " باب الوعظ والإقتصاد فيه " : الوعظ : هو ذكر الأحكام الشّرعيّة مقرونة بالترغيب أو الترهيب، يعني أن تقول للإنسان مثلاً: إنه يجب عليك كذا وكذا ، فاتّق الله وقم بما أوجب الله عليك ، وما أشبه ذلك .
وأعظم واعظ هو كتاب الله عزّ وجلّ، فإن الله يقول: (( يا أيّها الناس قد جاءتكم موعظة من ربّكم وشفاء لما في الصّدور وهدى ورحمة للمؤمنين )) : فأعظم ما يوعظ به كتاب الله عزّ وجلّ ، لأنه جامع بين الترغيب والترهيب وذكر الجنّة والنّار، والمتّقين والمهملين، فهو أعظم كتاب يُوعظ به، ولكن إنما يكون كذلك : لمن كان له قلب أو ألقى السّمع وهو شهيد، كما قال تعالى: (( إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السّمع وهو شهيد )) .
أما من قست قلوبهم والعياذ بالله فقد قال الله تعالى: (( وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيّكم زادته هذه إيماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانًا وهم يستبشرون )) : وهكذا المؤمن كلما قرأ آية من كتاب الله ازداد إيماناً بالله واستبشر بما جعل الله في قلبه من النّور من هذا الكتاب العظيم ، (( وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رِجسًا إلى رِجسهم وماتوا وهم كافرون )) نعوذ بالله من ذلك ، فينبغي للإنسان أن يعظ الناس: بالقرآن، بالسّنّة، بكلام الأئمّة، بكلّ ما يليّن القلوب ويوجّهها إلى الله عزّ وجلّ.
ثم ذكر المؤلف -رحمه الله- أنه ينبغي الإقتصاد في الموعظة، يعني أن لا تكثر على الناس، فتملّهم وتكرّه إليهم القرآن والسّنّة وكلام أهل العلم، لأن النفوس إذا ملّت كلّت وتعبت وسئمت وكرهت الحقّ وإن كان حقّا، ولهذا كان أحكم الواعظين من الخلق محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلّم : ( يتخوّل الناس في الموعظة ) : ما يكثر عليهم لئلاّ يملّوا ويسأموا ويكرهوا ما يقال من الحقّ.
ثمّ صدّر المؤلف هذا الباب بقوله تعالى: (( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن )).
(( ادع إلى سبيل ربّك )) : يعني إلى دين الله ، لأن سبيل الله هو دين الله ، حيث إنه يوصل إلى الله تعالى ، فإن من سلك هذا الدّين أوصله إلى الله سبحانه وتعالى ولأن هذا الدين وضعه الله عزّ وجلّ وشرعه لعباده، فلهذا أضيف إليه فقيل : سبيل الله (( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن )) :
بثلاثة أمور، أولاً: الحكمة وذلك بأن تنزّل الأمور منازلها في الوقت المناسب، والمكان المناسب، والقول المناسب، لأن بعض الأماكن لا ينبغي فيه الموعظة، وبعض الأزمنة لا ينبغي فيها الموعظة، وكذلك بعض الأشخاص لا ينبغي أن تعظه في حال من الأحوال، بل تنتظر حتى يكون مهيّئاً لقبول الموعظة، ولهذا قال: (( بالحكمة )) قال العلماء: " والحكمة وضع الأشياء في مواضعها ".
الثاني: (( والموعظة الحسنة )) يعني : اجعل دعوتك مقرونة بموعظة حسنة موعظة تليّن القلب، ترقّقه، توجّهه إلى الله، تكون حسنة، إن كان الترغيب فيها أولى فبالترغيب، وإن كان الترهيب والتخويف فيها أولى فبالتخويف والترهيب.
كذلك حسنة من حيث الأسلوب والصّياغة تكون حسنة مقبولة، كذلك حسنة من حيث الإقناع، بحيث تأتي بموعظة يكون فيها أدلّة مقنعة، أدلّة شرعيّة وأدلّة عقليّة تُسند الشّرعية ، لأن بعض الناس يقنع بالأدلّة الشّرعيّة كالمؤمنين الخلّص، فإن الله يقول : (( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم )).
