شرح حديث عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في مسير، فقال لي: أمعك ماء ؟ قلت: نعم، فنزل عن راحلته فمشى حتى توارى في سواد الليل ثم جاء فأفرغت عليه من الإداوة، فغسل وجهه وعليه جبة من صوف، فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها حتى أخرجهما من أسفل الجبة، فغسل ذراعيه ومسح برأسه، ثم أهويت لأنزع خفيه فقال: ( دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ) ومسح عليهما. متفق عليه. وفي رواية: وعليه جبة شامية ضيقة الكمين. وفي رواية: أن هذه القضية كانت في غزوة تبوك. حفظ
الشيخ : وفي الأحاديث حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك نزل من بعيره وأخذ الإداوة، الإداوة شيء إناء يوضع فيه الماء يشبه ما يعرفه الناس بالمطارة سابقًا، فأخذ الإداوة عليه الصلاة والسلام وانطلق حتى توارى في سواد الليل، لأنه عليه الصلاة والسلام أشد الناس حياء، فلا يحب أن يراه أحد وهو جالس على قضاء حاجته وإن لم ير عورته، وهذا من كمال الأدب أنك إذا أردت أن تقضي حاجتك فأبعد عن الناس حتى توارى عنهم، لا من أجل أن لا يروا عورتك لأن ستر العورة واجب ولا يجوز أن تتكشف أمام الناس، لكن هذا فوق ذلك يعني الأفضل ألا يرى الإنسان وهو على حاجته، وهذا من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأن هديه أكمل الهدي ثم أراد أن يتوضأ وكان عليه جبة من صوف ضيقة الأكمام لبسها عليه الصلاة والسلام، لأن الوقت بارد لأنه نحو الشام تبوك قريبة من الشام، فلذلك كان عليه هذه الجبة عليه الصلاة والسلام فلما توضأ وغسل وجهه وأراد أن يخرج ذراعه من الكم كان ضيقًا، ويظهر أيضًا أنها صفيق لم تستطع يده أن تخرج فأخرجها من أسفل وغسلها عليه الصلاة والسلام، ولما أراد أن يغسل قدميه أهوى المغيرة بن شعبة لينزع خفيه قياسًا على أن الرسول لم يمسح على الكمين لما كانا ضيقين لم يمسح عليهما، وإنما أخرج يده من أسفل حتى غسلها، فظن المغيرة بن شعبة أن الخفين مثل ذلك وأنها تنزع من أجل غسل الرجل، ولكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال له: ( دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ) فمسح عليهما يعني أدخلتهما طاهرتين أي لبستهما على طهارة فمسح عليهما، ففي هذا الحديث عدة فوائد، منها: أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بشر يناله ما ينال البشر في الأمور الطبيعية يبرد كما يبرد الناس ويحتر كما يحتر الناس، ولهذا رآه مرة معاوية رآه وقد فك إزراره إزرار القميص، لأنه والله أعلم كان محترًّا ففك الإزرار، فظن معاوية رضي الله عنه أن هذا من السنة وهو ليس من السنن المطلقة، لكن من السنة إذا كان فيه تخفيف على البدن لأن كل ما يخفف عن البدن فهو خير، فإذا كان الإنسان محتر وأراد أن يفتح الإزرار الأعلى والذي يليه فلا بأس هذا من السنة، أما بدون سبب فإنه ليس من السنة لأنه لو كان من السنة لكان وضع الأزرار عبثًا لا فائدة منه، والدين الإسلامي ليس فيه شيء عبث كله جد، ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا حرج على الإنسان أن يتوقى ما يؤذيه من حر أو برد كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام، بل الأفضل للإنسان أن يتوقى ما يؤذيه.