باب فضل المشي إلى المساجد. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من غدا إلى المسجد أو راح، أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح ). متفق عليه. وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من تطهر في بيته ثم مضى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطواته إحداها تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة ). رواه مسلم. وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: كان رجل من الأنصار لا أعلم أحدا أبعد من المسجد منه، وكانت لا تخطئه صلاة ! فقيل له: لو اشتريت حمارا لتركبه في الظلماء وفي الرمضاء قال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قد جمع الله لك ذلك كله ). رواه مسلم. وعن جابر رضي الله عنه قال: خلت البقاع حول المسجد، فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم: ( بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد ؟! ) قالوا. نعم يا رسول الله قد أردنا ذلك، فقال: ( بني سلمة دياركم تكتب آثاركم، دياركم تكتب آثاركم ) فقالوا: ما يسرنا أنا كنا تحولنا. رواه مسلم. حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتابه * رياض الصالحين * : " باب فضل المشي إلى المساجد " :
المشي إلى المساجد يعني للصلاة فيها والمشي إلى المساجد يكون لأسباب متعددة : يكون مثلا لحضور درس أو لأجل أن يقرأ فيها القرآن أو لإصلاح شيء فيها أو لغير ذلك ، لكن من جاء إلى المساجد للصلاة فهذا هو المقصود في هذا الباب : ففي حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( من غدا إلى المسجد أو راح كتب الله له نزلا في الجنة كلما غدا أو راح ) : غدا : يعني ذهب في الصباح ، راح ذهب في العشي بعد الزوال ، فإنه يكتب له نزل في الجنة كلما غدا أو راح .
ونحن ولله الحمد نغدو إلى المساجد ونروح في كل يوم وليلة خمس مرات ، فيكتب للإنسان نزل في الجنة يعني ضيافة في الجنة كلما غدا أو راح ، هذا من فضائل المشي إلى المساجد .
ومن فضائل ذلك أيضا أن الإنسان إذا تطهر في بيته وخرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة ففي الحديث الذي ساقه المؤلف هنا : ( أنه لم يخط خطوة إلا رفعه الله له بها درجة وفي الخطوة الثانية يحط بها عنه خطيئة ) ، لكن في حديث آخر : ( أنه لا يخطو خطوة إلا رفع الله له بها درجة وحط عنه بها خطيئة ) : فيكتسب في الخطوة الواحدة رفع الدرجة وحط الخطيئة ، بشرط أن يتوضأ في بيته ويسبغ الوضوء ثم يخرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة فهذا له بكل خطوة يخطوها أن يرفع الله له بها درجة ويحط عنه بها خطيئة ، وهذه نعمة عظيمة من الله عز جل .
ومن فوائد ذلك أنه ينبغي للإنسان أن يأتي إلى المسجد ماشيا ويرجع ماشيا ، هذا هو الأفضل ، ودليل ذلك قصة الأنصاري الذي كان بعيد الدار فقيل له : لو اشتريت حمارا تركبه في الظلماء والرمضاء ، فقال : لا ، لا أشتري ، أنا أحتسب على الله خطاي ذاهبا وراجعا ، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( قد كتب الله لك ذلك كله ) : فدل ذلك على أن المجيء إلى المسجد على قدميه أفضل من المجيء على مركوبه ، لأنه يحسب لك أجر الخطا ، ولكن إذا كان الإنسان معذورا فلا بأس أن يأتي بالسيارة ، وخطوة السيارة دور الكفر : إذا دار مرة واحدة هذه تعتبر خطوة ، لأنه عند دورانه يرتفع الذي باشر الأرض ثم يدور حتى يرجع ثانية إلى الأرض فهو كرفع القدم من الأرض ثم وضعه مرة ثانية ، فإذا كان الإنسان معذورا فلا بأس أن يأتي بالسيارة وتكون كل دورة للكفر بمنزلة الخطوة للقدم هذا أيضا من فضائل المشي إلى المساجد ، أن الله تعالى يكتب للإنسان الخطوات كلما ذهب وكلما رجع .
نعم ، ومما يدل على ذلك أيضا على فضل المشي إلى المساجد ولو بعدت حديث جابر في بني سلِمة يقول : ( خلا ما حول المساجد ) يعني من المنازل ( فأرد بنو سلمة أن يأتوا إلى المسجد ويقربوا منه ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسألهم عن ذلك فقالوا : نعم أردنا أن نتحول لنقرب من المسجد ، فقال : يا بني سلِمة دياركم تكتب آثاركم ، دياركم تكتب آثاركم ) : يعني الزموا دياركم ولا تقربوا تكتب آثاركم ، فدل هذا على أنه كلما كان منزل الإنسان أبعد من المسجد فإنه أكثر أجرًا ، لأنه قال : ( تكتب آثاركم ) ولكن لا يعني هذا أن الإنسان يتقصد أن ينزل بعيد عن المسجد ، لكن إذا قدر أنه لم يتيسر له إلا في المكان البعيد أو كانت ديار قومه أو ما أشبه ذلك فإنه يكتب له أثره .
فدل هذا على فضيلة المشي إلى المساجد ، وفضل الله تعالى واسع وخيره كثير ولله الحمد يثيب على العمل القليل الثواب الكثير ، نسأل الله لنا ولكم من فضله العظيم .