تتمة تفسير قول الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين )). حفظ
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
قال رحمه الله تعالى: " كتاب الجهاد، قال الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون * يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم * وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين )) ".
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
ذكر النووي رحمه الله تعالى في كتابه رياض الصالحين في كتاب الجهاد عدة آيات في ذلك ومنها قول الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم )) صدّر الله هذه الآيات بهذا النداء الشريف الموجه للمؤمنين من أجل إثارة هممهم وتنشيطهم على قبول ما يسمعون من كلام الله عز وجل (( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم )) القائل هل أدلكم هو ربنا جل وعلا، وهذا الاستفهام للتشويق يشوقنا جل وعلا بهذه التجارة التي يدلنا عليها، ويستفاد من قوله: (( هل أدلكم )) أنه ليس لنا طريق إلى هذه التجارة إلا الطريق الذي شرعه الله عز وجل هو الدال على ذلك (( هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم )) وهذه التجارة ليست تجارة الدنيا لأن تجارة الدنيا قد تنجي من العذاب الأليم وقد تكون سببًا للعذاب الأليم، فالرجل الذي عنده مال لا يزكيه يكون ماله عذابًا عليه والعياذ بالله (( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم * يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون )) (( ولا يحسبن الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله هو خيرًا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير )) تجارة الدنيا قد تنجي من العذاب وقد توقع في العذاب، لكن هذه التجارة التي عرضها الله علينا عز وجل ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يقبلونها، يقول: (( تنجيكم من عذاب أليم )) أي عذاب مؤلم لأنه لا عذاب أشد ألمًا من عذاب النار أعاذني الله وإياكم منها، ما هذه التجارة؟ قال: (( تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون )) هذه التجارة الإيمان بالله ورسوله وهذا يتضمن جميع شرائع الإسلام كلها، لكن نص على الجهاد لأن هذه السورة سورة الجهاد من أولها إلى آخرها كلها جهاد (( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيل صفًّا كأنهم بنيان مرصوص )) ثم ذكر ما يتعلق بذلك فهنا يقول: (( تجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم )) أي: تبذلون جهدكم في سبيل الله ببذل المال وبذل النفس (( ذلكم خير لكم )) خير لكم من كل شيء (( إن كنتم تعلمون )) يعني: إن كنتم من ذوي العلم، وفي هذه الآية وأمثالها يحسن الوقوف على قوله: (( ذلكم خير لكم )) ولا تصل، لا تقل: (( ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون )) لأنك لو وصلت لأفهمت معنى باطلًا في الآية، لكان المعنى ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون وإن كنتم لا تعلمون فليس خيرًا لكم، هذا ليس مراد الله عز وجل، بل المعنى ذلكم خير لكم ثم قال إن كنتم من ذوي العلم كأنه يقول فاعلموا ذلك إن كنتم أهلًا للعلم، هذا العمل فما هو الثواب (( يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار )) جنات هي ما أعدها الله عز وجل لعباده الصالحين وبالأخص المجاهدين في سبيل الله، ( إن في الجنة مئة درجة أعدها الله عز وجل للمجاهدين في سبيله ) ولهذا جمع (( جنات تجري من تحتها الأنهار )) أي: أنهار تجري من تحتها من تحت قصورها وأشجارها وهي أنهار ليست كأنهار الدنيا، أربعة أسماء (( أنهار من ماء غير آسن )) يعني: لا يمكن أن يتغير بخلاف ماء الدنيا فإنه إذا بقي حائرًا يتغير (( وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى )) أنهار تجري أنهار العسل لم يخرج من النحل، واللبن لم يخرج من ضرع بهيمة، والماء لم يخرج من نبع أرض، وكذلك الخمر لم يكن زبيب أو تمر أو شعير أو غير ذلك، أنهار خلقها الله عز وجل في الجنة تجري كما يجري النهر، وهذه الأنهار ورد في الحديث أنها لا تحتاج إلى شق ولا إلى سد يعني ما يحتاج إنك تحفر للنهر حتى يجري ولا أن تضع له أخدودًا تمنعه من التسرب يمينًا وشمالًا قال ابن القيم في النونية:
