فوائد حديث أبي سليمان مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رفيقا، فظن أنا قد اشتقنا أهلنا، فسألنا عمن تركنا من أهلنا، فأخبرناه، فقال: ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم، وعلموهم ومروهم، وصلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم. متفق عليه. زاد البخاري في رواية له: وصلوا كما رأيتموني أصلي. حفظ
الشيخ : فهذا الحديث فيه فوائد منها: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان مشهورًا بالرحمة والرفق، فكان أرحم الناس بالناس وكان أرفق الناس بالناس عليه الصلاة والسلام، رحيمًا رفيقًا حتى إن الجارية من أهل المدينة البنت الصغيرة تمسك بيده ليذهب معها ويقضي حاجتها، وحتى العجوز كذلك فكان عليه الصلاة والسلام أرحم الناس بالناس وأرفق الناس بالناس، ومنها: أن الإنسان ينبغي له أن يكون شعوره شعور الآخرين لا يكون أنانيًّا إذا تمت له الأمور نسي من سواه، فإن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان مقيمًا في أهله مستريح البال مطمئن القلب مرتاح النفس، لكن هؤلاء الشببة الذين جاؤوا يتعلمون الدين، كانت الفطرة والعادة والطبيعة أن الإنسان يشتاق إلى أهله لما رأى أنهم اشتاقوا إلى أهلهم وسألهم من خلّفوا من وراءهم وأخبروه أمرهم أن يرجعوا إلى أهليهم، فأنت ينبغي لك أن تشعر بشعور الآخرين وأن تفرض نفسك كأنك إياهم حتى تعاملهم بما تحب أن تعامل به نفسك، ومنها: أنه ينبغي للإنسان أن يقيم في أهله ما أمكنه، ولا ينبغي أن يتغرّب عنهم ولا أن يبتعد عنهم حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر المسافر إذا سافر وقضى حاجته أن يرجع إلى أهله، لأن بقاء الإنسان في أهله فيه خير كثير فيه الإلفة والمودة والمحبة والتربية ومراعاة أحوالهم والتأديب والتوجيه، فلهذا كان الذي ينبغي للإنسان ألا يفارق أهله إلا عند الحاجة ومتى انتهت حاجته رجع إليهم، ومنها من فوائد الحديث: أن الإنسان مأمور بأن يعلم أهله ولهذا قال علموهم ( ارجعوا إلى أهليكم وعلموهم ) يعلمونهم ما علموه من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالإنسان ينبغي له أن يعلّم أهله ما يحتاجون إليه، إما أن يجعل جلسة خاصة لهم أو إذا جلسوا على الطعام أو على الشراب أو في انتظار النوم أو ما أشبه ذلك يعلمهم، ومنها أيضًا من فوائد الحديث: ألا يقتصر على التعليم فقط قال: ( علموهم ومروهم ) فيعلمهم ويأمرهم وأهم ما يؤمر به الصلاة، وقد نص الرسول صلى الله عليه وسلم عليها فقال: ( مروا أبنائكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر ) فلابد من تعليم الأهل ولابد من أمرهم وتأديبهم وتوجيههم، ومن فوائد الحديث وجوب الأذان وأنه فرض كفاية، لقوله: ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ) ومنها أنه لا يصح الأذان قبل الوقت، فلو أذن الإنسان قبل الوقت ولو بتكبيرة واحدة من الأذان فإن أذانه لا يصح ،يجب عليه أن يعيده بعد دخول الصلاة لقوله: ( إذا حضرت الصلاة ) والصلاة لا تحضر إلا إذا دخل وقتها، وبهذا نعرف أن قول الرسول عليه الصلاة ولاسلام لبلال إذا أذنت الأذان الأول لصلاة الصبح فقل: " الصلاة خير من النوم مرتين " أن المراد بذلك الأذان الذي يكون بعد دخول الوقت، لأنه قال الأول لصلاة الصبح خلافًا لما فهمه بعض الناس من أن المراد بذلك الأذان الذي يكون قبل الفجر، لأن الأذان الذي يكون قبل الفجر ليس أذانًا لصلاة الفجر، فقد بيّن الرسول عليه الصلاة والسلام أن الأذان الذي يكون قبل الفجر أنه لإيقاظ النائم وإرجاع القائم فقال: ( إن بلالًا يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر ) هكذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فبيّن في هذا الحديث أن الأذان الذي يكون في آخر الليل