باب إكرام الضيف : قال الله تعالى: (( هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين، إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما، قال سلام قوم منكرون، فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين، فقربه إليهم قال ألا تأكلون )) وقال تعالى: (( وجاءه قومه يهرعون إليه، ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم، فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد )) . حفظ
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
قال رحمه الله تعالى: " باب إكرام الضيف، قال الله تعالى: (( هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين * إذ دخلوا عليه فقالوا سلامًا قال سلام قوم منكرون * فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين * فقربه إليهم قال ألا تأكلون )) وقال تعالى: (( وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد )) ".
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
قال النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين: " باب إكرام الضيف " الضيف هو الذي ينزل بك مسافرًا لأجل أن تتلقاه بالإيواء والطعام والشراب وما يحتاج إليه، والضيافة خلق فاضل قديم منذ عهد إبراهيم الخليل عليه السلام إن لم يكن قبل ذلك، وسيذكر المؤلف إن شاء الله في الأحاديث أحاديث متعددة حول إكرام الضيف وأن إكرامه من الإيمان بالله واليوم الآخر، ولكنه رحمه الله كعادته يبدأ بالآيات الكريمة لأن القرآن مقدم على السنة، فهو كلام الله والحديث كلام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكلاهما حق يجب تصديقه إن كان خبرًا وامتثاله إن كان طلبًا، فبدأ بالآيات رحمه الله فقال: (( هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين )) هل أتاك الاستفهام هنا للتشويق من أجل أن ينتبه المخاطب ويسترعي انتباهه، والخطاب في قوله: (( هل أتاك )) إما للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإما له وللأمة لكل من يصح خطابه (( هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلامًا )) إلى آخره، وهؤلاء الضيف ملائكة أرسلهم الله عز وجل إلى إبراهيم ثم إلى لوط، وقوله: (( المكرمين )) يعني الذين أكرمهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام (( إذ دخلوا عليه فقالوا سلامًا قال سلام )) قال العلماء إن قولهم سلامًا يعني نسلم سلامًا، وأن قوله سلام يعني عليكم سلام، والثانية أبلغ من الأولى لأن المشروع لمن حيّ بتحية أن يحيي بأحسن منها أو بمثلها، كما قال تعالى: (( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها )) وإنما كانت الثانية أبلغ من الأولى لأن الأولى جملة فعلية والثانية جملة اسمية تفيد الثبوت والاستمرار، ثم قال: (( قوم منكرون )) ولم يقل أنتم قوم لأن أنتم صريح في الخطاب، وهذا قد يكون مستبشعًا عند بعض الناس فكان من حسن معاملته لضيفه أن قال قوم منكرون، وقوم لو أخذناها هكذا لكان يمكن أن يكون التقدير: هم قوم أو أنتم قوم أو هؤلاء قوم ليست في الصراحة كقوله أنتم قوم، فلهذا حذف المبتدأ وصارت قوم منكرون، ومعنى كونهم منكرين أنه لا يعرفهم، لأنهم أول مرة يلتقي بهم (( فراغ إلى أهله )) وكان عليه الصلاة والسلام كريمًا ومعنى راغ أي ذهب بخفية وسرعة إلى أهله إلى بيته (( فجاء بعجل سمين )) جاء بعجل وهو صغار البقر لأن لحمه ترف ولذيذ، وكونه سمينًا يكون أحلى للحمه وأطيب، وفي الآية الأخرى أنه حنيذ أي محنوذ يعني مشوي، لم يخرج من طعمه شيء وهذا ألذ ما يكون من اللحم، فقربه إليهم ولم يضعه عنهم بعيدًا فيقول تقدموا إلى الطعام، ولكن هو الذي قرّبه لئلا يكون عليهم عناء