شرح حديث وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة ). رواه مسلم. وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم ؟ ) قلت: الله لا إله إلا هو الحي القيوم، فضرب في صدري وقال: ( ليهنك العلم أبا المنذر ). رواه مسلم. حفظ
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب الحث على سور وآيات مخصوصة : " عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تجعلوا بيوتكم مقابر ، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة ) رواه مسلم .
وعن أُبيّ بن كعب رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا أبا المنذر أتدري أيَّ آية من كتاب الله معك أعظم ؟ قلت : الله لا إله إلا هو الحي القيوم ، فضرب في صدري وقال : لِيهنِك العلم أبا المنذر ) رواه مسلم "
.
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذه أحاديث في بيان فضل آيات أو سور من القرآن الكريم ، منها سورة البقرة :
سورة البقرة نقل المؤلف -رحمه الله- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( لا تجعلوا بيوتكم مقابر ) قال العلماء : " معنى ذلك لا تتركوا الصلاة فيها " : يعني صلوا في بيوتكم وإنما سمى عدم الصلاة في البيوت سماه مقابر أي : سمى البيوت مقابر إذا لم يصل فيها ، لأن المقبرة لا تصح الصلاة فيها ، كما جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : ( الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها ) .
فالمقبرة لا تصح فيها صلاة النافلة ولا صلاة الفريضة ولا سجدة التلاوة ولا سجدة الشكر ولا أي شيء من الصلوات ، إلا صلاة واحدة وهي : صلاة الجنازة ، إذا صُلي على الجنازة في المقبرة فلا بأس سواء كان ذلك قبل الدفن أم بعد الدفن ، لكن بعد الدفن لا يُصلى عليها في أوقات النهي ، يعني مثلا لو جئت لحضور جنازة بعد صلاة العصر ووجدت أنهم قد دفنوها فلا تصل عليها ، لأنه يمكنك أن تصلي في وقت آخر غير وقت النهي ، كالضحى مثلا ، وأما إذا جئت وهم لم يدفنوها ، لكن قد وضعت في الأرض للدفن ، فلا بأس أن تصلي عليها ولو كان ذلك بعد العصر ، لأنها في هذه الحال تكون صلاة لها سبب ، والصلاة التي لها سبب ليس عنها وقت نهي .
ثم أخبر صلى الله عليه وسلم : ( أن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة ) : يعني إذا قرأت في بيتك سورة البقرة فإن الشيطان ينفر منها من البيت ولا يقربه ، والسبب أن في سورة البقرة آية الكرسي ، ويدل لهذا ما بعد الحديث الذي ذكره المؤلف : حديث أُبي بن كعب رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله أيَّ آية في كتاب الله أعظم ؟ قال : آية الكرسي ، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم على صدره وقال : ليهنك العلم يا أبا المنذر ) : يعني هنأه حيث عَلِم أن أعظم آية في كتاب الله آية الكرسي ، لأن هذه الآية مشتملة على عشر صفات من صفات الله عز وجل ، يقول عز وجل : (( الله لا إله إلا هو الحي القيوم )) ففي هذا إخلاص التوحيد لله عز وجل ، (( الله لا إله إلا هو )) : ومعنى لا إله إلا هو أي : لا معبود حق إلا هو جل وعلا ، فجميع المعبودات من دون الله معبودة بغير حق ، حتى وإن سُميت آلهة فإنما هي أسماء سموها ما أنزل الله بها من سلطان .
(( الحي القيوم )) : يعني الكامل في حياته وفي قيوميته ، فهو الحي الكامل في حياته ، لم يَسبق حياته عدم ، ولا يلحقها فناء ، لأنه الأول الذي ليس قبله شيء ، والآخر الذي ليس بعده شيء ، قال الله عز وجل : (( كلُّ من عليها فانٍ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام )) : قال بعض السلف : " ينبغي لمن قرأ بهذه الآية (( كل من عليها فان )) ألا يقف بل يقول (( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام )) لأجل أن يتبين بذلك نقص المخلوقات ، وكمال الخالق جل وعلا " ، فهو سبحانه وتعالى الحي الكامل في حياته ، كذلك حياته لا يلحقها نقص بوجه من الوجوه ، وحياة غيره كلها نقص ، انظر حياتك أنت الإنسان : إن جئت بالسمع سمعك ناقص لا تسمع كل شيء ، البصر كذلك ، الصحة كذلك ، ما أكثر الأمراض التي تصيب الناس ، وهكذا بقية صفات الحياة ناقصة ، أما الرب عز وجل فهو كامل الحياة .
القيوم معناها : " القائم بنفسه القائم على غيره " : يعني معنى القائم بنفسه يعني أنه لا يحتاج لأحد عز وجل : (( ومن كفر فإن الله غني عن العالمين )) ، (( إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضي لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم )) هو غني ، وفي الحديث القدسي أنه قال جل وعلا : ( إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ) : فهو قائم بنفسه لا يحتاج لأحد ، قائم على غيره : كل من سواه فإن القائم عليه هو الله عز وجل ، قال الله تعالى : (( أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت )) : يعني كمن لا يملك شيئًا ! والقائم على كل نفس بما كسبت : هو الله عز وجل .
إذًا معنى القيوم له معنيان ما هما ؟ سامي !
القائم على غيره ، القائم بنفسه : يعني لا يحتاج لأحد ، القائم على غيره : يعني كل شيء محتاج إلى الله عز وجل .
(( لا تأخذه سنة ولا نوم )) السِنة : النعاس وهو مقدمة النوم والنوم معروف ، الله عز وجل لا تأخذه سِنة ولا نوم ، والإنسان تأخذه السنة ويأخذه النوم ، اختار أم لم يختر ، أحيانا ينام الإنسان وهو يصلي ما يقدر ، ينعس وهو يكلم الناس ، ما يقدر ، لكن الرب عز وجل لا تأخذه سنة ولا نوم لكمال حياته سبحانه وتعالى وكمال قيوميته .
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال : ( إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ) : لا ينام ولا ينبغي له أن ينام : يعني مستحيل غاية الاستحالة أن ينام عز وجل ، لأنه كامل الحياة ، كامل القيومية ، من يقوم على الخلق لو نام الخالق ؟! لا أحد ، فهو جل وعلا لا تأخذه سنة ولا نوم ، ويأتي إن شاء الله بقية الكلام على هذه الآية ، والله أعلم .