باب فضل الأذان. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول. ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا ). متفق عليه. حفظ
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
قال -رحمه الله تعالى- : " باب فضل الأذان :
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العَتَمَة والصبح لأتوهما ولو حبوا ) متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتابه * رياض الصالحين * : " باب الأذان " : يعني في فضله وما ورد فيه ، والأذان : هو الإعلام بالصلاة ، أي : بدخول وقتها إن كانت مما يقدم ، أو بفعلها إن كان مما يؤخر ، هذا هو الأذان ، يعني ينادي الإنسان فيعلم الناس بأن الوقت قد دخل في صلاة المغرب وفي صلاة الفجر وفي صلاة العصر وفي صلاة الظهر إلا أن يبردوا بها ، فالأذان عند حلول فعلها ، وكذلك في أذان العشاء إذا أعتموا بها وأخروها فالأذان كذلك يؤخر ، وإلا فإنه يؤذن عند دخول الوقت ، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ) .
والأذان المشروع هو الذي يؤذن للصلوات الخمس ، وفُرض في السنة الثانية من الهجرة ، بعد أن هاجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة شُرع الأذان ، واختلف الصحابة حين تشاوروا كيف يُعلم بدخول وقت الصلاة فقال بعضهم : نوقد نارًا ، نارًا عظيمة يعرف الناس أن الوقت قد دخل ، وقال بعضهم : بل نضرب بالناقوس ، الناقوس الذي يشبه الجرس وهو الذي ينادي به النصارى لصلواتهم ، وقال آخرون : بل ننفخ بالبوق كما يفعل اليهود ، وكل هذا كرهه النبي عليه الصلاة والسلام ، ( فرأى رجلٌ من الصحابة -وهو عبد الله بن زيد- رأى رجلا في المنام وفي يده ناقوس قال له : أتبيع هذا ؟ قال : وماذا تصنع به ؟ قال : أُعلِم به للصلاة قال : أفلا أدلك على خير من ذلك ؟ قال : بلى ، فقرأ عليه الأذان ، وقرأ عليه الإقامة ، فلما أصبح غدا إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأخبره بالخبر ، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : إنها لرؤيا حق ، ثم علمه بلال فأذن به ) : بهذا الأذان المعروف ، ولما كان في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وكثر الناس ، جعل أذانًا أول للجمعة قبل الأذان الثاني الذي هو عند حضور الإمام ، فكان في يوم الجمعة أذانان : أذان أول وأذان ثاني ، وفي رمضان أمرَ النبي صلى الله عليه وسلم بلالًا أن يؤذن في آخر الليل إذا قرب وقت السحور ، أمره أن يؤذن ، وقال : ( إن بلالا يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم ، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر ) : فصار عندنا الفجر لها أذان أول ، ولكن ليس لها ، بل لأجل الإعلام بأن وقت السحور قد حل ، والجمعة لها أذان أول من سنة عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو أحد الخلفاء الراشدين الذين أُمرنا باتباع سنتهم ، قال بعض المتحذلقين الذين يدَّعون أنهم سلفيون سنيون قالوا : إنَّ أذان الجمعة الأول لا نقبله ، لأنه بدعة لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وهذا القول منهم قدح للنبي عليه الصلاة والسلام ، وقدح بالخلفاء الراشدين ، وقدح بالصحابة رضي الله عنهم ، فالمساكين هؤلاء وصلوا إلى هذا الحد من حيث لا يعلمون ، أما كونه قدحاً بالرسول عليه الصلاة والسلام ، فلأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ) ، وبإجماع المسلمين أن عثمان من الخلفاء الراشدين رضي الله عنه . وأما كونه قدحًا بالخلفاء الراشدين فهو قدح في عثمان رضي الله عنه وهو من الخلفاء الراشدين ، والقادح في واحد منهم قادح في الجميع ، كما أن المكذب للرسول الواحد مكذب لجميع الرسل .
