كتاب الفضائل: باب فضل قراءة القرآن. حفظ
الشيخ : ولو أن ابن الزوج النازل سافر بزوجة أبيه فلا بأس لأنها محرم له ، وأما ما يظنه بعض العوام من أن الإنسان إذا أنقذ امرأة من هلاك صار محرمًا لها فهذا ليس له أصل ، يعني يقول بعض الناس : إذا غرقت امرأة ثم جاء إنسان وأنقذها ، أو شبَّت حريق في البيت فجاء إنسان فأنقذها يدعي بعض العوام أنه يصير محرمًا لها وهذا ليس له أصل ، غير صحيح ، المحارم سبع بالنسب، وسبع بالرضاع، وأربع بالمصاهرة، أما الزوج فمعلوم أنه محرم ، لأنه زوج ، والله الموفق .
القارئ : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين :
قال -رحمه الله تعالى- : " كتاب الفضائل : باب فضل قراءة القرآن :
عن أبي أُمامة رضي الله عنه قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه ) رواه مسلم .
وعن النوَّاس بن سمعان رضي الله عنه ، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( يُؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا ، تَقدُمُه سورة البقرة وآل عمران، تحاجان عن صاحبهما ) رواه مسلم "
.
الشيخ : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتابه * رياض الصالحين * : " كتاب الفضائل " : الفضائل جمع فضيلة ، ثم بدأ بفضائل كتاب الله عز وجل فقال : " باب فضل قراءة القرآن " : والقرآن الذي بين أيدينا هو كلام الله عز وجل ، تكلم به سبحانه وتعالى حقيقة كلامًا سمعه جبريل ، ثم تلاه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى : (( وإنه لتزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين )) ، وقال : نزل به على قلبك ، لأن القلب هو محل الوعي والإدراك والفقه .
(( لتكون من المنذرين )) ، وقال الله تبارك وتعالى : (( لا تحرك به لسانك لتعجل به )) : وكان النبي صلى الله عليه وسلم من شدة حرصه على القرآن كان يبادر جبريل ، وجبريل يقرأ عليه يلقنه ، فيبادره القراءة ، فقال الله تعالى : (( لا تحرك به لسانك لتعجل به )) : يعني اسكت حتى يفرغ جبريل ، (( إن علينا جمعه وقرءانه فإذا قرأناه )) : يعني قرأه جبريل الذي هو رسول رب العالمين إلى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، (( فإذا قرأناه فاتبع قرءانه )) يعني : يقرأه بعده ، (( ثم إن علينا بيانه )) يعني : لا تقاطع جبريل في قراءته ، فهذا القرآن تكلم الله به جل وعلا ، وهو يتكلم به سبحانه وتعالى إذا أراد أن ينزله ، كما قال تعالى : (( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها )) : وهذه الجملة جملة ماضوية ، يعني أنها فعل ماضي : (( قد سمع )) : يدل على تقدم كلام هذه المرأة وعلى تأخر كلام الله تعالى في قصتها وشأنها : (( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير )) ، وقال تعالى : (( وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال )) : هذا في أحد ، يقول : (( إذ غدوت من أهلك )) : إذًا فالغدو سابق على كلام الله تعالى هذا ، فالله جل وعلا يتكلم متى شاء بما شاء كيف شاء ، ولا يحل لنا أن نقول : إن كلام الله تعالى ككلامنا ، يعني أن صوته بالقرآن كأصواتنا ، كلا ، لكنه يتكلم بالحروف التي نتكلم بها ، فهذا القرآن الذي بين أيدينا هو الحروف التي نكون منها كلامنا وهو كلام الله عز وجل المعنى واللفظ ، كله كلام الله، هذا هو ما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف وأئمة أهل السنة : " أن القرآن كلام الله وأنه منزل من عنده وأن الله تكلم به حقيقة وأنه تلقاه عنه جبريل ثم نزل به على قلب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم " ، قال الله تعالى : (( إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مُطاع ثَم أمين )) : فهو أمين أعني جبريل عليه الصلاة والسلام ، نزل به على أمين البشر ، جبريل أمين الملائكة ومحمد أمين البشر وكلاهما أمين على وحي الله عز وجل .
