شرح حديث عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فيهم فذكر أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال، فقام رجل فقال: يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر ) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كيف قلت ؟ ) قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدين فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك ). رواه مسلم. عن جابر رضي الله عنه قال: قال رجل: أين أنا يا رسول الله إن قتلت ؟ قال: ( في الجنة ) فألقى تمرات كن في يده، ثم قاتل حتى قتل. رواه مسلم. وعن أنس رضي الله عنه قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر، وجاء المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه ) فدنا المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض ) قال: يقول عمير بن الحمام الأنصاري رضي الله عنه: يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض ؟ قال: ( نعم )) قال: بخ بخ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما يحملك على قولك بخ بخ ؟ ) قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: ( فإنك من أهلها ) فأخرج تمرات من قرنه، فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة ! فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل. رواه مسلم. وعنه قال: جاء ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن ابعث معنا رجالا يعلمونا القرآن والسنة، فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار يقال لهم: القراء، فيهم خالي حرام، يقرؤون القرآن، ويتدارسون بالليل يتعلمون، وكانوا بالنهار يجيئون بالماء، فيضعونه في المسجد، ويحتطبون فيبيعونه، ويشترون به الطعام لأهل الصفة وللفقراء، فبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم، فعرضوا لهم فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان، فقالوا: اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا، وأتى رجل حراما خال أنس من خلفه، فطعنه برمح حتى أنفذه، فقال حرام: فزت ورب الكعبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن إخوانكم قد قتلوا وإنهم قالوا: اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا ). متفق عليه، وهذا لفظ مسلم. وعنه قال: غاب عمي أنس بن النضر رضي الله عنه عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع. فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون، فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه - وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء - يعني المشركين - ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر، إني أجد ريحها من دون أحد ! قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع ! قال أنس: فوجدنا فيه بضعا وثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل ومثل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه. قال أنس: كنا نرى - أو نظن - أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: (( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه )) إلى آخرها. وعن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( رأيت الليلة رجلين أتياني فصعدا بي الشجرة، فأدخلاني دارا هي أحسن وأفضل، لم أر قط أحسن منها، قالا: أما هذه الدار فدار الشهداء ). رواه البخاري. وعن أنس رضي الله عنه أن أم الربيع بنت البراء وهي أم حارثة بن سراقة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ألا تحدثني عن حارثة. وكان قتل يوم بدر؛ فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء، فقال: ( يا أم حارثة إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى ). رواه البخاري. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جيء بأبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد مثل به، فوضع بين يديه، فذهبت أكشف عن وجهه فنهاني قوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها ). متفق عليه. وعن سهل بن حنيف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ). رواه مسلم. حفظ
القارئ : الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
نقل المؤلف رحمه الله تعالى في سياق الأحاديث في كتاب الجهاد: " عن أبي قتادة رضي الله عنه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فيهم فذكر أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال، فقام رجل فقال: يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف قلت؟ قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدَّين، فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك ) رواه مسلم، وعن جابر رضي الله عنه قال: ( قال رجل أين أنا يا رسول الله إن قتلت؟ قال: في الجنة، فألقى تمرات كن في يده ثم قاتل حتى قتل ) رواه مسلم، وعن أنس رضي الله عنه قال: ( انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر، وجاء المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه، فدنا المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض، قال: يقول عمير بن الحمام الأنصاري رضي الله عنه: يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض؟ قال: نعم، قال: بخ بخ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يحملك على قولك بخ بخ؟ قال: فإنك من أهلها، فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل ) رواه مسلم، وعنه رضي الله عنه قال: ( جاء ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن ابعث معنا رجالًا يعلمونا القرآن والسنة
فبعث إليهم سبعين رجلًا من الأنصار يقال لهم القراء فيهم خالي حرام، يقرؤون القرآن ويتدارسونه بالليل يتعلمون، وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد، ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة وللفقراء، فبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم فعرضوا لهم فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان، فقالوا: اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا، وأتى رجلٌ حرامًا خال أنس من خلفه فطعنه برمح حتى أنفذه، فقال حرام: فزت ورب الكعبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن إخوانكم قد قتلوا وإنهم قالوا : اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا ) متفق عليه، وهذا لفظ مسلم، وعنه رضي الله عنه قال: ( غاب عمي أنس بن النضر رضي الله عنه عن قتال بدر فقال يا رسول الله: غبت عن أول قتال قاتلت المشركين لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني أصحابه وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين، ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال يا سعد بن معاذ: الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد، فقال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بضعًا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل ومثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، قال أنس: كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه (( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه )) إلى آخرها ) متفق عليه، وعن سمرة رضي الله عنه قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت الليلة رجلين أتياني فصعدا بي الشجرة فأدخلاني دارًا هي أحسن وأفضل لم أر قط أحسن منها، قالا: أما هذه الدار فدار الشهداء ) رواه البخاري، وعن أنس رضي الله عنه ( أن أم الربيع بنت البراء وهي أم حارثة بن سراقة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ألا تحدثني عن حارثة وكان قتل يوم بدر فإن كان في الجنة صبرت وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء، فقال: يا أم حارثة إنها جنان في الجنة وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى ) رواه البخاري، وعن جابر رضي الله عنهما قال: ( جيء بأبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد مثل به فوضع بين يديه فذهبت أكشف عن وجهه فنهاني قوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها ) متفق عليه، وعن سهل بن حنيف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ) رواه مسلم ".
