شرح حديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فكنا إذا أشرفنا على واد هللا وكبرنا وارتفعت أصواتنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا. إنه معكم، إنه سميع قريب ). متفق عليه. حفظ
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب تكبير المسافر إذا صعد الثنايا وشبهها، وتسبيحه إذا هبط في الأودية ونحوها، والنهي عن المبالغة برفع الصوت بالتكبير ونحوه : " عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فكنا إذا أشرفنا على وادٍ هللا وكبرنا وارتفعت أصواتنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أيها الناس اربَعوا على أنفسكم ، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ، إنه معكم، إنه سميع قريب ) متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
تقدم أنه ينبغي للمسافر إذا علا وارتفع أن يُكبر ، وإذا هبط ونزل أن يسبح ، وبينا الحكمة في ذلك ، ولكن ينبغي للإنسان إذا فعل هذا يعني : إذا كبر عند العلوم وسبح عند النزول ألا يُجهد نفسه ولا يشق عليها ، ولا يرفع صوته رفعا بالغا ، كما في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : ( أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في سفر فكانوا يهللون ويكبرون ويرفعون أصواتهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أيها الناس اربَعوا على أنفسكم ) اربعوا عليها : يعني هونوا عليها ، لا تشقوا على أنفسكم برفع الصوت : ( فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا قريبا مجيبا ) : وهو الله عز وجل ، لا يحتاج أن تجهدوا أنفسكم في رفع الصوت عند التسبيح والتحميد والتكبير ، لأن الله تعالى يسمع ويبصر وهو قريب جل وعلا مع أنه فوق سماواته ، لكنه محيط بكل شيء جل وعلا ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : ( ما السماوات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في كف أحدكم ) : كل السماوات والأرض لا تنسب إلى الله عز وجل فهو جل وعلا محيط بكل شيء وهو فوق كل شيء ، وفي هذا دليل أنه لا ينبغي للإنسان أن يشق على نفسه في العبادات ، لا في أدائها ولا في المداومة عليها ، ولهذا لما بلغ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال من شدة رغبته في الخير ، قال : ( لأقومنَّ الليل ما عشت ولأصومن النهار ما عشت ) يعني : قال أنه يريد أن يصوم كل النهار ويقوم كل الليل ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فدعاه وقال : ( أنت الذي قلت هذا ؟ لأصومن النهار ما عشت ، ولأقومن الليل ما عشت ؟ قال : نعم يا رسول الله ، قال : إنك لا تطيق ذلك ، ثم أمره أن يصوم من كل شهر ثلاثة أيام وأن يقوم وينام فقال : إني أطيق أكثر من ذلك فما زال به حتى قال النبي عليه الصلاة والسلام له : صم يوماً وأفطر يوما قال : فإني أطيق أفضل من ذلك قال : لا أفضل من هذا ، هذا صوم داود عليه الصلاة والسلام ، يصوم يوما ويفطر يوما ) : ليتقوى بيوم الفطر على يوم الصيام ، فلما كبر رضي الله عنه شق عليه ذلك ، شق أن يصوم يوما ويفطر يوما فقال : ( ليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم ) ، ثم صار يصوم خمسة عشر يوما سردا ، ويفطر خمسة عشر يوما سردا ، لأنه عجز أن يصوم يوما ويفطر يوما ، أما في القيام فقال له : ( أعلى ما يكون أن ينام نصف الليل ويقوم ثلث الليل وينام سدس الليل ) : قسمه ثلاثة أقسام : ينام النصف ويقوم الثلث وينام السدس ، وقال : ( لا أفضل من ذلك ) .
فالحاصل أنه لا ينبغي للإنسان أن يشق على نفسه في العبادة متى تسهلت فليحمد الله ، بعض الناس في أيام الشتاء يكون عنده الماء الساخن وعنده الماء البارد ، فيتوضأ بالبارد ويترك الساخن ، يعذب نفسه ، والله عز وجل يقول : (( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم )) ، نعم إذا كان ما عندك إلا الماء البارد واستعملته وشق عليك فلك أجر ، أما أن تعدل عن السهل إلى الصعب طلباً للأجر فهذا ليس بصواب ، متى تسهل الأمر فافعل ، كذلك بعض الناس لو قال : أنا أريد أن أمشي على رجلي إلى الحج لأنه أصعب من المشي بالسيارة ، قلنا : هذا خطأ إذا سهل الله عليك العبادة فافعل .
أو قال الإنسان : أنا بقرأ على نور ضعيف ولا أقرأ على نور قوي لأن القراءة على النور الضعيف أصعب نقول : هذا غلط أيضا كلما سهلت العبادة فافعل ما تيسر ولكن لا تقصر ، أما إذا عاد إذا لا يمكن إلا مع التعب فهذا الأمر إلى الله ومتى تعبت في العبادة فلك أجر ، والله الموفق .