شرح حديث عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( عليكم بالدلجة، فإن الأرض تطوى بالليل ). رواه أبو داود بإسناد حسن. وعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: كان الناس إذا نزلوا منزلا تفرقوا في الشعاب والأودية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان ) فلم ينزلوا بعد ذلك منزلا إلا انضم بعضهم إلى بعض. رواه أبو داود بإسناد حسن. حفظ
القارئ : والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب آداب السير والنزول والمبيت والنوم في السفر ، واستحباب الرفق بالدواب ، ومراعاة مصلحتها ، وأمر من قصَر في حقها بالقيام بحقها ، وجواز الإرداف على الدابة إذا كانت تطيق ذلك : " عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بالدُّلجة، فإن الأرض تطوى بالليل ) رواه أبو داود بإسناد حسن .
وعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال : ( كان الناس إذا نزلوا منزلًا تفرقوا في الشعاب والأودية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان ، فلم ينزلوا بعد ذلك منزلاً إلا انضم بعضهم إلى بعض ) رواه أبو داود بإسناد حسن .
وعن سهل بن عمرو -وقيل سهل بن الربيع بن عمرو- الأنصاري المعروف بابن الحنظليَّة، وهو من أهل بيعة الرضوان رضي الله عنه قال : ( مرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهرُه ببطنه ، فقال : اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة ) رواه أبو داود بإسناد صحيح .
وعن أبي جعفر ، عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما ، قال : ( أردفني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه ، وأسرَّ إلي حديثًا لا أحدث به أحدًا من الناس، وكان أحبَّ ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدف أو حائش نخل ) : يعني : حائط نخل ، رواه مسلم هكذا مختصرا .
وزاد فيه البرقاني : ( فدخل حائطًا لرجل من الأنصار فإذا فيه جمل، فلما رأى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم جرجر وذَرَفت عيناه ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح سَراته -أي : سنامه- وذفراه فسكن ، فقال : مَن ربُّ هذا الجمل، لمن هذا الجمل ؟ فجاء فتى من الأنصار فقال : هذا لي يا رسول الله ، قال : أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها ؟ فإنه يشكو إليَّ أنك تجيعه وتدئبه ) رواه أبو داود كرواية البرقاني.
وعن أنس رضي الله عنه، قال : ( كنا إذا نزلنا منزلًا لا نسبح حتى نَحُل الرحال ) رواه أبو داود بإسناد على شرط مسلم .
وقوله : لا نسبح : أي لا نصلي النافلة ، ومعناه : أنا مع حرصنا على الصلاة لا نقدمها على حطِّ الرحال وإراحة الدواب "
.
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذه أحاديث في آداب السفر ساقها النووي -رحمه الله- في كتابه * رياض الصالحين * :
منها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرشد أمته إلى أن يسيروا في الليل ، وأخبر أن الأرض تطوى : أي تطوى للمسافر إذا سافر في الليل ، يعني أنه يقطع في الدلجة في الليل ما لا يقطعه في النهار ، وذلك لأن الليل وقت براد فهو أنشط للرواحل ، وأسرع في سيرها ، ولهذا عبَّر النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك : ( بأنه تطوى الأرض للمسافر إذا مشى في الليل ) .
ومن الآداب أيضا أنه ينبغي للجماعة ألا يتفرقوا إذا نزلوا منزلا : ( فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا إذا نزلوا منزلا تفرقوا في الأودية والشعاب ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إنما ذلكم من الشيطان ) : يعني تفرقكم ، ( فما نزلوا بعد ذلك منزلا إلا اجتمعوا جميعًا ) ، لأن ذلك أقوى لهم وأحفظ ، ولو تسلط عليهم عدو في هذه الليلة وكانوا جميعاً أمكنهم المدافعة ، لكن إذا تفرقوا توزعوا وفشلوا .
ومن ذلك أيضًا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بالرفق بالبهائم ، وأنه يجب على الإنسان أن يعاملها معاملة حسنة ، فلا يكلفها ما لا تطيق ولا يقصر عليها في أكل وشرب .
ومن ذلك أيضاً ، من الآداب أن الإنسان يركب الراحلة وحده ، وله أن يردف غيره لكن بشرط أن تكون الراحلة مطيقة للإرداف ، فإن لم تكن مطيقة لضعفها أو نحو ذلك ، فإنه لا يحل له أن يكلفها ما لا تطيق ، لأن هذه البهائم تتعب كما يتعب الإنسان ، هي مكونة مما كُوِّن منه الإنسان من لحم وعظم ودم ، فإذا كان الإنسان يتعب إذا حُمِّل ما لا يطيق أو إذا حُمل عملا يتعبه فكذلك هذه البهائم ، ولهذا أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتقي الله تعالى فيها ، وألا نقصر في حقها .