ومن الناس من لا يكتفي بالأدلّة الشّرعية، يحتاج إلى أن تسند الأدلّة الشّرعية عنده بأدلّة عقليّة، ولهذا يستدلّ الله سبحانه وتعالى في آيات كثيرة بالأدلّة العقلية على ما أوحاه إلى نبيّه من الأدلّة الشّرعية، انظر مثلا إلى البعث بعد الموت، البعث بعد الموت أنكره الكفّار وقالوا : (( من يحي العظام وهي رميم )) : كيف يموت الإنسان وتأكل الأرض عظامه ولحمه وجلده كيف يبعث ؟ فأجاب الله : (( قل يحييها الذي أنشأها أول مرّة )) : مَن الذي خلق هذه العظام أول مرّة ؟ هو الله ، وإعادة الخلق أهون من ابتدائه : (( هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه )) ، (( أوليس الذي خلق السّماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى )) : هذه أدلّة عقليّة ، الإستدلال بالمبدأ على المعاد، وكذلك يستدلّ الله عزّ وجلّ على إمكان البعث بإحياء الأرض بعد موتها ، فإن الله تعالى يُنزل المطر على أرض هامدة قاحلة ليس فيها خضراء، (( فتصبح الأرض مخضرّة )) بهذا المطر، من الذي أحيا هذا النبات إلاّ الله، فالذي أحيا هذا النبات بعد يبسه وموته قادر على إحياء الموتى، ولابدّ من حياة أخرى ، لأنه ليس من الحكمة أن الله ينشئ هذا الخلق ويمدّهم بالنّعم والرّزق وينزّل عليهم الكتب ويرسل إليهم الرّسل ويشرع الجهاد لأعداء الله ، ثمّ تكون المسألة بس دنيا تروح ما يمكن هذا! هذا خلاف الحكمة، بل لابدّ من حياة أخرى هي الحياة الحقيقيّة كما قال تعالى: (( يقول يا ليتني قدّمت لحياتي )) : نسف الدّنيا كلّها لأنها ما هي شيء راحت، الحياة الحقيقيّة الحياة الآخرة : (( ربّنا آتنا في الدّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار )).
قال: (( وجادلهم بالتي هي أحسن )) : يعني إذا وعظت موعظة حسنة وصار الإنسان مجادلًا ولم يقبل جادل، لا تنسحب، لكن جادل بالتي هي أحسن، من حيث الأسلوب، ومن حيث العَرض، ومن حيث الإقناع، إذا استدلّ عليك بدليل فحاول إبطال دليله، فإذا كان إبطال دليله يطول فانتقل إلى دليل آخر، لا تأخذ بالجدال معه، انتقل إلى دليل آخر لا يستطيع مجادلتك فيه، انظر إلى إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام لما حاجّه الرّجل في الله : (( ألم تر إلى الذي حاجّ إبراهيم في ربّه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربّي الذي يحيي ويميت )) : يعني أنت لا تستطيع أن تحيي وتميت ، (( قال أنا أحيي وأميت )) يقوله مجادل ومعاند، كيف يحيي ويميت؟ يؤتى بالرجل المستحقّ للقتل فيقول لا تقتلوه، ويؤتى بالرجل لا يستحقّ القتل فيقول: اقتلوه ، هكذا موّه للنّاس ، فقال إبراهيم : (( إن الله يأتي بالشّمس من المشرق فأت بها من الغرب )) ، ولم يجادله على قوله أنا أحيي وأميت، وإلاّ لو جادله لقال : أنت لم تحي ولم تمت، أنت تفعل سبب الموت فيموت وهو القتل ، وترفع موجب القتل فلا يقتل، لكنّه عدل عن هذا ، لأنه يكون فيه مجادلة إلى شيء لا يستطيع الخصم أن يتحرّك ، قال : (( إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب )) يقدر أو ما يقدر؟ نعم ، لا يستطيع ولهذا قال : (( فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين )) .
فالحاصل أن الله يقول: (( وجادلهم بالتي هي أحسن )) لا تنسحب .
وفُهِم من الآية أن من لا يستطيع المجادلة بالتي هي أحسن فلا يجادل ، لأنه قد يأتي إنسان مؤمن حقّا ولا عنده إشكال في ما معه من الإيمان لكن يجادله هو ألد الخصم فيعجز عن مقاومته ففي هذه الحال لا تجادل ، لأنك إن جادلت لم تجادل بالتي هي أحسن اتركه إلى وقت آخر أو إلى أن يأتي أحد أقوى منك بالمجادلة فيجادل. والله أعلم.
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين :
قال -رحمه الله تعالى- : " باب الوعظ والاقتصاد فيه :
قال الله تعالى: (( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة )).
