متابعة الكلام على حديث ( ... أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ... ) حفظ
الشيخ : ثم ذكر المؤلف حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة رضي الله عنه في إسبال الثياب، وإسبال الثياب يقع على وجهين، الوجه الأول: أن يجرّ الثوب خيلاء، والوجه الثاني: أن ينزل الثوب أسفل من الكعبين خيلاء أو غير خيلاء، أما الأول وهو الذي يجر ثوبه خيلاء فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر له ثلاث عقوبات والعياذ بالله ( لا يكلمه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه ) يعني: نظر رحمة ( ولا يزكيه وله عذاب أليم ) ( لا يكلمه الله ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم ) أربع عقوبات نسأل الله العافية يعاقب بها إذا جره خيلاء، ولما سمع أبو بكر بهذا الحديث قال: " يا رسول الله إن أحد شقي إزاري يسترخي عليّ إلا أن أتعاهده " يعني: فهل يحق عليّ هذا الوعيد؟ فقال: ( إنك لست ممن يصنع هذا خيلاء ) فزكاه النبي عليه الصلاة والسلام زكى أبا بكر بأنه لا يصنع هذا خيلاء، والعقوبة على من فعله خيلاء، أما من لم يفعله خيلاء فعقوبته أهون، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( ما أسفل من الكعبين ففي النار ) ولم يذكر إلا عقوبة واحدة، ثم هذه العقوبة أيضًا لا تعم البدن كله إنما تختص بما فيه المخالفة وهو ما نزل من الكعب، فإذا نزل ثوب الإنسان أو مشلحه أو سرواله إلى أسفل من الكعب فإنه يعاقب على هذا النازل بالنار، ولا تشمل النار كل الجسد إنما يكوى بالنار والعياذ بالله بقدر ما نزل، ولا تستغرب أن يكون العذاب على بعض البدن الذي حصلت فيه المخالفة، فإنه ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أصحابه توضؤوا ولم يسبغوا فنادى بأعلى صوته ويل للأعقاب من النار فهنا جعل العقوبة على الأعقاب يعني العراقيب التي لم يسبغوا وضوؤها، فالعقاب بالنار يكون عامًّا كأن يحرق الإنسان كله بالنار والعياذ بالله، ويكون في بعض البدن الذي حصلت فيه المخالفة ولا غرابة في ذلك، وبهذا نعرف ضعف قول النووي رحمه الله تحريم الإسبال خيلاء وكراهته لغير الخيلاء، والصحيح أنه حرام ما نزل من الكعبين سواء كان خيلاء أو غير خيلاء بل الصحيح أنه من كبائر الذنوب لأن كبائر الذنوب كل ذنب جعل الله عليه عقوبة خاصة خاصة به وهذا عليه عقوبة خاصة فيه الوعيد بالنار إذا كان لغير الخيلاء وفيه الوعيد بالعقوبات الأربع إذا كان خيلاء، لا يكلمه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم، وختم المؤلف ما نريد قراءته اليوم بحديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ) قرأها ثلاث مرات، وإنما فعل النبي عليه الصلاة والسلام هذا من أجل أن ينتبه الإنسان، لأن اللفظ إذا جاء مجملًا ولاسيما مع التكرار ينتبه الإنسان ما هذا؟ حتى إذا جاءه التفصيل والبيان ورد على نفس متشوفة تطلب البيان، فقال أبو ذر: يا رسول الله خابوا وخسروا، من هؤلاء؟ قال: ( المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ) المسبل يعني الذي يجر ثوبه خيلاء، والثاني: المنان الذي يمنّ بما أعطى إذا أحسن إلى أحد بشيء جعل يمن عليه فعلت بك كذا وفعلت بك كذا وفعلت بك كذا، والمن من كبائر الذنوب لأن عليه هذا الوعيد وهو مبطل للأجر، لقوله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا لا تبلطوا صدقاتكم بالمن والأذى )) والثالث: المنفق سلعته بالحلف الكاذب يعني الذي يحلف وهو كاذب ليزيد ثمن السلعة، فيقول: والله لقد اشتريتها بعشرة وهو لم يشترها إلا بثمانية، أو يقول: أعطيت فيها عشرة وهو لم يعط فيها إلا ثمانية، يعني يقول: سيمت عشرة وهي ما سيمت إلا ثمانية، فيحلف على هذا فهذا ممن يستحق هذه العقوبات الأربع، لا يكلمه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم، نسأل الله العافية، والله الموفق.