تتمة تفسير قوله تعالى: (( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون )). عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال: ( أفلا أكون عبدا شكورا ). متفق عليه. حفظ
القارئ : قال -رحمه الله تعالى- : " باب فضل قيام الليل :
قال الله تعالى : (( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون )) .
عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه ، فقلت له : لم تصنع هذا يا رسول الله ، وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : أفلا أكون عبدا شكورا ) متفق عليه "
.
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف في كتابه * رياض الصالحين * : " باب فضل قيام الليل " : وذكر آياتٍ ثلاثا تكلمنا على اثنتين منها وهذه هي الثالثة ، وهي قوله تعالى : (( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون )) : هذه من أوصاف المتقين الذين أعد الله لهم الجنات والعيون ، من أوصافهم : أنهم كانوا لا يهجعون من الليل إلا قليلا ، وذلك أنهم يشتغلون بالقيام والتهجد وقراءة القرآن وغير ذلك ، قال الله تعالى : (( إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك )) ، فكانوا يقومون في الليل ، ثم إذا فرغوا من القيام رأوا أنهم مقصرون ، فجعلوا يستغفرون الله عز وجل : (( وبالأسحار هم يستغفرون )) ، وقال تعالى في سورة آل عمران : (( والمستغفرين بالأسحار )) أي : في آخر الليل .
ثم ذكر الأحاديث في ذلك ومنها : حديث عائشة رضي الله عنها : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل ويطيل القيام حتى تتفطر قدماه ) :لأن الدم ينزل فيها فتتفطر فقيل له في ذلك : ( كيف تفعل هذا ، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا ؟ ) : فجعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذه الأعمال من شكر نعمة الله سبحانه وتعالى ، فدل ذلك على أن الشكر هو القيام بطاعة المنعم ، وليس الإنسان إذا قال : أشكر الله ، هذا شكر باللسان لكن لا يكفي ، لابد من الشكر بالجوارح بالقيام بطاعة الله عز وجل .
وفي هذا دليل على تحمل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للعبادة ، ومحبته لها ، لأنه لا يمكن لأحد أن يفعل ذلك إلا لمحبة شديدة ، ولهذا قال : ( جعلت قرة عيني في الصلاة ) : فالصلاة أحب الأعمال إلى الرسول عليه الصلاة والسلام .
وقد قام معه من الليل مِن أصحابه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قام معه ذات ليلة ، فأطال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم القيام ، قال عبد الله : ( حتى هممت بأمر سوء ، قالوا : بم هممت يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : هممت أن أجلس وأدعه ) : وهو شاب ، أقل سنا من الرسول عليه الصلاة والسلام ، ومع ذلك عجز أن يكون كالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ولكن لو قال قائل : هل الأفضل في صلاة الليل أن أطيل القيام أو أن أطيل السجود والركوع ؟ قلنا : انظر ما هو أصلح لقلبك ، قد يكون الإنسان في حال السجود أخشع وأحضر قلب ، وقد يكون في حال القيام يقرأ القرآن ويتدبر القرآن ، ويحصل له من لطائف كتاب الله عز جل ما لا يحصل له في حال السجود ، ولكن الأفضل أن يجعل صلاته متناسبة ، إذا أطال القيام أطال الركوع والسجود ، وإذا قصر القيام قصر الركوع والسجود ، حتى تكون متناسبة كصلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، والله أعلم .