تتمة شرح حديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( عشر من الفطرة قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء ) قال الراوي: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة؛ قال وكيع - وهو أحد رواته - : انتقاص الماء؛ يعني: الاستنجاء. رواه مسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى ). متفق عليه. حفظ
القارئ : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين :
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب فضل السواك وخصال الفطرة :
" عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عشرٌ من الفطرة : قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء ) . قال الراوي : ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة .
قال وكيع -وهو أحد رواته- : انتقاص الماء يعني : الاستنجاء ، رواه مسلم . وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى ) متفق عليه "
.
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذه بقية خصال الفطرة ، وقد سبق حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( الفطرة خمس : الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الآباط ) ، وذكرنا أن الأربعة التي سوى الختان لا تترك فوق أربعين يوماً ، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقت ذلك .
أما حديث عائشة ففيه أن الفطرة عشر خصال منها : ما سبق في حديث أبي هريرة ، ومنها ما ذُكر في حديث عائشة دون حديث أبي هريرة ، فمن ذلك : إعفاء اللحية : فإنه من الفطرة ، وفي حديث ابن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بإعفاء اللحى ) : واللحية قال أهل اللغة : " إنها شعر الوجه واللحيين " ، يعني : العوارض وشعر الخدين هذه كلها من اللحية ، وأما الشارب فسبق الكلام عليه ، فإعفاء اللحية يعني : إرخاءها وإطلاقها وتركها على ما هي عليه ، هذا من الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، وعلى استحسانها ، وعلى أنها من علامة الرجولة ، بل ومن جمال الرجولة ، وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يحلق لحيته ، فإن فعل فقد خالف طريق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وعصى أمره ، ووقع في مشابهة المشركين والمجوس ، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( خالفوا المجوس أو المشركين وفِّروا اللحى وحفوا الشوارب ) ، ولم يكن الناس يعرفون هذا : أي لم يكن الناس يعرفون حلق اللحية ، بل كان بعض الولاة الظلمة إذا أرادوا أن يعزروا شخصا حلقوا لحيته ، وهذا حرام عليهم ، لأنه لا يجوز التعزير بالمحرم ، لكن قصدي أنهم كانوا يعدون حلق اللحية مثلة وتعزيرا وعذابا .
أما بعد أن استعمر الكفار ديار المسلمين في مصر والشام والعراق وغيرها ، وأدخلوا على المسلمين هذه العادة السيئة وهي حلق اللحية ، صار الناس لا يبالون بحلقها ، بل كان الذي يعفي لحيته مستنكَرا في بعض البلاد الإسلامية وهذه لا شك أنها معصية للرسول عليه الصلاة والسلام ، ومن يعص الرسول فقد عصى الله ، ومن يطع الرسول فقد أطاع الله .
وإذا ابتلي الإنسان بأحد مِن أقاربه يحلق لحيته فالواجب عليه أن ينصحه ، ويبين له الحق ، أما هجره فهذا حسب المصلحة ، إذا كان هجره يفيد لترك المعصية فليهجره ، وإن كان لا يفيد أو لا يزيد الأمر إلا شدة فلا يهجره ، لأن الهجر دواء يستعمل حيث ينفع ، وإذا لم ينفع فإن الأصل تحريم هجر المؤمن ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل للمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) ، ومما زيد في هذا الحديث الاستنشاق : الاستنشاق من الفطرة ، لأنه تنظيف وإزالة أذى لما في الأنف فهو طهارة ، والاستنشاق يكون في الوضوء ويكون في غير الوضوء ، كلما احتجت إلى تنظيف الأنف فاستنشق الماء ونظف أنفك .
وهذا يختلف باختلاف الناس : من الناس من لا يحتاج إلى هذا إلا في الوضوء ومن الناس من يحتاج إليه كثيرا .
ومن ذلك أيضا المضمضة فإنها من الفطرة ، لأن فيها تنظيف الفم ، والفم يحتاج إلى تنظيف ، لأنه يمر به الأكل والدهن وما أشبه ذلك فيحتاج إلى تنظيف ، فكانت المضمضة من خصال الفطرة .
ومن ذلك أيضا الاستنجاء ، كما فسره وكيع ، فسر وكيع انتقاص الماء بأنه الاستنجاء ، لأن الاستنجاء تنظيف وتطهير وإزالة أذى .
ومن ذلك أيضا : غسل البراجم ، والبراجم قال العلماء : إنها مسبط الأصابع فإن مسبط الأصابع من الباطن يحتاج إلى تنظيف أكثر من ظاهرا ، لأن ظاهرا ممسوح ما فيه شيء يحتاج إلى تنظيف أكثر .
وفي هذا الحديث دليل على أن إعفاء اللحية مع كونه مخالفة للمشركين من خصال الفطرة ، فيندفع بذلك شبهة من شبه وقال : إن من الكفار اليوم من يعفي لحيته ، أفلا يليق بنا أن نخالفهم ونحلق اللحى ؟ شوف والعياذ بالله الشيطان فنقول : إن إعفاءهم اللحية تبع للفطرة ونحن مأمورون بالفطرة ، وإذا شابهونا هم بالفطرة فإننا لا نمنعهم ولا يقتضي أن نعدل عن الفطرة من أجل أنهم وافقونا فيها ، كما أنهم لو وافقونا في تقليم الأظفار فإننا لا نقول : نترك تقليم الأظفار ، بل نقلمها ، وهكذا بقية الفطرة إذا وافقنا فيها الكفار فإننا لا نعدل عنها ، والله الموفق .