باب جواز قول المريض أنا وجع أو شديد الوجع، أو موعوك، أو: وا رأساه ونحو ذلك، وبيان أنه لا كراهة في ذلك إذا لم يكن على التسخط وإظهار الجزع. عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك، فمسسته، فقلت: إنك لتوعك وعكا شديدا، فقال: ( أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم ). متفق عليه. وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني من وجع اشتد بي، فقلت: بلغ بي ما ترى، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنتي، وذكر الحديث. متفق عليه. وعن القاسم بن محمد قال: قالت عائشة رضي الله عنها: وارأساه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( بل أنا وارأساه ) وذكر الحديث. رواه البخاري. حفظ
القارئ : " باب جواز قول المريض أنا وجع أو شديد الوجع أو موعوكًا ونحو ذلك، وبيان أنه لا كراهة في ذلك إذا لم يكن على سبيل التسخط وإظهار الجزع، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فمسسته فقلت: إنك لتوعك وعكًا شديدًا، فقال: ( أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم ) متفق عليه، وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني من وجع اشتد بي فقلت: بلغ بي ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنتي، وذكر الحديث متفق عليه، وعن القاسم بن محمد قال: قالت: عائشة رضي الله عنها وارأساه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( بل أنا وارأساه ) وذكر الحديث، رواه البخاري ".
الشيخ : بسم الله الرحن الرحيم .
قال الحافظ النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين فيما يتعلق بالمريض أنه يجوز أن يخبر عما فيه من المرض وشدته بشرط أن يكون ذلك إخبارًا لا شكوى، أي أنه يقصد بهذا الإخبار ولا يقصد الشكوى وإظهار التسخط من قضاء الله وقدره، ثم استدل بحديث ابن مسعود رضي الله عنه وحديث سعد بن أبي وقاص وحديث عائشة رضي الله عنها، كلها أحاديث تدل على أنه لا بأس أن يخبر الرجل المريض بأنه مريض أو شديد الوجع أو ما أشبه ذلك، فحديث ابن عباس يذكر أنه دخل على النبي عليه الصلاة والسلام وهو يوعك أي فيه حرارة وشدة فمسّ يده فقال له: إنك لتوعك يا رسول الله، قال: ( أجل إني لأوعك كما يوعك الرجلان منكم ) يعني يشدد عليه عليه الصلاة والسلام في المرض وذلك من أجل أن ينال أعلى درجات الصبر صلوات الله وسلامه عليه، فإن أنواع الصبر ثابتة في حقه على الوجه الأعلى فقد صبر على أمر الله وصبر عن معاصي الله وصبر على أقدار الله المؤلمة عليه الصلاة والسلام، صبر على أمر الله حين بلّغ رسالة ربه مع شدة الإيذاء له حتى كان يؤذى في وسط المسجد الحرام تحت بيت الله الكعبة وهو صابر محتسب حتى إنه خرج إلى أهل الطائف ودعاهم إلى الله عز وجل ولكنهم استهزؤوا به وسخروا منه وجعلوا يرمونه بالحجارة حتى أدموا عقبه فلم يفق إلا وهو في قرن الثعالب، ثم جاءه ملك الجبال يستأذنه أن يطبق عليهم الأخشبين فقال: ( لا، إني أستأني بهم لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئًا ) فهذا صبر على أمر الله، وصبر صلوات الله وسلامه عن معصية الله فكان أخشى الناس لله وأتقاهم له صلوات الله وسلامه عليه، وصبر على أقدار الله فكم أوذي في الجهاد في سبيل الله وفي غير ذلك، وكم حصل له من أمراض وهو صابر محتسب لينال بذلك درجة الصابرين، فلنا فيه أسوة فالإنسان يجب عليه أن يصبر على أقدار الله المؤلمة كما صبر الرسول عليه الصلاة والسلام، يصبر ويحتسب ويعلم أنه ما من شيء يصيبه إلا كفر الله به عنه خطيئته حتى الشوكة يشاكها ثم إذا احتسب الأجر على الله ونوى بذلك أن يكون هذا الصبر رفعة درجات له حصل له هذا، فينال بالمصائب ينال مرتبتين عظيمتين، أولًا: مرتبة الصابرين على قضاء الله وقدره، والثاني: أنه ينال من رفعة الدرجات مع الاحتساب ما يناله من الثواب، وأما حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فهو أنه مرض في مكة وكان من المهاجرين وكانوا يكرهون أن يموت الإنسان في البلد الذي هاجر منه لأنه ترك البلد لله فيكره أن يموت فيه، وكان من عادة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وحسن رعايته وخلقه أنه يعود المرضى من أصحابه، فعاده فقال له سعد رضي الله عنه: " يا رسول الله إني ذو وجع " يعني: وجع شديد " وإني ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي " أي: لا يرثه من الذرية إلا بنت وإلا فله عصبة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: ( لا ) قال: بالنصف؟ قال: ( لا ) قال: بالثلث؟ قال: ( الثلث والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ) والعجب من الناس اليوم وقبل اليوم أنهم يوصون بالثلث مع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( الثلث كثير ) وهذا يدل على أنه لا يحب أن يوصي الإنسان بالثلث ولكن أخذ الناس هذا عادة وصار الإنسان إذا أوصى يوصي بالثلث، ولهذا قال حبر هذه الأمة الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم أن يفقهه الله في الدين ويعلمه التأويل قال: " لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع " يعني لكان أحسن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الثلث والثلث كثير ) والناس الآن أبد اكتب ثلثي اجعل لي ثلث وما أشبه ذلك، هذا ليس محبوبًا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام غض من الثلث إلى الربع وغض إلى الخمس وهو أفضل، لأن أبا بكر رضي الله عنه أفقه هذه الأمة والخليفة الأول لهذه الأمة بعد نبيها أوصى بالخمس، وقال: ( رضيت بما رضي الله به ) لأن الله قال: (( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى )) إلى آخره، ومع هذا فتجد الذين يوصون بالثلث لا يوصون على الوجه المشروع، يوصون بأشياء مفضولة وغيرها أفضل منها، يوصي أحيانًا يحيد في الوصية يوصي للأولاد ويدع البنات، أو يوصي بأشياء توجب النزاع بين الموصى لهم في المستقبل، ولو أن الناس إذا أرادوا أن يوصوا أوصوا بما هو نفع عام كبناء المساجد وبناء المدارس وشراء الكتب النافعة وما أشبه ذلك مما ينفذ في حينه ويجري أجره ويسلم الورثة أو الموصى له من التنازع لكان خيرًا من كونه يوصي بضحية وعشاء وعلى ذريته والأولاد والبنات ما لهم شيء وما أشبه ذلك من الأشياء اللي واضح فيها أن الإنسان أخذ هذا الشيء عادة ولم يفكر، والشرهة ماهي عليه على العامة، العامة عامة عوام والعوام هوام، الشرهة على الذين يكتبون للعامة يجي العامي للشخص يقول اكتب وصيتي بالثلث ويذكر اللي ما اعتاده الناس، والذي يجب على أهل العلم الذين يكتبون الوصايا أن يفقهوا أولًا في دين الله وأن يحملوا الناس على ما هو أفضل وأولى، لأن العامي إذا جاء يقول اكتب وصيتي مثلًا قد ائمتنه، فكونه يكون كاتب أمة يعني ما يهمه إلا ما يرضي الناس فقط ولو كان مفضولًا هذا خطأ، احملوا الناس على ما ينفعهم في دينهم ودنياهم حتى وإن كان على خلاف عاداتهم، هذا العامي المسكين ما أراد إلا الخير، ثم يجي يقول اكتب ثلثي بضحية وعشاء، إيش ضحية وعشاء في ماهو أفضل من ذلك بكثير، فاحمل الناس على أن تكتب لهم ماهو أولى وأنفع لهم في قبورهم وبعد بعثهم، أما الحديث الثالث فهو عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: " يا رسول الله وارأساه " تتشكى من رأسها، فقال: ( بل أنا وارأساه ) فهذا اجتمعت فيه سنتان إقرارية وقولية، أما الإقرارية فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أقرّ عائشة لما قالت وارأساه تتوجع من رأسها، وأما القولية فهو نفسه قال وارأساه، فإذا قال الإنسان وارأساه واظهراه واكفاه واقدماه وما أشبه ذلك وابطناه فلا حرج، بشرط ألا يقصد بهذا أن يشكو الخالق إلى المخلوق، أو يقصد التوجع والتضجر مما قضاه الله عليه، فإذا كان مجرد خبر فهذا لا بأس به ولاسيما إذا كان يذكر هذا عند من يريد أن يعالجه، فيقول له الطبيب مثلًا ما الذي تشكي يقول أشكو رأسي أشكو بطني أشكو صدري أشكو ظهري وما أشبه ذلك فهذا لا بأس به، لأنه خبر مجرد ليس المراد به التسخط ولا الاعتراض على قضاء الله وقدره، نسأل الله لنا ولكم الشفاء من كل داء وأن يجعل هذا قوة لنا على طاعته إنه على كل شيء قدير.