باب فضل الصلوات: قال الله تعالى: (( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر )). حفظ
القارئ : قال -رحمه الله تعالى- : " باب فضل الصلوات :
قال الله تعالى : (( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر )) .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرَّات، هل يبقى من درنه شيء ؟ قالوا : لا يبقى مِن درنه . قال : فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهنَّ الخطايا ) متفق عليه.
وعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مثل الصلوات الخمس كمثل نهر غَمر جارٍ على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات ) رواه مسلم "
.
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتابه * رياض الصالحين * : " باب فضل الصلوات " :
الصلوات هي عبادات معلومة ، مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم ، وهي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين ، وأفضل أركان الإسلام بعد الشهادتين ، وأنفع أركان الإسلام بعد الشهادتين ، وهي صلة بين الإنسان وبين ربه ، لأن الإنسان يقوم بين يدي الله عز وجل يُناجيه يقول : ( (( الحمد لله رب العالمين )) فيقول الله : حمدني عبدي ، (( الرحمن الرحيم )) فيقول الله : أثنى علي عبدي (( ملك يوم الدين )) فيقول الله عز وجل : مجدني عبدي ، (( إياك نعبد وإياك نستعين )) فيقول الله : هذا بيني وبين عبدي نصفين ، (( اهدنا الصراط المستقيم )) هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ) : محاورة مناجاة ، ثم هي أيضا أفعال وأقوال كلها تعظيم ، من حين ما يبدأ الإنسان وهو يقول : الله أكبر يعني : أكبر من كل شيء ، أكبر من كل شيء علما وسلطانا وكبرياء وجبروت وكل شيء ، أكبر من كل شيء ، السموات السبع والأرضون السبع في كفه كخردلة في كف أحدنا ، يطوي الله السموات على عظمها يطويها بيمينه عز وجل ، ويقبض الأرض على كبرها كقبضة أحدنا بيده على الشيء ، كل المخلوقات ليست إليه بشيء الله أكبر ، ثم يناجيه بكلامه ، ثم ينحني تعظيما له بفعله ، ويعظمه بلسانه يقول : سبحان ربي العظيم ، ثم يرفع ثم يسجد وهذا الرفع من أجل الفصل بين ركن التعظيم وركن الذل ، ركن التعظيم هو الركوع ، وركن الذل هو السجود ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أما الركوع فعظموا فيه الرب ) .
ثم يسجد ذلا لله وخضوعًا فيضع أشرف ما به على مستوى أقدامه التي هي أسفل ما به ، يضع جبهته على الأرض ذُلًا لله وخضوعا لله عز وجل ، ثم يقول : سبحان ربي الأعلى : تنزيها لربه سبحانه وتعالى عن السفول ، فالإنسان الآن سَفُل وجهه في الأرض ، فيقول : سبحان ربي الأعلى كأنما يقول : سبحان من تنزه عن السفول فكان أعلى فوق كل شيء جل وعلا ، فالصلاة عبادة عظيمة ، نسأل الله أن يفتح علينا وعليكم حتى نعرف قدرها ، ويدلك على فضلها وعظمها ومحبة الله لها : أنه ما من فريضة فرضت على الرسول عليه الصلاة والسلام إلا بواسطة الوحي ، إلا الصلاة فرضها الله على رسوله من الله إلى الرسول كِفاحًا كلمه بها ، وفرضها عليه في أعلى مكان يصل إليه البشر ، وفرضها عليه في أشرف ليلة كانت لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهي ليلة المعراج ، وفرضها عليه عددًا كبيرًا خمسين صلاة في اليوم والليلة ، لأن الله يحبها ، ولأن ثوابها عظيم ، يتجزل الرب عز وجل لعباده به ولكن من لطف الله أن الله خفف حتى صارت خمس صلوات عن خمسين صلاة ، اللهم لك الحمد ، الصلاة لها ثمرات جليلة عظيمة منها :
ما ذكره الله تعالى في الآية التي صدر بها المؤلف هذا الباب : (( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر )) ، الفحشاء : فواحش الذنوب كالزنا واللواط وما أشبهها ، والمنكر : ما دون ذلك ، الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر لكن متى ؟ إذا كانت صلاة مُقامة على الوجه الأكمل ، ولهذا نجدنا كثيرا نصلي ولا نجد القلوب تتغير ، أو تكره الفحشاء أو المنكر بعد الصلاة ، أو يكون الإنسان بعد الصلاة خيراً منه قبلها ، ما نجد هذا ، لماذا ؟ لأن الصلاة التي نصليها ليست الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وإلا فكلام الله حق ووعده صدق ، الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر إذا كنت قد هممت بالسيئة أو كان قلبك يميل إلى المعاصي فإنك إذا صليت انمحى ذلك كله ، لكن بشرط أن تكون الصلاة التي تراد منك والتي تريدها أنت لله عز وجل ، صلاة أكمل ما يكون .