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
هذه الأحاديث في فضل الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله وأن لهم الجنة كما قال الله تعالى: (( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدًا عليه حقًّا في التوراة والإنجيل والقرآن )) وذكر المؤلف أحاديث في هذا الدرس كثيرة تدل على صدق الصحابة رضي الله عنهم وصدق إيمانهم يخبرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مما للشهداء فيدعون ما بأيديهم من الطعام ويتركونه ويتقدمون إلى الجهاد في سبيل الله ثم يقتلون فيلقون الله عز وجل راضين عنه وهو راضٍ عنهم جل وعلا، وهذا لاشك أنه من فضائل الصحابة رضي الله عنهم الذي لا يلحقهم بعدهم أحد فيها، هذا عمير بن حمام الأنصاري رضي الله عنه لما قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: ( من قاتلهم محتسبًا مقبلًا غير مدبر وجبت له الجنة التي عرضها كعرض السماء والأرض، قال: يا رسول الله جنة عرضها كعرض السماء والأرض؟ قال: نعم، فأخرج تمرات من قرنه الذي يوضع فيه الطعام عادة ويأخذه المجاهد ثم جعل يأكل ثم استطال الحياة رضي الله عنه وقال " والله لئن بقيت حتى آكل هذه التمرات إنها لحياة طويلة " ثم تقدم فقاتل وقتل رضي الله عنه وقد شهد له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالجنة، وكذلك أنس بن النضر رضي الله عنه لقي سعد بن معاذ في غزوة أحد وأخبره بأنه يجد ريح الجنة دون أحد، قال ابن القيم رحمه الله: " وهذه من الكرامات التي يكرم الله بها من شاء من عباده أن يجد ريح الجنة وهو في الأرض والجنة في السماء، لكن من أجل أن الله يثبت يقينه حتى يتيقنها وكأنها أمر محسوس عنده " فقاتل حتى قتل لأنه رضي الله عنه تأخر عن غزوة بدر، وسبب ذلك أن كثيرًا من الصحابة لم يخرجوا في بدر لأنهم إنما خرجوا من أجل عير أبي سفيان التي جاء بها من الشام يريد مكة ولم يخرجوا للقتال، ولكن الله جمع بينهم وبين عدوهم من غير ميعاد فتخلّف رضي الله عنه لأنهم لم يؤمروا بالخروج إلى الغزو وإنما قال الرسول عليه الصلاة والسلام من شاء أن يخرج معنا فليخرج، فخرج من خرج وتأخر من تأخر، لكنه قال رضي الله عنه حين تخلّف عن هذه الغزوة غزوة بدر: " لئن أشهدني الله مشهدًا " يعني: غزوًا في سبيل الله " ليرين الله مني ما أصنع " ثم تقدم وجاهد وجالد وقاتل حتى قتل، ووجدوا به بضعًا وثمانين أو بضعًا وتسعين ضربة في جسد واحد، مما يدل على أنه قد غامر وخاض صفوف المشركين، لم تعرفه إلا أخته ببنانه رضي الله عنه وأرضاه، وقال وهو ذاهب قال: " اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء " يعني: أصحابه الذين انكشفوا في غزوة أحد " وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء " يعني المشركين، فهذه القصص وأمثالها تدل دلالة واضحة على أن الله اختار لنبيه صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق وأنه مصداق قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبلغنا وإياكم منازل الشهداء وأن يجمع بيننا وبينهم في جنات النعيم.
نقل المؤلف رحمه الله تعالى في سياق الأحاديث في كتاب الجهاد: " عن أبي قتادة رضي الله عنه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فيهم فذكر أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال، فقام رجل فقال: يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف قلت؟ قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدَّين، فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك ) رواه مسلم، وعن جابر رضي الله عنه قال: ( قال رجل أين أنا يا رسول الله إن قتلت؟ قال: في الجنة، فألقى تمرات كن في يده ثم قاتل حتى قتل ) رواه مسلم، وعن أنس رضي الله عنه قال: ( انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر، وجاء المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه، فدنا المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض، قال: يقول عمير بن الحمام الأنصاري رضي الله عنه: يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض؟ قال: نعم، قال: بخ بخ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يحملك على قولك بخ بخ؟ قال: فإنك من أهلها، فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل ) رواه مسلم، وعنه رضي الله عنه قال: ( جاء ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن ابعث معنا رجالًا يعلمونا القرآن والسنة
فبعث إليهم سبعين رجلًا من الأنصار يقال لهم القراء فيهم خالي حرام، يقرؤون القرآن ويتدارسونه بالليل يتعلمون، وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد، ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة وللفقراء، فبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم فعرضوا لهم فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان، فقالوا: اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا، وأتى رجلٌ حرامًا خال أنس من خلفه فطعنه برمح حتى أنفذه، فقال حرام: فزت ورب الكعبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن إخوانكم قد قتلوا وإنهم قالوا : اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا ) متفق عليه، وهذا لفظ مسلم، وعنه رضي الله عنه قال: ( غاب عمي أنس بن النضر رضي الله عنه عن قتال بدر فقال يا رسول الله: غبت عن أول قتال قاتلت المشركين لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني أصحابه وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين، ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال يا سعد بن معاذ: الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد، فقال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بضعًا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل ومثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، قال أنس: كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه (( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه )) إلى آخرها ) متفق عليه، وعن سمرة رضي الله عنه قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت الليلة رجلين أتياني فصعدا بي الشجرة فأدخلاني دارًا هي أحسن وأفضل لم أر قط أحسن منها، قالا: أما هذه الدار فدار الشهداء ) رواه البخاري، وعن أنس رضي الله عنه ( أن أم الربيع بنت البراء وهي أم حارثة بن سراقة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ألا تحدثني عن حارثة وكان قتل يوم بدر فإن كان في الجنة صبرت وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء، فقال: يا أم حارثة إنها جنان في الجنة وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى ) رواه البخاري، وعن جابر رضي الله عنهما قال: ( جيء بأبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد مثل به فوضع بين يديه فذهبت أكشف عن وجهه فنهاني قوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها ) متفق عليه، وعن سهل بن حنيف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ) رواه مسلم ".
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
هذه الأحاديث في فضل الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله وأن لهم الجنة كما قال الله تعالى: (( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدًا عليه حقًّا في التوراة والإنجيل والقرآن )) وذكر المؤلف أحاديث في هذا الدرس كثيرة تدل على صدق الصحابة رضي الله عنهم وصدق إيمانهم يخبرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مما للشهداء فيدعون ما بأيديهم من الطعام ويتركونه ويتقدمون إلى الجهاد في سبيل الله ثم يقتلون فيلقون الله عز وجل راضين عنه وهو راضٍ عنهم جل وعلا، وهذا لاشك أنه من فضائل الصحابة رضي الله عنهم الذي لا يلحقهم بعدهم أحد فيها، هذا عمير بن حمام الأنصاري رضي الله عنه لما قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: ( من قاتلهم محتسبًا مقبلًا غير مدبر وجبت له الجنة التي عرضها كعرض السماء والأرض، قال: يا رسول الله جنة عرضها كعرض السماء والأرض؟ قال: نعم، فأخرج تمرات من قرنه الذي يوضع فيه الطعام عادة ويأخذه المجاهد ثم جعل يأكل ثم استطال الحياة رضي الله عنه وقال " والله لئن بقيت حتى آكل هذه التمرات إنها لحياة طويلة " ثم تقدم فقاتل وقتل رضي الله عنه وقد شهد له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالجنة، وكذلك أنس بن النضر رضي الله عنه لقي سعد بن معاذ في غزوة أحد وأخبره بأنه يجد ريح الجنة دون أحد، قال ابن القيم رحمه الله: " وهذه من الكرامات التي يكرم الله بها من شاء من عباده أن يجد ريح الجنة وهو في الأرض والجنة في السماء، لكن من أجل أن الله يثبت يقينه حتى يتيقنها وكأنها أمر محسوس عنده " فقاتل حتى قتل لأنه رضي الله عنه تأخر عن غزوة بدر، وسبب ذلك أن كثيرًا من الصحابة لم يخرجوا في بدر لأنهم إنما خرجوا من أجل عير أبي سفيان التي جاء بها من الشام يريد مكة ولم يخرجوا للقتال، ولكن الله جمع بينهم وبين عدوهم من غير ميعاد فتخلّف رضي الله عنه لأنهم لم يؤمروا بالخروج إلى الغزو وإنما قال الرسول عليه الصلاة والسلام من شاء أن يخرج معنا فليخرج، فخرج من خرج وتأخر من تأخر، لكنه قال رضي الله عنه حين تخلّف عن هذه الغزوة غزوة بدر: " لئن أشهدني الله مشهدًا " يعني: غزوًا في سبيل الله " ليرين الله مني ما أصنع " ثم تقدم وجاهد وجالد وقاتل حتى قتل، ووجدوا به بضعًا وثمانين أو بضعًا وتسعين ضربة في جسد واحد، مما يدل على أنه قد غامر وخاض صفوف المشركين، لم تعرفه إلا أخته ببنانه رضي الله عنه وأرضاه، وقال وهو ذاهب قال: " اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء " يعني: أصحابه الذين انكشفوا في غزوة أحد " وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء " يعني المشركين، فهذه القصص وأمثالها تدل دلالة واضحة على أن الله اختار لنبيه صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق وأنه مصداق قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبلغنا وإياكم منازل الشهداء وأن يجمع بيننا وبينهم في جنات النعيم.