هذا القرآن له فضائل عظيمة : فضائل عامة وفضائل في آيات وسور خاصة ، مثلا الفاتحة هي السبع المثاني وهي أم الكتاب ، آية الكرسي هي أعظم آية في كتاب الله وهلم جرا ، فيه آيات أو سور لها فضائل خاصة ، أما القرآن عموما فله أيضًا فضائل عامة ، وهذا يوجب لنا أن نحرص غاية الحرص على تلاوة كتاب الله عز وجل ليلا ونهارا ، لأن الإنسان إذا تلا كلام الله صار له بكل حرف عشر حسنات ، كل حرف ، الحرف الواحد من الكلمة له فيه عشر حسنات فمثلا : (( قل )) هذه فيها عشرون حسنة لأنها حرفان القاف واللام ، (( أعوذ )) : هذه أربعة أحرف فيها أربعين حسنة ، يعني ثواب جزيل ما يتصوره الإنسان إذا قرأ هذا الكتاب العزيز العظيم الذي : (( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد )) .
وينبغي للإنسان إذا قرأ القرآن أن يترسل فيه ، وألا يتعجل عجلة توجب سقوط بعض الحروف ، فإن بعض الناس يهذُّه هذَّاً حتى يسقط بعض الحروف ، هذا ما تلاه كما أُنزل ، لا بد من بيان الحروف لكن التجويد المصطلح عليه ليس بواجب ، التجويد المصطلح عليه في كتب التجويد هذا ليس بواجب ، لكنه من كمال تحسين الصوت ، الواجب ألا تسقط حرفا من الحروف ، ولا شدة من الشدات ، وأما قواعد التجويد المعروفة فهي من باب التحسين والتكميل ، وليست من باب الواجبات ، ولهذا يضعَّف القول بأن التجويد واجب ، وأن من لم يجود القرآن آثم ، فإن هذا قول ضعيف جدًا ضعيف ، بل يقال : القرآن أمره ولله الحمد بيِّن واضح لا تسقط حرفا من حروفه ، وأما مراعاة قواعد التجويد فليست بواجبة لكنها من باب تحسين الصوت بالقرآن .
واعلموا أن القرآن أول ما نزل نزل على سبعة أحرف مو على حرف واحد ، لأن الناس عرب من قبائل متعددة ولهجات مختلفة ، وتعرفون إن الواحد إذا أراد أن يتكلم بلهجة غيره يصعب عليه ويشق عليه ، فكان من رحمة الله عز وجل أن جعل القرآن على سبعة أحرف ، كل يقرأ بلهجته من العرب ، بقي على هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كله وفي عهد أبي بكر وفي عهد عمر ، في عهد عثمان صار الناس يقرؤون على لهجاتهم ، فصار في هذا اختلاف ، واللغة القرشية كانت غلبت على جميع اللهجات بعد أن تطور الإسلام وصارت الدولة كل خلفائها من قريش غلبت اللغة القرشية ، غلب حرف قريش على جميع اللغات ، فلما خاف أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه أن يختلف الناس في كلام الله ، وأن تؤدي هذه الأحرف السبعة إلى شقاق ونزاع أمر رضي الله عنه أن يوحد القرآن على حرف واحد ، ألا وهو حرف قريش ، أي : لغة قريش ، فجمع القرآن على حرف واحد على لغة قريش ، وهو الذي نقرأ به الآن ، ثم أمر بسائر المصاحف فأحرقت ، أحرقوها لئلا تبقى فيفتتن الناس بها ، فكان في ذلك مصلحة عظيمة وفضيلة لأمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه لا تنسى ، فنسأل الله تعالى أن يجزيه عن المسلمين خيرا ، وأحث نفسي وإياكم على تلاوة كتاب الله ، لا تتركوا القرآن ، لو بالشهر مرة تقرؤه كله أو بالشهر مرتين أو بالشهر أربع مرات أو بالشهر عشر مرات ، وهذا أدنى ما يكون من الكمال أن تحفظه كل ثلاثة أيام ، هذا أفضل ما يكون ، وإن رأيت أو لم يتيسر لك إلا في الأسبوع مرة ، أو في عشر أيام مرة ، أو في الأسبوعين مرة أو في ثلاثة أسابيع مرة أو في الشهر مرة ، المهم لا تهجر القرآن ، لا تهجره لأنه كلام ربك عز وجل ، ولا يزيدك إلا نورا في القلب وبصيرة في العلم ، والله الموفق .