وأما الأحاديث : عن أبي وائل شقيق بن سلمة رضي الله عنه قال: ( كان ابن مسعود رضي الله عنه يذكرنا في كل خميس مرة، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، لوددت أنك ذكرتنا كل يوم، فقال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم وإني أتخولكم بالموعظة، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا ) متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتاب *رياض الصّالحين : " باب الوعظ والإقتصاد فيه " : الوعظ : هو ذكر الأحكام الشّرعيّة مقرونة بالترغيب أو الترهيب، يعني أن تقول للإنسان مثلاً: إنه يجب عليك كذا وكذا ، فاتّق الله وقم بما أوجب الله عليك ، وما أشبه ذلك .
وأعظم واعظ هو كتاب الله عزّ وجلّ، فإن الله يقول: (( يا أيّها الناس قد جاءتكم موعظة من ربّكم وشفاء لما في الصّدور وهدى ورحمة للمؤمنين )) : فأعظم ما يوعظ به كتاب الله عزّ وجلّ ، لأنه جامع بين الترغيب والترهيب وذكر الجنّة والنّار، والمتّقين والمهملين، فهو أعظم كتاب يُوعظ به، ولكن إنما يكون كذلك : لمن كان له قلب أو ألقى السّمع وهو شهيد، كما قال تعالى: (( إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السّمع وهو شهيد )) .
أما من قست قلوبهم والعياذ بالله فقد قال الله تعالى: (( وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيّكم زادته هذه إيماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانًا وهم يستبشرون )) : وهكذا المؤمن كلما قرأ آية من كتاب الله ازداد إيماناً بالله واستبشر بما جعل الله في قلبه من النّور من هذا الكتاب العظيم ، (( وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رِجسًا إلى رِجسهم وماتوا وهم كافرون )) نعوذ بالله من ذلك ، فينبغي للإنسان أن يعظ الناس: بالقرآن، بالسّنّة، بكلام الأئمّة، بكلّ ما يليّن القلوب ويوجّهها إلى الله عزّ وجلّ.
ثم ذكر المؤلف -رحمه الله- أنه ينبغي الإقتصاد في الموعظة، يعني أن لا تكثر على الناس، فتملّهم وتكرّه إليهم القرآن والسّنّة وكلام أهل العلم، لأن النفوس إذا ملّت كلّت وتعبت وسئمت وكرهت الحقّ وإن كان حقّا، ولهذا كان أحكم الواعظين من الخلق محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلّم : ( يتخوّل الناس في الموعظة ) : ما يكثر عليهم لئلاّ يملّوا ويسأموا ويكرهوا ما يقال من الحقّ.
ثمّ صدّر المؤلف هذا الباب بقوله تعالى: (( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن )).
(( ادع إلى سبيل ربّك )) : يعني إلى دين الله ، لأن سبيل الله هو دين الله ، حيث إنه يوصل إلى الله تعالى ، فإن من سلك هذا الدّين أوصله إلى الله سبحانه وتعالى ولأن هذا الدين وضعه الله عزّ وجلّ وشرعه لعباده، فلهذا أضيف إليه فقيل : سبيل الله (( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن )) :
بثلاثة أمور، أولاً: الحكمة وذلك بأن تنزّل الأمور منازلها في الوقت المناسب، والمكان المناسب، والقول المناسب، لأن بعض الأماكن لا ينبغي فيه الموعظة، وبعض الأزمنة لا ينبغي فيها الموعظة، وكذلك بعض الأشخاص لا ينبغي أن تعظه في حال من الأحوال، بل تنتظر حتى يكون مهيّئاً لقبول الموعظة، ولهذا قال: (( بالحكمة )) قال العلماء: " والحكمة وضع الأشياء في مواضعها ".
الثاني: (( والموعظة الحسنة )) يعني : اجعل دعوتك مقرونة بموعظة حسنة موعظة تليّن القلب، ترقّقه، توجّهه إلى الله، تكون حسنة، إن كان الترغيب فيها أولى فبالترغيب، وإن كان الترهيب والتخويف فيها أولى فبالتخويف والترهيب.
كذلك حسنة من حيث الأسلوب والصّياغة تكون حسنة مقبولة، كذلك حسنة من حيث الإقناع، بحيث تأتي بموعظة يكون فيها أدلّة مقنعة، أدلّة شرعيّة وأدلّة عقليّة تُسند الشّرعية ، لأن بعض الناس يقنع بالأدلّة الشّرعيّة كالمؤمنين الخلّص، فإن الله يقول : (( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم )).