وأما كونه قدحا بالصحابة ، فلأن الصحابة لم ينكروا على عثمان رضي الله عنه مع أنه لو أخطأ لأنكروا عليه كما أنكروا عليه الإتمام في منى في الحج ، لكن في أذان الجمعة الأول لم ينكروا عليه ، فهل هؤلاء المتحذلقون الخالفون أعلم بشريعة الله وبمقاصد الشريعة من الصحابة ؟ !
لكن صدق رسول الله : ( أنَّ آخر هذه الأمة يلعن أولها ) والعياذ بالله ويقدح فيهم ، فالأذان الأول للجمعة أذان شرعي بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم ، وبسنة أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه ، وبإجماع الصحابة الإجماع السكوتي ، ولا عذر لأحد ، وقطع الله لسان من يعترض على خلفائنا خلفاء هذه الأمة الراشدين وعلى الصحابة .
قد يقول قائل : لماذا لم يشرعه الرسول عليه الصلاة والسلام والجمعة موجودة في عهده ؟ والجواب : أن السبب هو أن الناس في عهد عثمان كثروا واتسعت المدينة ، واحتاجوا إلى أذان ينبههم يكون قبل الأذان الأخير الذي عند مجيء الإمام ، فكان من الحكمة أن يؤذن .
وعثمان رضي الله عنه بنى على أساسه ، فها هو النبي عليه الصلاة والسلام يأمر بلالا أن يؤذن في آخر الليل لا لأن الصلاة حلَّت ، صلاة الفجر ، ولكن ليوقظ النائم ويرجع القائم فهو مقصد شرعي ، ولا إشكال في شرعية الأذان الأول ليوم الجمعة .
إذًا فالأذان الأول ليوم الجمعة مشروع بسنة الخلفاء الراشدين ، وإيماء سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم ، وإجماع الصحابة الذين أدركوا هذا ، أما الأذان في آخر الليل فإنه مشروع بسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في رمضان لإيقاظ القائم ، لإيقاظ النائم وإرجاع القائم ، لكن هل يشرع في غير رمضان ؟
نقول : لعله قياساً على فعل عثمان رضي الله عنه أن يوقظ الناس نرى أنه لا بأس به ، وها هنا مسألة ثانية : الصلاة خير من النوم ، زعم بعض المتأخرين أنها تقال في الأذان الأول الذي قبل الفجر ، وأخطئوا خطأ عظيماً ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يقول الصلاة خير من النوم في أذان الفجر قال : ( إذا أذنت الأول لصلاة الصبح فقل : الصلاة خير من النوم ) ، ومعلوم أن الأذان للصلاة لا يكون إلا بعد دخول وقتها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ) .
وسُمي أذانًا أول باعتبار الإقامة إذ أن الإقامة أذان ثاني ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( بين كل أذانين صلاة ) ، وجاء في * صحيح مسلم * رحمه الله من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( فإذا أذَّن للأذان الأول للفجر ) يعني : قام يعني النبي صلى الله عليه وسلم ، ( حتى يأتيه المؤذن فيؤذنه لصلاة الفجر ) : وهذا صريح في أن أذان الفجر الأول هو ما يكون بعد دخول الوقت ، وأما الأذان آخر الليل فليس أذانا للفجر ، بل هو أذان للنائمين ليقوموا وللقائمين ليرجعوا ويتسحروا إذا كان ذلك في وقت الصوم ، والأذان من أفضل الأعمال ، وهو أفضل من الإمامة ، يعني أن مرتبة المؤذن في الأجر أفضل من مرتبة الإمام ، لأن المؤذن يُعلم بتعظيم الله وتوحيد الله والشهادة للرسول بالرسالة ، وكذلك أيضًا يدعو الناس إلى الصلاة وإلى الفلاح في اليوم والليلة خمس مرات أو أكثر ، والإمام لا يحصل منه ذلك .