والذي يسميه الناس الأذان الأول هذا ليس للفجر ليس للصلاة، لأن الأذان للصلاة لا يكون إلا بعد دخول وقتها ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ) وقد بيّن الرسول عليه الصلاة والسلام أن هذا الأذان ليس لصلاة الفجر بقوله: ( ليرجع قائمكم ) يعني يرده ليتسحر ويوقظ نائمكم ليتسحر، ومن فوائد هذا الحديث: وجوب صلاة الجماعة لقوله: ( وليؤمكم أكبرهم ) واللام هنا للأمر فصلاة الجماعة واجبة، ومن فوائد الحديث: أن صلاة الجماعة واجبة على المسافرين كما هي واجبة على المقيمين، لأن هؤلاء وفد سيرجعون إلى أهلهم فهم مسافرون وأمرهم بالصلاة جماعة، وعلى هذا فإذا كان الإنسان في البلد وهو مسافر فإنه يجب عليه أن يحضر الجماعة في المساجد، وبعض العامة إذا قلت له صل قال أنا مسافر، طيب المسافر ما عليه صلاة جماعة يجب أن تصلي مع الجماعة في المساجد، ولو كان تبي تبقى يومين أو ثلاثة في البلد لازم تصلي مع الجماعة، أنت وأهل البلد سواء قال النبي عليه الصلاة والسلام لرجل: ( أتسمع النداء؟ ) قال: نعم، قال: ( فأجب ) ومن فوائد هذا الحديث: تقديم الكبير في الإمامة لقوله: ( وليؤمكم أكبركم ) وهذا لا ينافي قوله عليه الصلاة والسلام: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ) لأن هؤلاء شباب كلهم وفدوا في وقت واحد، والظاهر أنه ليس بينهم فرق بيّن في قراءة القرآن، وأنهم متقاربون ليس بعضهم أقرأ من بعض، ولهذا قال وليؤمكم أكبركم، لأنهم متساوون في القراءة أو متقاربون، فإذا تساووا في القراءة والسنة فإنه يرجع إلى الأكبر سنًّا، إذا تساووا في هذه الأمور القراءة والسنة والهجرة فإنهم يقدمون الأكبر، وفيه أيضًا من فوائد الحديث: اعتبار الكبر في السن وأن الكبير في السن مقدم على غيره إذا لم يكن لغيره ميزة يفضل بها هذا الكبير في السن، ومن فوائده أيضًا: أنه ينبغي للإنسان الموجه للناس أن يوجههم لكل أمر وإن كان يظن أنه معلوم، ولهذا قال: ( صلوا صلاة كذا في حين كذا ) مع أنهم قد صلوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام صلوا معه عشرين ليلة وهم يعلمون ذلك، لكن من أجل التنبيه قال صلوا مثلًا الظهر في وقت كذا، صلوا العصر في وقت كذا، صلوا المغرب في وقت كذا، صلوا العشاء في وقت كذا، صلوا الفجر في وقت كذا، ومن فوائد هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يعلم الناس بالقول وبالفعل، فعلّم الذي صلى بغير طمأنينة علمه بالقول، قال: ( إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع ) إلى آخره، أما هؤلاء فقال لهم: ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) وهذا تعليم بفعل وكما فعل عليه الصلاة والسلام حينما صنع له المنبر فصعد عليه وجعل يصلي بالناس وهو على المنبر فيركع وهو على المنبر فإذا أراد السجود نزل من المنبر وهو مستقبل القبلة ثم سجد: وقال لما سلم إنما فعلت هذا لتأتموا به ولتعلموا صلاتي، ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي للإنسان بل يجب على الإنسان أن يعرف كيف كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي فيقرأ من كتب العلم التي كتبها من يوثق بعلمه كيف كان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي حتى ينفذ أمر الرسول في قوله: ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) والله الموفق.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، نقل المؤلف رحمه الله تعالى في سياق الأحاديث في باب وداع الصاحب وصيته عند فراقه للسفر وغيره والدعاء له وطلب الدعاء منه " عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن وقال: ( لا تنسانا يا أخي من دعائك ) فقال كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا، وفي رواية قال: ( أشركنا يا أخي في دعائك ).