ولهذا يجب علينا -ونسأل الله أن يعيننا- يجب علينا أن نعتني بصلاتنا نكملها بقدر المستطاع بجميع أركانها وشروطها وواجباتها ومكملاتها ، فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ، قال بعض السلف : مَن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بها من الله إلا بُعدا نسأل الله العافية ، لأنها ليست الصلاة المطلوبة منا ، الصلاة المطلوبة منا أن تكون صلاة بمعنى الكلمة ، كان بعض السلف إذا دخل في صلاته لا يحس بشيء يغيب عن كل شيء إلا عن الله عز جل ، حتى إن عروة بن الزبير رحمه الله وهو من فقهاء التابعين : " أصابت أحد أعضائه آكلة ، الآكلة : جروح تتقرح حتى تقضي على الجسم كله ، فقرر الأطباء أن تقطع رجله حتى لا تسري الآكلة إلى بقية البدن ، وكان في ذلك الوقت ما فيه بنج فقال : أمهلوني حتى أدخل في صلاتي ، فلما دخل في صلاته قطعوا رجله فلم يحس بها " ، لأن قلبه منشغل مع الله ، والقلب إذا انشغل لم يحس بما يصيب البدن ، انظر إلى الحمَّالين مثلا يحملون السيارة أو ينزلون السيارة فيصاب أحدهم بجرح في يده أو في رجله مع التحميل ولا يحس به ، لأنه مشغول ، فإذا انتهى العمل أحس ، أحس بالجرح ، فالإنسان في صلاته لابد أن يكون مع الله عز وجل ، لا إذا دخل في الصلاة يذهب قلبه يمينا وشمالا كما هي العادة عند كثير منا ، ولا تتسلط الهواجيس ولا الوساوس التي ما لها أصل ولا فرع إلا إذا دخل الإنسان في الصلاة ، جاء الشيطان يقول له : اذكر كذا اذكر كذا افعل كذا لا تفعل كذا ، وهذا يخل بالصلاة ، ربما ينصرف الإنسان ما له من صلاته شيء وإن كانت تبرأ الذمة ، لكن ما أدرك شيئا منها ، " وكان عمر رضي الله عنه يجهز جيشه في الصلاة " ، فأخذ البطالون من هذا أنه لا بأس أن الإنسان يهوجس في صلاته ويوسوس ويفعل ويترك ، لأن عمر يجهز الجيش ، لكن تجهيز الجيش جهاد في سبيل الله ، والجهاد في سبيل الله يجوز أن يدخل على الصلاة ولهذا نجد أن الله شرع للمسلمين صلاة الخوف ، صلاة الخوف فيها أفعال ما تفعل في غير الخوف كما هو معروف لطلاب العلم .
فعمر رضي الله عنه يجهز جيشه في صلاته وهو حاضر القلب ، لم يذهب قلبه يمينا ولا شمالاً ، لأنه يعبد الله عز وجل ، وإن كان يجهز الجيش وهو يصلي ، فنسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن تنهاه صلاته على الفحشاء والمنكر ، وأن يتقبل منا ومنكم إنه على كل شيء قدير .