باب في مسائل من الصوم. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا نسي أحدكم فأكل أو شرب فليتم صومه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه ). متفق عليه. وعن لقيط بن صبرة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أخبرني عن الوضوء ؟ قال: ( أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما ). رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدركه الفجر وهو جنب من أهله، ثم يغتسل ويصوم. متفق عليه. وعن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما قالتا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا من غير حلم، ثم يصوم. متفق عليه. حفظ
القارئ : " وعن لقيط بن صَبُرة رضي الله عنه قال : ( قلت : يا رسول الله أخبرني عن الوضوء ؟ قال : أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً ) رواه أبو داود، والترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدركه الفجر وهو جنب مِن أهله، ثم يغتسل ويصوم ) متفق عليه .
وعن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما قالتا : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبًا مِن غير حلم، ثم يصوم ) متفق عليه "
.
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله- في كتابه * رياض الصالحين * : " باب في مسائل في الصوم " : يعني مسائل متنوعة متفرقة ، فمنها :
إذا أكل الإنسان أو شرب وهو صائم ناسيًا فهل يفسد صومه ؟ ! استمع للجواب في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه قال : ( مَن نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه ) : فإذا أكلت أو شربت ولو شبعت ولو رويت وأنت ناسي في الصيام ، فإن صومك تام ليس فيه نقص ، ولهذا قال : ( فليتم صومه ) وفي قوله : ( فإنما أطعمه الله وسقاه ) : دليل على أن فعل الناسي لا يُنسب إليه ، وإنما يُنسب إلى الله ، وكذلك النائم لا ينسب فعله إلى نفسه وإنما ينسب إلى الله كما قال الله تعالى في أصحاب الكهف : (( ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال )) ، والذي يتقلب هو النائم ، لكن لما لم يكن له قصد نسب الله الفعل إليه ، كذلك الناسي لم يتعمد فساد الصوم ، نسي وأكل وشرب على العادة ، نقول : صومك صحيح ، وكذلك لو كان جاهلا مثل أن يحتجم وهو لا يدري أن الحجامة تفطر ، فصومه صحيح .
ومثل أن يأكل يظن أن الفجر لم يطلع ، ثم تبين أنه طالع ، فصومه صحيح ، ومثل أن يأكل يظن أن الشمس قد غربت لأنها غيم مثلا ، فظن أن الشمس غابت فأكل ، ثم تبين أن الشمس لم تغرب فصيامه صحيح ، وقد وقعت هذه المسألة في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، حينما كان الناس صائمين في يوم غيم ، فأفطروا ظنًا منهم أن الشمس قد غابت ثم طلعت الشمس ، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقضاء الصوم ، لأنهم لا يدرون ، لم يتعمدوا ، ولكن متى ذكر الإنسان وجب عليه الكف والإمساك حتى لو كانت اللقمة في فمه وجب عليها لفظها ، وكذلك لو كان الماء في فمه وجب عليه أن يريقه .
وكذلك لو كان جاهلا ثم أُخبر فإنه يجب عليه أن يمسك ، لو مثلا رآه إنسان يأكل ويشرب قال : ليش يا ولد وأنت صائم ؟ قال : غابت الشمس ، قال : الشمس لم تغب ، يجب عليه أن يتوقف لأنه زال عنه العذر .
فإذا قال قائل : لو رأيت صائمًا يأكل وأعرف أنه ناسيا ، فهل علي أن أذكره ؟ ، قلنا : نعم يجب أن تذكره ، لأن أخاك إذا عذر بالنسيان وأنت علمت به وجب عليك أن تذكره ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الصلاة : ( إذا نسيت فذكروني ) ، فأمر أن يذكر إذا نسي ، كذلك أيضا إذا رأيت صائما يأكل ويشرب ناسيا فذكره ، وكما لو رأيت إنسانا يصلي منحرفا عن القبلة وجب عليك أن تخبره .
فالمهم أنه إذا وقع أخوك في شيء لا يحل له فعليك أن تذكره ، لأن النسيان كثير والخطأ كثير .
ثم ذكر حديث لَقيط بن صَبِرة رضي الله عنه حيث قال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( أسبغ الوضوء ) ، ( أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع ، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً ) : أسبغ الوضوء : يعني توضأ وضوءا سابغا كاملا ، والإسباغ بمعنى الإكمال ، قال تعالى : (( وأسبغ عليكم نعمه )) أي : أكملها .
والثاني : ( خلل بين الأصابع ) : ولاسيما أصابع الرجلين ، خلل بينها بالماء لأن أصابع الرجلين متلاصقة وربما لا يدخل الماء من بينها .
( وبالغ في الاستنشاق ) : يعني استنشاق الماء عند الوضوء .
( إلا أن تكون صائما ) : فلا تبالغ في الاستنشاق ، لأنك إذا بلغت في الاستنشاق دخل الماء إلى جوفك من طريق الأنف ، فدل ذلك على أن وصول الأكل أو الشرب عن طريق الأنف كوصوله عن طريق الفم ، يفطر الصائم .
وأما الإبر فإنها لا تفطر الصائم ، الإبر التي تكون في الوريد أو تكون في اليد أو تكون في الظهر أو في أي مكان لا تفطر الصائم ، إلا الإبر المغذية التي يُستغنى بها عن الأكل والشرب فهذه تفطر الصائم ، ولا يحل له إذا كان صومه فرضًا أن يستعملها إلا عند الحاجة ، عند الضرورة ، فإذا اضطر إلى ذلك أفطر واستعمل الإبر وقضى يوماً مكانه .
ثم ذكر حديث عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما : ( أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصبح جنباً فيصوم ثم يغتسل ) : وهذا أيضًا جائز ، يعني يجوز للجنب أن ينوي الصوم وإن لم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر كما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفعل ذلك .
وفي حديثي عائشة وأم سلمة دليل على أن أفعال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حُجة يحتج بها ، ولا يقال : هذا من خصائصه ، لأن الأصل عدم الخصوصية ، فإذا فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعلا فهو حق ، إن كان عبادة فهو عبادة ، وإن كان عادة فهو عادة وليس بمحرم ، والله الموفق .