" أنهار في غير أخدود جرت *** سبحان ممسكها عن الفيضان "
ثم هذا النهر يأتي طوع اختيارك أنت، تطلب أن يذهب يمينا يذهب يسارا يذهب أماما يذهب يتوقف يتوقف كما تشاء، وقوله: (( ذلك الفوز العظيم )) نعم (( ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم )) مساكن طيبة، طيبة في بنائها طيبة في غرفها طيبة في منظرها طيبة في مسكنها من كل ناحية وفيها الساكن فيها حور مقصورات في الخيام، خيام من لؤلؤ مرتفعة من أحسن ما تراه بصرًا، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتها وما فيهما ) اللبنة لبِن البناء ليس من الطوب والتراب بل هو من الذهب أو من الفضة ولهذا وصفها الله بالطيب، ثم إنه من طيبها أن ساكنها لا يبغي عنها حولًا، مساكن الدنيا مهما حسنت سترى ماهو أحسن من بيتك تقول ليت هذا لي، لكن في الجنة لا تبغي حولًا عن مسكنها ولن تقارن كل إنسان يرى أنه هو أنعم أهل الجنة، يالله من فضلك لئلا ينكسر قلبه لو رأى من هو أفضل منه لكن هو يرى أنه أنعم أهل الجنة، عكس ذلك أهل النار، أهل النار والعياذ بالله يرى أنه أشد أهل النار عذابًا وإن كان هو أهونهم، فهذه المساكن طيبة في جنات عدن، قال العلماء: العدن بمعنى الإقامة ومنه المعدن في الأرض لطول إقامته في معدنه ومكانه، أي: في جنات إقامة لا يمكن أن تزول أبد الآبدين، نسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهلها (( ذلك الفوز العظيم )) نعم الفوز هو أن ينال الإنسان ما يريد وينأى مما يخاف العظيم الذي لا أعظم منه ربح ليس فوقه ربح عوض ليس فوقه عوض لهؤلاء الذين آمنوا بالله ورسوله وجاهدوا في سبيل الله، أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم منهم وألا يحرمنا هذا الفضل بسوء أعمالنا وأن يعاملنا بعفوه إنه على كل شيء قدير.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
قال رحمه الله تعالى: " كتاب الجهاد، قال الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون * يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم * وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين )) ".
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
ذكر النووي رحمه الله تعالى في كتابه رياض الصالحين في كتاب الجهاد عدة آيات في ذلك ومنها قول الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم )) صدّر الله هذه الآيات بهذا النداء الشريف الموجه للمؤمنين من أجل إثارة هممهم وتنشيطهم على قبول ما يسمعون من كلام الله عز وجل (( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم )) القائل هل أدلكم هو ربنا جل وعلا، وهذا الاستفهام للتشويق يشوقنا جل وعلا بهذه التجارة التي يدلنا عليها، ويستفاد من قوله: (( هل أدلكم )) أنه ليس لنا طريق إلى هذه التجارة إلا الطريق الذي شرعه الله عز وجل هو الدال على ذلك (( هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم )) وهذه التجارة ليست تجارة الدنيا لأن تجارة الدنيا قد تنجي من العذاب الأليم وقد تكون سببًا للعذاب الأليم، فالرجل الذي عنده مال لا يزكيه يكون ماله عذابًا عليه والعياذ بالله (( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم * يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون )) (( ولا يحسبن الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله هو خيرًا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير )) تجارة الدنيا قد تنجي من العذاب وقد توقع في العذاب، لكن هذه التجارة التي عرضها الله علينا عز وجل ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يقبلونها، يقول: (( تنجيكم من عذاب أليم )) أي عذاب مؤلم لأنه لا عذاب أشد ألمًا من عذاب النار أعاذني الله وإياكم منها، ما هذه التجارة؟ قال: (( تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون )) هذه التجارة الإيمان بالله ورسوله وهذا يتضمن جميع شرائع الإسلام كلها، لكن نص على الجهاد لأن هذه السورة سورة الجهاد من أولها إلى آخرها كلها جهاد (( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيل صفًّا كأنهم بنيان مرصوص )) ثم ذكر ما يتعلق بذلك فهنا يقول: (( تجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم )) أي: تبذلون جهدكم في سبيل الله ببذل المال وبذل النفس (( ذلكم خير لكم )) خير لكم من كل شيء (( إن كنتم تعلمون )) يعني: إن كنتم من ذوي العلم، وفي هذه الآية وأمثالها يحسن الوقوف على قوله: (( ذلكم خير لكم )) ولا تصل، لا تقل: (( ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون )) لأنك لو وصلت لأفهمت معنى باطلًا في الآية، لكان المعنى ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون وإن كنتم لا تعلمون فليس خيرًا لكم، هذا ليس مراد الله عز وجل، بل المعنى ذلكم خير لكم ثم قال إن كنتم من ذوي العلم كأنه يقول فاعلموا ذلك إن كنتم أهلًا للعلم، هذا العمل فما هو الثواب (( يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار )) جنات هي ما أعدها الله عز وجل لعباده الصالحين وبالأخص المجاهدين في سبيل الله، ( إن في الجنة مئة درجة أعدها الله عز وجل للمجاهدين في سبيله ) ولهذا جمع (( جنات تجري من تحتها الأنهار )) أي: أنهار تجري من تحتها من تحت قصورها وأشجارها وهي أنهار ليست كأنهار الدنيا، أربعة أسماء (( أنهار من ماء غير آسن )) يعني: لا يمكن أن يتغير بخلاف ماء الدنيا فإنه إذا بقي حائرًا يتغير (( وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى )) أنهار تجري أنهار العسل لم يخرج من النحل، واللبن لم يخرج من ضرع بهيمة، والماء لم يخرج من نبع أرض، وكذلك الخمر لم يكن زبيب أو تمر أو شعير أو غير ذلك، أنهار خلقها الله عز وجل في الجنة تجري كما يجري النهر، وهذه الأنهار ورد في الحديث أنها لا تحتاج إلى شق ولا إلى سد يعني ما يحتاج إنك تحفر للنهر حتى يجري ولا أن تضع له أخدودًا تمنعه من التسرب يمينًا وشمالًا قال ابن القيم في النونية:
" أنهار في غير أخدود جرت *** سبحان ممسكها عن الفيضان "
ثم هذا النهر يأتي طوع اختيارك أنت، تطلب أن يذهب يمينا يذهب يسارا يذهب أماما يذهب يتوقف يتوقف كما تشاء، وقوله: (( ذلك الفوز العظيم )) نعم (( ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم )) مساكن طيبة، طيبة في بنائها طيبة في غرفها طيبة في منظرها طيبة في مسكنها من كل ناحية وفيها الساكن فيها حور مقصورات في الخيام، خيام من لؤلؤ مرتفعة من أحسن ما تراه بصرًا، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتها وما فيهما ) اللبنة لبِن البناء ليس من الطوب والتراب بل هو من الذهب أو من الفضة ولهذا وصفها الله بالطيب، ثم إنه من طيبها أن ساكنها لا يبغي عنها حولًا، مساكن الدنيا مهما حسنت سترى ماهو أحسن من بيتك تقول ليت هذا لي، لكن في الجنة لا تبغي حولًا عن مسكنها ولن تقارن كل إنسان يرى أنه هو أنعم أهل الجنة، يالله من فضلك لئلا ينكسر قلبه لو رأى من هو أفضل منه لكن هو يرى أنه أنعم أهل الجنة، عكس ذلك أهل النار، أهل النار والعياذ بالله يرى أنه أشد أهل النار عذابًا وإن كان هو أهونهم، فهذه المساكن طيبة في جنات عدن، قال العلماء: العدن بمعنى الإقامة ومنه المعدن في الأرض لطول إقامته في معدنه ومكانه، أي: في جنات إقامة لا يمكن أن تزول أبد الآبدين، نسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهلها (( ذلك الفوز العظيم )) نعم الفوز هو أن ينال الإنسان ما يريد وينأى مما يخاف العظيم الذي لا أعظم منه ربح ليس فوقه ربح عوض ليس فوقه عوض لهؤلاء الذين آمنوا بالله ورسوله وجاهدوا في سبيل الله، أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم منهم وألا يحرمنا هذا الفضل بسوء أعمالنا وأن يعاملنا بعفوه إنه على كل شيء قدير.