باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن وطلب القراءة من حسن الصوت والاستماع لها. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به ). متفق عليه. وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ( لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود ). متفق عليه. وفي رواية لمسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ( لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة ). حفظ
القارئ : قال -رحمه الله تعالى- : " باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن، وطلب القراءة من حَسَن الصوت والاستماع لها :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما أَذِنَ اللهُ لشيء ما أَذِن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به ) متفق عليه .
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : ( لقد أوتيت مِزمارًا مِن مزامير آل داود ) متفق عليه .
وفي رواية لمسلم : أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : ( لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة ) "
.
الشيخ : قال المؤلف -رحمه الله- في كتابه * رياض الصالحين * في آداب القراءة : " باب استحباب تحسين الصوت بالقراءة، وطلب القراءة مِن حسن الصوت والاستماع إليه " : هاتان مسألتان :
المسألة الأولى : استحباب تحسين الصوت بقراءة القرآن ، وتحسين الصوت بقراءة القرآن ينقسم إلى قسمين :
أحدهما : تحسين الأداء ، تحسين الأداء بحيث يبين الحروف ويخرجها من مخارجها حتى يبدو القرآن واضحًا بيِّناً ، فلا يدغم ، ولا يحذف شيئا من الحروف لئلا ينقص شيء مما ينقص شيء مما أنزل على رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
والثاني : تحسين الصوت يعني النغمة ، نغمة الصوت ، يحسن صوته بذلك ، وكلاهما أمر مطلوب ، ولكن الأمر الأول الذي هو تحسين الأداء لا ينبغي المبالغة فيه والغلو فيه ، بحيث تجد الرجل يقرأ القرآن يتكلف ويحمر وجهه ، ويتكلف في الغنة وفي الإدغام وفي ما أشبه ذلك ، فإن هذا من إقامة الحروف المتكلفة ، ولكن لتكن قراءته طبيعية ويبين فيها الحروف والحركات ، هذا هو المطلوب ، وأما الغلو والمبالغة فإن هذه ليست بمطلوبة ، وبه نعلم أن تعلم التجويد ليس بواجب ، تعلم التجويد ليس بواجب ، لأنه يعود إلى تحسين الصوت بدون غلو ولا مبالغة ، فهو من الأمور المستحبة التي يتوصل بها الإنسان إلى شيء مستحب لا إلى شيء واجب .
وأما القسم الثاني : وهو تحسين الصوت ، فهذا قد يقول قائل : حسن الصوت ليس باختيار الإنسان ، لأن الله تعالى هو الذي يمن على من يشاء من عباده فيعطيه حنجرة واسعة ، وصوتا جيدا طيبا ، فيقال : نعم الأمر كذلك ، ولكن يحسن الإنسان الصوت بالتعلم ، لأن حسن الصوت غريزي ومكتسب فلا يزال يقرأ يقرأ بصوت حسن حتى يتعلم ويؤدي بصوت حسن . د
ثم ذكر المؤلف حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( ما أَذِن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به ) : أذن : قال العلماء معناه استمع ، يعني ما استمع الله لشيء من الأشياء التي يسمعها جل وعلا مثل استماعه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به ، يعني نبي ، والأنبياء هم أفضل طبقات الخلق ، يتغنى بالقرآن : يعني يقرؤه بصوت حسن ، يجهر به : يعني يرفع صوته به ، فهذا هو الذي يأذن الله له أي : يستمع له جل وعلا ، فهو جل وعلا يستمع له لأنه يحبه يحب الصوت الحسن بالقرآن والأداء الحسن .
ثم ذكر حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، وهو عبد الله بن قيس ، أحد خطباء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استمع إلى قراءته ذات ليلة ، فأعجبته ، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأبي موسى : ( لقد أوتيت مِزمارا من مزامير آل داود ) : وآل داود يعني بذلك داود عليه الصلاة والسلام ، داود عنده صوت حسن جميل رفيع ، حتى قال الله تعالى : (( يا جبال أَوِّبي معه والطير )) : فكانت الجبال ترجع مع داود وهو يتلو الزبور لحسن صوته ، تجاوبه الجبال ، أحجار جامدة ، وكذلك الطير تؤوب معه سبحان الله ، تأتي فإذا سمعت قراءته تجمعت في جو السماء وجعلت ترجع معه : (( يا جبال أوبي معه )) يعني رجِّعي معه ، (( والطير )) يعني كذلك أمرنا الطير بذلك ، فكانت الطيور والجبال إذا سمعت إلى قراءة داود للزبور قامت ترجع معه ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأبي موسى : ( لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود ) : يعني صوتا حسنا كصوت آل داود ، يقول أبو موسى لما قال له الرسول : ( لو رأيتني وأنا أستمع إلى قراءتك البارحة ) قال : ( لو علمت أنك تستمع أو قال تسمع لحبرته لك تحبيرا ) : يعني كان زينه أحسن مما سمعت ، قال العلماء : " وفي هذا دليل على أن الإنسان لو حسن صوته بالقرآن لأجل أن يتلذذ السامع ويسر به فإن ذلك لا بأس به ولا يُعد من الرياء " : يعني هذا الرجل حسن صوته عشان الناس يتلذذون بقراءته يكون رياءً ، بل هذا مما يدعو إلى الاستماع لكلام الله عز وجل حتى يسر الناس به ، ولهذا يوجد بعض الناس إذا ضاق صدره استمع إلى قراءة إنسان حسن القراءة حسن الصوت .
وهذه الحمد لله متوفرة الآن ، في أشرطة لبعض القراء الذين لا يتكلفون القراءة وأصواتهم حسنة وأداءهم حسن إذا استمع الإنسان إليهم لا يكاد يمل ، لأن كلام الله له تأثير إذا جاء من إنسان حسن الصوت وحسن الأداء ، فيُستفاد من هذين الحديثين أنه ينبغي للإنسان أن يقرأ القرآن على أكمل ما يمكنه أن يقرأه عليه من حسن الصوت وحسن الأداء ، ونسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم ممن يقيم حروفه وحدوده ، حتى يكون حجة لنا لا علينا ، والله الموفق .