( والمؤذن لا يسمع صوته شجر ولا حجر ولا مدر إلا شهد له يوم القيامة ) ، ولهذا كانت الأذان مرتبته في الشرع أعلى من مرتبة الإمامة ، فإن قال قائل : إذا كان كذلك لماذا لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يؤذن ولا الخلفاء الراشدون ؟ أجاب العلماء عن هذا : " بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والخلفاء الراشدين كانوا مشغولين بمصالح العباد " ، لأنهم خلفاء أئمة يدبرون الأمة ، والأذان في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ليس كالأذان في وقتنا ، الآن إذا أراد الإنسان أن يؤذن ليس عليه إلا أن ينظر إلى الساعة ويعرف أن الوقت حل أو لم يحل ، لكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يراقبون : يراقبون الشمس ويتابعون الظل حتى يعرفوا أن الشمس قد زالت ، ثم كذلك أيضا يراقبونها حتى يعرفوا أنها غربت ، ثم يراقبون الشفق ثم يراقبون الفجر ففيه صعوبة ، صعوبة عظيمة ، لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون لا يتولون الأذان، لا لأن فضله أقل من الإمامة ولكن لأنهم مشغولون بما هم فيه عن الأذان ، وقد بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فضيلته : ( بأن الناس لو يعلمون ما فيه ، ما في النداء ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ) : سبحان الله !! تعرفون معنى هذا يعني لو يعلم الناس ما في النداء من الفضل والأجر لكانوا يطقون قرعة ، أيهم الذي يؤذن ؟ بينما الناس الآن مع الأسف يتدافعونه أذن يا فلان أذن يا فلان أذن قال : والله صوتي ما هو بجيد يمكن صوتي فيسمع الذي عندهم راح يؤذن ناس بعيدين ، لكن الشيطان يثبطهم عن فعل الخير ، وها هو النبي عليه الصلاة والسلام يقول : ( لو لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه ) : يعني يطقون قرعة أيهم الذي يؤذن ، لاستهموا ، فينبغي إذا كنت في رحلة أن تحرص على أن تكون أنت المؤذن ، لكن معلوم أن الرحلة لها أمير الرحلة سواء سفر أو نزهة لا بد أن يكون هناك أمير ، فإذا رتب الأمير شخصا أنت يا فلان المؤذن فليس لأحد أن يتقدم ويؤذن ، لأنه صار مؤذنا راتبا ، وكذلك إذا قال أنت الإمام لأحدهم صار هو الإمام ، ولا أحد يتقدم عليه ، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه إلا بإذنه ) ، وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
قال -رحمه الله تعالى- : " باب فضل الأذان :
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العَتَمَة والصبح لأتوهما ولو حبوا ) متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتابه * رياض الصالحين * : " باب الأذان " : يعني في فضله وما ورد فيه ، والأذان : هو الإعلام بالصلاة ، أي : بدخول وقتها إن كانت مما يقدم ، أو بفعلها إن كان مما يؤخر ، هذا هو الأذان ، يعني ينادي الإنسان فيعلم الناس بأن الوقت قد دخل في صلاة المغرب وفي صلاة الفجر وفي صلاة العصر وفي صلاة الظهر إلا أن يبردوا بها ، فالأذان عند حلول فعلها ، وكذلك في أذان العشاء إذا أعتموا بها وأخروها فالأذان كذلك يؤخر ، وإلا فإنه يؤذن عند دخول الوقت ، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ) .
