باب ما يقوله من أيس من حياته. عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو مستند إلي يقول: ( اللهم اغفر لي وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى ). متفق عليه. وعنها قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالموت، عنده قدح فيه ماء، وهو يدخل يده في القدح، ثم يمسح وجهه بالماء، ثم يقول: ( اللهم أعني على غمرات الموت أو سكرات الموت ). رواه الترمذي. حفظ
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
قال رحمه الله تعالى: " باب ما يقوله من أيس من حياته، عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو مستند إلي يقول: ( اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى ) متفق عليه، وعنها رضي الله عنها قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالموت عنده قدح فيه ماء وهو يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول: ( اللهم أعني على غمرات الموت أو سكرات الموت ) رواه الترمذي ".
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
قال المؤلف رحمه الله النووي في كتابه رياض الصالحين: " باب ما يقوله من أيس من حياته " اليأس من الحياة لا يعلم إلا إذا حضر الموت، أما قبل ذلك فإنه مهما اشتد المرض، فإن الإنسان لا ييأس، وكم من إنسان اشتد به المرض حتى جمع أهله ماء تغسيله وحنوطه وكفنه ثم شفاه الله وعافاه، وكم من إنسان أشرف على الموت في مفازة في أرض مفازة ليس عنده ماء ولا طعام فأنجاه الله عز وجل، ومن ذلك ما قال النبي عليه الصلاة والسلام، ( إن الله أشد فرحًا بتوبة عبده من أحدكم براحلته حين أضلها وعليها طعامه وشرابه ) أضلها يعني ضيعها ضيّع الراحلة وعليها الطعام والشراب وطلبها ولم يجدها، فاضطجع تحت شجرة ينتظر الموت أيس منها وما بقي عليه إلا أن يموت، فبينما هو كذلك إذا بخطام ناقته متعلقا بالشجرة رد الله عليه ضالته حتى جاءت إلى هذه الشجرة ترعاها فارتبط خطامها يعني مقودها بهذه الشجرة، فأخذ الرجل بخطامها وقال: ( اللهم أنت عبدي وأنا ربك ) يريد أن يقول اللهم أنت ربي وأنا عبدك، لكن من شدة الفرح أخطأ قال اللهم أنت عبدي وأنا ربك، فهذا الرجل أيس من حياته باعتبار ظاهر الحال لأن طعامه وشرابه راح مع الراحلة، لكن اليأس الحقيقي هو ما إذا حضر الإنسان الموت وصار في النزع، فحينئذ لا يمكن أن يحيى، قال الله تعالى: (( فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون )) بلغت يعني الروح الحلقوم يعني الحلق (( وأنتم حينئذ تنظرون * ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون )) الملائكة أقرب إلى الإنسان من حلقومه عند احتضاره (( فلولا إن كنتم غير مدينين * ترجعونها إن كنتم صادقين )) ما يمكن، هل أحد يمكن أن يرد روحه بعد أن بلغت الحلقوم؟ أبدًا لا يمكن أبدًا، إذن ييأس الإنسان من حياته إذا عاين الموت، فماذا يقول؟ تقول عائشة رضي الله عنها: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ( اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني في الرفيق الأعلى ) هكذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عند موته، وهو الذي قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يقول: ( اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى ) من هم الرفيق الأعلى؟ هم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون وحسن أولئك رفيقًا، هكذا كان الرسول يقول عند موته، وكان عنده صلى الله عليه وسلم إناء فيه ماء وقد أوتي من شدة الموت وسكراته ما لم يؤت أحد، يعني أشد الناس عند سكرات الموت النبي عليه الصلاة والسلام لأنه صلى الله عليه وسلم يمرض مرض رجلين، يشدد عليه في المرض في النزع عند الموت شدد عليه صلوات الله وسلامه عليه، لماذا؟ من أجل أن ينال أعلى درجات الصبر، لأن الصبر يحتاج إلى شيء يصبر عليه الإنسان، فكان الله عز وجل اختار لنبيه صلوات الله وسلامه عليه أن يكون مرضه شديدًا ونزعه شديدًا حتى ينال أعلى درجات الصابرين صلوات الله وسلامه عليه، فكان عليه الصلاة والسلام يضع يده في الإناء الذي فيه الماء ويمسح بذلك وجهه ويقول: ( اللهم أعني على غمرات الموت ) أو قال: ( على سكرات الموت ) أعني عليها حتى أتحمل وأصبر وأتروى ولا يزيغ عقلي حتى أعي ما أقول، وحتى يختم لي بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، لأن المقام مقام عظيم مقام هول وشدة، إذا لم يعنك الله عز وجل ويصبرك ويثبتك فأنت على خطر، ولهذا كان يقول: ( اللهم أعني على غمرات الموت ) وفي روايات أخرى يقول: ( لا إله إلا الله إن للموت لسكرات ) وصدق النبي عليه الصلاة والسلام (( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد )) نسأل الله تعالى أن يعيننا وإياكم على غمرات الموت، وأن يحسن لنا ولكم الخاتمة، ويتوفانا على الإيمان والتوحيد وأن يتوفانا وهو راضٍ عنا إنه على كل شيء قدير.