كتاب الجهاد : قال الله تعالى: (( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين )) وقال تعالى: (( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون )) وقال تعالى: (( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله )) وقال تعالى: (( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسه وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم )). حفظ
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
قال رحمه الله تعالى: " كتاب الجهاد، قال الله تعالى: (( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين )) وقال تعالى: (( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون )) وقال تعالى: (( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله )) وقال تعالى: (( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدًا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم )) ".
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
قال المؤلف النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين: " كتاب الجهاد " الجهاد مصدر جاهد يجاهد، ومعناه بذل الجهد في مكافحة العدو، وينقسم إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول: جهاد النفس، والثاني: جهاد المنافقين، والثالث: جهاد الكفار المحاربين، فأما الأول فعليه ينبني الجهاد الثاني والجهاد الثالث، ومعناه أي معنى جهاد النفس حمل النفس على القيام بالواجبات وترك المحرمات، لأن النفس تحتاج إلى معاناة وإلى مجاهدة إذ أن لكل إنسان نفسين، نفسًا أمارة بالسوء ونفسًا مطمئنة تأمر بالخير، فهاتان النفسان دائمًا في صراع دائمًا في صراع النفس الأمارة بالسوء تريد منه أن يفعل السوء فهي أمّارة، أمّارة صيغة مبالغة أو صيغة بمعنى الكثرة أو أن من شأنها وطبيعتها الأمر بالسوء يعني نسبة كما تقول نجار وصنّاع وما أشبه ذلك، فالنفسان دائمًا في صراع فيجاهد الإنسان بنفس مطمئنة نفسه الأمارة بالسوء، وجرب نفسك عندما تهم بفعل الخير تجد هناك جاذبًا آخر يجذبك إلى الشر ويثبطك عن الخير ويقول إن فعلت كذا صار كذا وكذا من الأمور المثبطة عن الخير، فأنت دائمًا في جهاد وأعظم ما يجاهد عليه الإنسان نفسه الإخلاص لله عز وجل بالعبادات من معاملات في طلب العلم في كل الأحوال، قال بعض السلف: " ما جاهدت نفسي على شيء مجاهدتها على الإخلاص " لأن الإنسان قد يميل قلبه إلى مراعاة الناس أو يميل قلبه إلى أن يريد عرضًا من الدنيا بعمل الآخرة أو ما أشبه ذلك، فالإخلاص شديد عظيم يحتاج إلى معاناة عظيمة شديدة، والكلمة الواحدة مع الإخلاص تنجي صاحبها من النار وتدخله الجنة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه ) وقال عليه الصلاة والسلام: ( من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة ) كلمة واحدة من الإخلاص توصل صاحبها إلى هذه الدرجة العظيمة النجاة من النار ودخول الجنة، ولهذا عرف السلف رحمهم الله قدر الإخلاص وجاهدوا أنفسهم عليه وحرصوا على أن تكون أعمالهم كلها خالصة لله عز وجل، وبالإخلاص لله لابد أن يتبع الإنسان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأن المخلص في طلب الوصول إلى الله لابد أن يسلك الطريق الموصل إليه ولا طريق يوصل إلى الله إلا طريق محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهي مستلزمة للمتابعة، ولهذا يقال إخلاص لله تعالى في القصد وإخلاص للرسول صلى الله عليه وسلم في المتابعة، فالمهم أن جهاد النفس ينبني عليه جهاد المنافقين وجهاد الكفار المحاربين، بل كل الأعمال تنبني على جهاد النفس، وهنا نذكركم بحديث يروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال حينما رجع من تبوك: " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر " يعني: جهاد النفس، وهذا الحديث لا أصل له ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولكنه متداول بين الناس إلا أنه من الأحاديث التي لا أصل لها، لأنه أحيانًا يشتهر على ألسن الناس أحاديث ليس لها زمام وليس لها صحة كقول بعضهم: " حب الوطن من الإيمان " هذا غير صحيح بل حب الديار الإسلامية من الإيمان، أما الوطن فقد يرتحل الإنسان من ويهاجر من بلد الكفر إلى بلد الإسلام ولا يكون حبها من الإيمان، بل دار الكفر مبغوضة هي وأهلها، أما الديار الإسلامية فحبها من الإيمان سواء كانت وطنك أم لا، هذا النوع الأول من الجهاد وهو جهاد النفس الذي ينبني عليه جهاد المنافقين وجهاد المحاربين، الثاني: جهاد المنافقين وجهاد المنافقين من أصعب ما يكون أيضًا لأن المنافق عدو خفي بل هو العدو حقيقة، وانظر إلى قول الله تبارك وتعالى: (( هم العدو فاحذرهم )) وكلمة هم العدو هذه جملة خبرية طرفا إسنادها معرفة فتفيد الحصر ،كأنه قال لا عدو لك إلا المنافق، المنافق والعياذ بالله هو بيننا يصلي ويتصدق ويصوم ويدعي أنه منا لكنه جاسوس علينا ضدنا (( إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون )) ربما يأتي إلى أحد طلبة العلم ويلصق به ويصاحبه ويظهر له المحبة والمودة، فإذا قال له أصحابه إذا ذهب إليهم وش تبي بهذا المطوع ليش أنت ملازمه قال أخذ اللي عنده ... وأسخر به، وهذا كما أنه موجود في عهد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم موجود في عهدنا الآن، فهذا جهاد المنافق بماذا يكون المنافق لا يمكن أن تسل عليه السيف لماذا لأنه يظهر أنه منك وأنه مؤمن، ولهذا لما استؤذن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قتل المنافقين أبى أن يقتلهم وقال: ( لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه ) فهم أصحابه في الظاهر مسلمون فلا يمكن أن نسل عليه السيف، لكن بماذا جهاده بالعلم والمناظرة وتحريره من أن يبقى على النفاق ولا تيأس لا تقل هذا منافق متى يتوب فقد تاب أناس من المنافقين في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كما قال الله تعالى: (( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب )) من هم المنافقون؟ (( قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة )) ومتى يكون العفو بالإيمان بالتوبة من النفاق فالله سبحانه وتعالى قد يمنّ على المنافق ويتوب فلا تيأس جاهده بالعلم والبيان والنصح والإرشاد وحذره من العقوبة هذا جهاد المنافق، أما جهاد الكافر المحارب فهو الذي أراده المؤلف في هذا الباب وساق فيه الآيات المتعددة والأحاديث الكثيرة ويأتي إن شاء الله تعالى بيانه، والله أعلم.