ومشقة، ومع ذلك لم يقل كلوا ما أمرهم أمر، قال: (( ألا تأكلون )) وهذا عرض وليس بأمر، وهذا أيضًا من حسن معاملته لضيوفه، ثم إن هؤلاء الضيوف ذهبوا إلى لوط بصورة شبان مرد جميلين فتنة وكان قوم لوط والعياذ بالله قد ابتلوا بداء اللواط، وهو إتيان الذكر الذكر، فلما ذهبوا إلى لوط انطلق بعضهم إلى بعض يخبر بعضهم بعضًا ويقول جاء إلى لوط مردان شبان جميلون فجاؤوا إليه يهرعون إليه يسرعون (( ومن قبل كانوا يعملون السيئات )) يعني كانوا يعملون الفاحشة وهي اللواط (( قال هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي )) قال بعض العلماء هؤلاء بناتي يشير إلى بنات القوم ماهو بناته هو بالخاصة بناته من صلبه، ولكنه يعني بذلك بنات قومه لأن النبي لقومه بمنزلة الأب لهم قال كأنه يقول عندكم النساء وهذا كقوله في آية أخرى: (( أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم )) يعني من النساء (( بل أنتم قوم عادون )) المهم أنه عليه الصلاة والسلام قال لهم: (( اتقوا الله ولا تخزون ))، وقوله: (( هؤلاء بناتي هن أطهر لكم )) هذا من باب التفضيل الذي ليس في الجانب المفضل عليه منه شيء، لأن إتيان الذكور ما في طهارة كله خبث وخبائث كما قال تعالى: (( ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث )) لكن (( هن أطهر لكم )) لأن فروج النساء تحل بالعقد (( فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي أليس منكم رجل رشيد )) ولكن لم يكن منهم رجل رشيد والعياذ بالله، قالوا: (( لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد )) يعني تعلم أنا نريد هؤلاء الشباب اللي جاؤوا إليك، قال: (( لو أني بكم قوة أو أوي إلى ركن شديد )) فقالت الرسل: (( يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك )) ثم أرشدوه إلى أن يسري بأهله ويدع البلدة، وفي سورة القمر قال تعالى: (( كذبت قوم لوط بالنذر إنا أرسلنا عليهم حاصبًا إلا آل لوط نجيناهم بسحر * نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر * ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر * ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر )) قيل: إن الملائكة صفقوهم على وجوههم فعميت أبصارهم، وقيل: إن الله أعمى أبصارهم في نفس الحال، وعلى كل حال فإن قوله: (( لا تخزوني في ضيفي )) يدل على أن الضيوف كانوا مكرمين عند لوط كما هم مكرمون عند إبراهيم عليه الصلاة والسلام، والحاصل أنه إذا نزل بك ضيف فإنه يجب عليك أن تضيفه يومًا وليلة، ولكن لا تفعل كما يفعل السفهاء تذهب وتتكلف وتجعل وليمة كبيرة حتى إننا نسمع أنه عند بعض الناس إذا نزل الضيف ذهب صاحب البيت من أجل أن يذبح له ذبيحة، فيقول الضيف لا تذبح عليّ الطلاق ما تذبح، يقول الثاني عليّ الطلاق أن أذبح غلط هذا، إما أن تذبح أو لا تذبح لكن ما حاجة لليمين، وإذا اضطررت لليمين ما حاجة لليمين بالطلاق لأن الذي يحلف بالطلاق أمره ليس بهين، الأئمة الأربعة مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وجمهور أتباعهم يرون أن الحلف بالطلاق طلاق إذا حنث فيه الإنسان، يعني إذا قلت عليه الطلاق ما تفعل ففعل طلقت زوجته ولو أردت اليمين هذا مذهب جمهور الأمة وجميع الأئمة المتبوعين من هذه الأمة، إذن المسألة خطيرة وتهاون الناس اليوم بهذه المسألة غلط كبير ما أسرع أن يقول علي الطلاق ما أفعل، علي الطلاق أن أفعل أو امرأتي طالق إن فعلت، أو امراتي طالق إن لم يفعل وهذا غلط عظيم، كيف تقول هذا الكلام وأكثر الأمة يرون أنك إذا حنثت طلقت زوجتك، هذا يجب أن الإنسان لا يتهاون في هذا الأمر ولا يحلف بالطلاق، إن كان هناك حاجة للحلف فبالله وإلا فلا يحلف، والله الموفق.