ومن الناس من لا يكتفي بالأدلّة الشّرعية، يحتاج إلى أن تسند الأدلّة الشّرعية عنده بأدلّة عقليّة، ولهذا يستدلّ الله سبحانه وتعالى في آيات كثيرة بالأدلّة العقلية على ما أوحاه إلى نبيّه من الأدلّة الشّرعية، انظر مثلا إلى البعث بعد الموت، البعث بعد الموت أنكره الكفّار وقالوا : (( من يحي العظام وهي رميم )) : كيف يموت الإنسان وتأكل الأرض عظامه ولحمه وجلده كيف يبعث ؟ فأجاب الله : (( قل يحييها الذي أنشأها أول مرّة )) : مَن الذي خلق هذه العظام أول مرّة ؟ هو الله ، وإعادة الخلق أهون من ابتدائه : (( هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه )) ، (( أوليس الذي خلق السّماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى )) : هذه أدلّة عقليّة ، الإستدلال بالمبدأ على المعاد، وكذلك يستدلّ الله عزّ وجلّ على إمكان البعث بإحياء الأرض بعد موتها ، فإن الله تعالى يُنزل المطر على أرض هامدة قاحلة ليس فيها خضراء، (( فتصبح الأرض مخضرّة )) بهذا المطر، من الذي أحيا هذا النبات إلاّ الله، فالذي أحيا هذا النبات بعد يبسه وموته قادر على إحياء الموتى، ولابدّ من حياة أخرى ، لأنه ليس من الحكمة أن الله ينشئ هذا الخلق ويمدّهم بالنّعم والرّزق وينزّل عليهم الكتب ويرسل إليهم الرّسل ويشرع الجهاد لأعداء الله ، ثمّ تكون المسألة بس دنيا تروح ما يمكن هذا! هذا خلاف الحكمة، بل لابدّ من حياة أخرى هي الحياة الحقيقيّة كما قال تعالى: (( يقول يا ليتني قدّمت لحياتي )) : نسف الدّنيا كلّها لأنها ما هي شيء راحت، الحياة الحقيقيّة الحياة الآخرة : (( ربّنا آتنا في الدّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار )).
قال: (( وجادلهم بالتي هي أحسن )) : يعني إذا وعظت موعظة حسنة وصار الإنسان مجادلًا ولم يقبل جادل، لا تنسحب، لكن جادل بالتي هي أحسن، من حيث الأسلوب، ومن حيث العَرض، ومن حيث الإقناع، إذا استدلّ عليك بدليل فحاول إبطال دليله، فإذا كان إبطال دليله يطول فانتقل إلى دليل آخر، لا تأخذ بالجدال معه، انتقل إلى دليل آخر لا يستطيع مجادلتك فيه، انظر إلى إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام لما حاجّه الرّجل في الله : (( ألم تر إلى الذي حاجّ إبراهيم في ربّه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربّي الذي يحيي ويميت )) : يعني أنت لا تستطيع أن تحيي وتميت ، (( قال أنا أحيي وأميت )) يقوله مجادل ومعاند، كيف يحيي ويميت؟ يؤتى بالرجل المستحقّ للقتل فيقول لا تقتلوه، ويؤتى بالرجل لا يستحقّ القتل فيقول: اقتلوه ، هكذا موّه للنّاس ، فقال إبراهيم : (( إن الله يأتي بالشّمس من المشرق فأت بها من الغرب )) ، ولم يجادله على قوله أنا أحيي وأميت، وإلاّ لو جادله لقال : أنت لم تحي ولم تمت، أنت تفعل سبب الموت فيموت وهو القتل ، وترفع موجب القتل فلا يقتل، لكنّه عدل عن هذا ، لأنه يكون فيه مجادلة إلى شيء لا يستطيع الخصم أن يتحرّك ، قال : (( إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب )) يقدر أو ما يقدر؟ نعم ، لا يستطيع ولهذا قال : (( فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين )) .
فالحاصل أن الله يقول: (( وجادلهم بالتي هي أحسن )) لا تنسحب .
وفُهِم من الآية أن من لا يستطيع المجادلة بالتي هي أحسن فلا يجادل ، لأنه قد يأتي إنسان مؤمن حقّا ولا عنده إشكال في ما معه من الإيمان لكن يجادله هو ألد الخصم فيعجز عن مقاومته ففي هذه الحال لا تجادل ، لأنك إن جادلت لم تجادل بالتي هي أحسن اتركه إلى وقت آخر أو إلى أن يأتي أحد أقوى منك بالمجادلة فيجادل. والله أعلم.