باب الاستخارة والمشاورة : قال الله تعالى: (( وشاورهم في الأمر )) ، وقال تعالى: (( وأمرهم شورى )) . أي: يتشاورون بينهم فيه. حفظ
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
قال رحمه الله تعالى: " باب الاستخارة والمشاورة، قال الله تعالى: (( وشاورهم في الأمر )) وقال تعالى: (( وأمرهم شورى بينهم )) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن، يقول: ( إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به، قال ويسمي حاجته ) رواه البخاري ".
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم، قال النووي رحمه الله تعالى في كتابه رياض الصالحين: باب الاستخارة والمشاورة، الاستخارة مع الله والمشاورة مع أهل الرأي والصلاح، وذلك أن الإنسان لابد له من قصور أو تقصير، والإنسان خلق ضعيفًا فقد تشكل عليه الأمور وقد يتردد فيها فماذا يصنع؟ لنفرض أنه همّ بالسفر وتردد هل هو خير أو غير خير أو همّ أن يشتري سيارة أو بيتًا أو أن يصاهر رجلًا يتزوج ابنته أو ما أشبه ذلك، ولكنه متردد فماذا يصنع؟ نقول له طريقان الطريق الأول: استخارة رب العالمين عز وجل الذي يعلم ما كان وما يكون كيف كان يكون، ثم استشارة أهل الرأي والصلاح والأمانة، واستدل المؤلف رحمه الله على آيتين من كتاب الله هما قوله تعالى: (( وشاورهم في الأمر )) وهذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال الله له: (( فاعف عنهم واصفح )) (( واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله )) وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو أسدّ الناس رأيًا وأصوبهم صوابًا يستشير أصحابه في بعض الأمور التي تشكل عليه، وكذلك خلفاؤه من بعده يستشيرون أهل الرأي والصلاح ولابد من هذين الشرطين فيمن تستشيره أن يكون ذا رأي وخبرة في الأمور وتأنٍ وعدم تسرّع وتجربة وأن يكون صالحًا في دينه، لأن من ليس بصالح في دينه ليس بأمين حتى وإن كان ذكيًّا وعاقلًا ومحنكًا في الأمور، إذا لم يكن صالحًا في دينه فلا خير فيه، وليس أهلًا لأن يكون من أهل المشورة لأنه إذا كان غير صالح في دينه فإنه ربما يخون والعياذ بالله، ويشير بما فيه الضرر أو يشير بمالا خير فيه فيحصل بذلك من الشر والفساد ما الله به عليم، ولنفرض أنه رجل من أهل الفسق والمجون والفجور لا يجوز أن تستشيره لأن هذا يوقعك في حفرة في هلاك، كذلك لو كان رجلًا صالحًا ديّنًا أمينًا لكنه مغفّل ما يعرف الأمور أو متسرّع متحمس أيضًا لا تحرص على استشاراته، لأنه ربما إذا كان مغفلًا لا يدري عن الأمور يأخذ الأمور بظواهرها ولا يعرف شيئًا وراء الظواهر، وكذلك إذا كان متسرعًا فإنه ربما يحمله التسرّع على أن يشير عليك بما لا خير فيه، فلابد من أن يكون ذا خبرة وذا رأي وصلاح في الدين، وقال الله تبارك وتعالى: (( وأمرهم شورى بينهم )) يعني: أمرهم المشترك الذي هو للجميع كالجهاد مثلًا شورى بينهم، فإذا مثلًا أراد ولي الأمر أن يجاهد أو أن يفعل شيئًا عامًّا للمسلمين فإنه يشاورهم، ولكن كيف المشورة؟ المشورة إذا حدث له أمر يتردد فيه جمع من يرى أنهم أهل للمشورة برأيهم وصلاحهم واستشارهم.