والأذان المشروع هو الذي يؤذن للصلوات الخمس ، وفُرض في السنة الثانية من الهجرة ، بعد أن هاجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة شُرع الأذان ، واختلف الصحابة حين تشاوروا كيف يُعلم بدخول وقت الصلاة فقال بعضهم : نوقد نارًا ، نارًا عظيمة يعرف الناس أن الوقت قد دخل ، وقال بعضهم : بل نضرب بالناقوس ، الناقوس الذي يشبه الجرس وهو الذي ينادي به النصارى لصلواتهم ، وقال آخرون : بل ننفخ بالبوق كما يفعل اليهود ، وكل هذا كرهه النبي عليه الصلاة والسلام ، ( فرأى رجلٌ من الصحابة -وهو عبد الله بن زيد- رأى رجلا في المنام وفي يده ناقوس قال له : أتبيع هذا ؟ قال : وماذا تصنع به ؟ قال : أُعلِم به للصلاة قال : أفلا أدلك على خير من ذلك ؟ قال : بلى ، فقرأ عليه الأذان ، وقرأ عليه الإقامة ، فلما أصبح غدا إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأخبره بالخبر ، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : إنها لرؤيا حق ، ثم علمه بلال فأذن به ) : بهذا الأذان المعروف ، ولما كان في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وكثر الناس ، جعل أذانًا أول للجمعة قبل الأذان الثاني الذي هو عند حضور الإمام ، فكان في يوم الجمعة أذانان : أذان أول وأذان ثاني ، وفي رمضان أمرَ النبي صلى الله عليه وسلم بلالًا أن يؤذن في آخر الليل إذا قرب وقت السحور ، أمره أن يؤذن ، وقال : ( إن بلالا يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم ، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر ) : فصار عندنا الفجر لها أذان أول ، ولكن ليس لها ، بل لأجل الإعلام بأن وقت السحور قد حل ، والجمعة لها أذان أول من سنة عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو أحد الخلفاء الراشدين الذين أُمرنا باتباع سنتهم ، قال بعض المتحذلقين الذين يدَّعون أنهم سلفيون سنيون قالوا : إنَّ أذان الجمعة الأول لا نقبله ، لأنه بدعة لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وهذا القول منهم قدح للنبي عليه الصلاة والسلام ، وقدح بالخلفاء الراشدين ، وقدح بالصحابة رضي الله عنهم ، فالمساكين هؤلاء وصلوا إلى هذا الحد من حيث لا يعلمون ، أما كونه قدحاً بالرسول عليه الصلاة والسلام ، فلأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ) ، وبإجماع المسلمين أن عثمان من الخلفاء الراشدين رضي الله عنه . وأما كونه قدحًا بالخلفاء الراشدين فهو قدح في عثمان رضي الله عنه وهو من الخلفاء الراشدين ، والقادح في واحد منهم قادح في الجميع ، كما أن المكذب للرسول الواحد مكذب لجميع الرسل .
وأما كونه قدحا بالصحابة ، فلأن الصحابة لم ينكروا على عثمان رضي الله عنه مع أنه لو أخطأ لأنكروا عليه كما أنكروا عليه الإتمام في منى في الحج ، لكن في أذان الجمعة الأول لم ينكروا عليه ، فهل هؤلاء المتحذلقون الخالفون أعلم بشريعة الله وبمقاصد الشريعة من الصحابة ؟ !
لكن صدق رسول الله : ( أنَّ آخر هذه الأمة يلعن أولها ) والعياذ بالله ويقدح فيهم ، فالأذان الأول للجمعة أذان شرعي بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم ، وبسنة أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه ، وبإجماع الصحابة الإجماع السكوتي ، ولا عذر لأحد ، وقطع الله لسان من يعترض على خلفائنا خلفاء هذه الأمة الراشدين وعلى الصحابة .
قد يقول قائل : لماذا لم يشرعه الرسول عليه الصلاة والسلام والجمعة موجودة في عهده ؟ والجواب : أن السبب هو أن الناس في عهد عثمان كثروا واتسعت المدينة ، واحتاجوا إلى أذان ينبههم يكون قبل الأذان الأخير الذي عند مجيء الإمام ، فكان من الحكمة أن يؤذن .
وعثمان رضي الله عنه بنى على أساسه ، فها هو النبي عليه الصلاة والسلام يأمر بلالا أن يؤذن في آخر الليل لا لأن الصلاة حلَّت ، صلاة الفجر ، ولكن ليوقظ النائم ويرجع القائم فهو مقصد شرعي ، ولا إشكال في شرعية الأذان الأول ليوم الجمعة .
إذًا فالأذان الأول ليوم الجمعة مشروع بسنة الخلفاء الراشدين ، وإيماء سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم ، وإجماع الصحابة الذين أدركوا هذا ، أما الأذان في آخر الليل فإنه مشروع بسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في رمضان لإيقاظ القائم ، لإيقاظ النائم وإرجاع القائم ، لكن هل يشرع في غير رمضان ؟
نقول : لعله قياساً على فعل عثمان رضي الله عنه أن يوقظ الناس نرى أنه لا بأس به ، وها هنا مسألة ثانية : الصلاة خير من النوم ، زعم بعض المتأخرين أنها تقال في الأذان الأول الذي قبل الفجر ، وأخطئوا خطأ عظيماً ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يقول الصلاة خير من النوم في أذان الفجر قال : ( إذا أذنت الأول لصلاة الصبح فقل : الصلاة خير من النوم ) ، ومعلوم أن الأذان للصلاة لا يكون إلا بعد دخول وقتها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ) .
