شرح حديث عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان . فعليكم بالجماعة؛ فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ). رواه أبو داود بإسناد حسن. حفظ
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب فضل صلاة الجماعة : " عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما مِن ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ) رواه أبو داود بإسناد حسن " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله- في كتابه *رياض الصالحين* في باب فضل الجماعة فيما نقله عن أبي الدرداء رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من ثلاثة في قرية ولا بدو ) : يعني ولا بادية ، ( لا تقام فيهم الجماعة إلا استحوذ عليهم الشيطان ) : يعني معنى ذلك أنه إذا كان ثلاثة في قرية أو في بادية لا تقام فيهم الجماعة يعني ولا الجمعة ، ( إلا استحوذ عليهم الشيطان ) : فدل ذلك على أنه لا يجوز ترك الجماعة ، ولكن هذا الحديث يفيد أنه لا يجوز إذا كانوا ثلاثة فأكثر ، لكن فيه أحاديث أخرى تدل على أن الجماعة تجب إذا كانا اثنان فأكثر ، وأما الجمعة فلا تجب إلا إذا كانوا ثلاثة فأكثر في غير البرية ، أما البادية والمسافرون في البر فليس عليهم جمعة ، لكن القرى والأمصار فيها الجمعة ، وأدنى ما يكون ثلاثة .
فإن قلت : كيف يمكن أن يكون قرية أو مدينة ليس فيها إلا ثلاثة ؟
فالجواب : يمكن هذا ، بأن يكون هذه المدينة أكثر أهلها آفاقيون جاؤوا للدراسة مثلا ، كما يوجد الآن في المجتمعات في بعض البلاد الخارجية ، يكون ليس فيها من المواطنين إلا ثلاثة والباقون كلهم مسافرون جاؤوا للدراسة ، فهؤلاء تلزمهم الجمعة لأن فيه ثلاثة مواطنين .
وأما البادية فلا تجب عليهم الجمعة ، لأن الجمعة لا تكون إلا في القرى والأمصار ، ولهذا لم تكن البادية في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وهم حول المدينة ، لم يكونوا يقيمون الجمعة ، وفي قوله : ( فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئبُ القاصية من الغنم ) : دليل على أنه لا ينبغي للمسلمين الاختلاف ، وأن الواجب عليهم الاجتماع ، وأن الشذوذ عن الجماعة سبب للهلاك ، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شبه ذلك بالقاصية من الغنم : البعيدة ، يأكلها الذئب فتهلك ، فهكذا الذي يشذ عن الجماعة حتى برأي ينفرد به ويظن أن النصوص تدل عليه ، فإن الواجب إذا رأى الإنسان في رأيه أن النصوص تدل على خلاف ما يراه الجمهور ، فالواجب عليه أن يعيد النظر مرة بعد أخرى ، إذ لا يمكن أن يكون الجمهور هم الذين توهموا وأنت الذي أصبت ، ولهذا لما قال حذيفةُ لابن مسعود رضي الله عنه : ( إن قوماً يعتكفون في البصرة والرسول عليه الصلاة والسلام يقول : لا اعتكاف إلا في ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى قال : لعلهم ذكروا فنسيت ، وحفظوا ) : وكلمة أخرى تقابلها نسيتها ، فوهم ابن مسعود حذيفة ، وذلك لأن المسلمين يكادون كالمجمعين على أن الاعتكاف يصح في كل مسجد ، وأنه لو فرض صحة حديث حذيفة لكان معناه : لا اعتكاف تام إلا في هذه المساجد الثلاثة ، وإلا فلا يمكن أن يخاطب الله بالقرآن الكريم الأمة الإسلامية يقول : (( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد )) : ثم نقول : ( لا اعتكاف إلا في ثلاثة مساجد ) ، لا يحضرها ولا واحد بالمائة من المسلمين ، هذا خلاف البلاغة وخلاف الفصاحة ، لكن بعض الناس يحب الإغراب في الشيء ، يُحب أن يذكر ، ومن أمثال العامة : " خالف تُذكر " ، علشان إذا شذ وأتى بما لم يكن عليه الجماعة اشتهر وقال ويش هذا ؟
ولهذا تجد بعض الناس يفتي بأقوال شاذة ما لها دليل مخالفة للدليل ولرأي الجمهور ثم يشتهر بهذا ، وقد شبه النبي عليه الصلاة والسلام الشاذ عن الجماعة بالقاصية من الغنم يأكلها الذئب ، والله الموفق .