وسُمي أذانًا أول باعتبار الإقامة إذ أن الإقامة أذان ثاني ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( بين كل أذانين صلاة ) ، وجاء في * صحيح مسلم * رحمه الله من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( فإذا أذَّن للأذان الأول للفجر ) يعني : قام يعني النبي صلى الله عليه وسلم ، ( حتى يأتيه المؤذن فيؤذنه لصلاة الفجر ) : وهذا صريح في أن أذان الفجر الأول هو ما يكون بعد دخول الوقت ، وأما الأذان آخر الليل فليس أذانا للفجر ، بل هو أذان للنائمين ليقوموا وللقائمين ليرجعوا ويتسحروا إذا كان ذلك في وقت الصوم ، والأذان من أفضل الأعمال ، وهو أفضل من الإمامة ، يعني أن مرتبة المؤذن في الأجر أفضل من مرتبة الإمام ، لأن المؤذن يُعلم بتعظيم الله وتوحيد الله والشهادة للرسول بالرسالة ، وكذلك أيضًا يدعو الناس إلى الصلاة وإلى الفلاح في اليوم والليلة خمس مرات أو أكثر ، والإمام لا يحصل منه ذلك .
( والمؤذن لا يسمع صوته شجر ولا حجر ولا مدر إلا شهد له يوم القيامة ) ، ولهذا كانت الأذان مرتبته في الشرع أعلى من مرتبة الإمامة ، فإن قال قائل : إذا كان كذلك لماذا لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يؤذن ولا الخلفاء الراشدون ؟ أجاب العلماء عن هذا : " بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والخلفاء الراشدين كانوا مشغولين بمصالح العباد " ، لأنهم خلفاء أئمة يدبرون الأمة ، والأذان في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ليس كالأذان في وقتنا ، الآن إذا أراد الإنسان أن يؤذن ليس عليه إلا أن ينظر إلى الساعة ويعرف أن الوقت حل أو لم يحل ، لكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يراقبون : يراقبون الشمس ويتابعون الظل حتى يعرفوا أن الشمس قد زالت ، ثم كذلك أيضا يراقبونها حتى يعرفوا أنها غربت ، ثم يراقبون الشفق ثم يراقبون الفجر ففيه صعوبة ، صعوبة عظيمة ، لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون لا يتولون الأذان، لا لأن فضله أقل من الإمامة ولكن لأنهم مشغولون بما هم فيه عن الأذان ، وقد بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فضيلته : ( بأن الناس لو يعلمون ما فيه ، ما في النداء ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ) : سبحان الله !! تعرفون معنى هذا يعني لو يعلم الناس ما في النداء من الفضل والأجر لكانوا يطقون قرعة ، أيهم الذي يؤذن ؟ بينما الناس الآن مع الأسف يتدافعونه أذن يا فلان أذن يا فلان أذن قال : والله صوتي ما هو بجيد يمكن صوتي فيسمع الذي عندهم راح يؤذن ناس بعيدين ، لكن الشيطان يثبطهم عن فعل الخير ، وها هو النبي عليه الصلاة والسلام يقول : ( لو لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه ) : يعني يطقون قرعة أيهم الذي يؤذن ، لاستهموا ، فينبغي إذا كنت في رحلة أن تحرص على أن تكون أنت المؤذن ، لكن معلوم أن الرحلة لها أمير الرحلة سواء سفر أو نزهة لا بد أن يكون هناك أمير ، فإذا رتب الأمير شخصا أنت يا فلان المؤذن فليس لأحد أن يتقدم ويؤذن ، لأنه صار مؤذنا راتبا ، وكذلك إذا قال أنت الإمام لأحدهم صار هو الإمام ، ولا أحد يتقدم عليه ، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه إلا بإذنه ) ، وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح .