شرح حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ). رواه مسلم. حفظ
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
نقل المؤلف رحمه الله تعالى في سياق الأحاديث في باب فضل العلم تعلمًا وتعليمًا لله: " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ) رواه مسلم ".
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
ساق المؤلف رحمه الله النووي في كتابه رياض الصالحين في باب فضل العلم تعلمًا وتعليمًا لله، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ) وهذا الحديث فيه الحث أعني حث الإنسان على المبادرة بالأعمال الصالحة لأنه لا يدري متى يفجؤه الموت، فليبادر قبل أن ينقطع العمل بالعمل الصالح الذي يزداد به رفعة عند الله سبحانه وتعالى وثوابًا، ومن المعلوم أن كل واحد منا لا يعلم متى يموت ولا يعلم أين يموت، كما قال الله تعالى: (( وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا وما تدري نفس بأي أرض تموت )) فإذا كان الأمر كذلك فإن العاقل ينتهز الفرص فرص العمر في طاعة الله عز وجل قبل أن يأتيه الموت ولم يستعتب ولم يتب، وقوله: ( انقطع عمله ) يشمل كل عمل لا يكتب له ولا عليه إذا مات لأنه انتقل إلى دار الجزاء دار العمل هي دار الدنيا، أما بعد ذلك فالدور كلها دور جزاء ( إلا من ثلاثة صدقة جارية ) يعني: أن يتصدق الإنسان بشيء ويستمر هذا الشيء، وأحسن ما يكون المساجد بناء المساجد صدقة جارية لأن أجر الباني مستمر ما دام هذا المسجد قائمًا ليلًا ونهارًا، والمسلمون ينتفعون بالمساجد في صلاتهم وقراءتهم وتعلمهم العلم وتعليمهم العلم وغير ذلك، ومن الصدقات الجارية أن يوقف الإنسان وقفًا من عقار أو بستان أو نحوه على الفقراء والمساكين أو على طلبة العلم أو على المجاهدين في سبيل الله أو ما أشبه ذلك، ومن الصدقات الجارية أن يطبع الإنسان كتبًا نافعة للمسلمين يقرؤون بها وينتفعون بها سواء كانت من مؤلفين في عصره أو من مؤلفين سابقين، المهم أن تكون كتبًا نافعة ينتفع بها المسلمون من بعده، ومن الصدقات الجارية إصلاح الطرق فإن الإنسان إذا أصلح الطرق وعدّلها وأزال عنها الأذى واستمر الناس ينتفعون بهذا فإن ذلك من الصدقات الجارية، والقاعدة في الصدقات الجارية كل عمل صالح يستمر للإنسان بعد موته، أما الثاني: فعلم ينتفع به وهذا أعمها وأشملها وأنفعها أن يترك الإنسان وراءه علمًا ينتفع المسلمون به، سواء ورث من بعده بالتعليم الشفوي أو بالكتابة، فتأليف الكتب وتعليم الناس وتداول الناس لهذه المعلومات ما دام مستمرًّا فأجر المعلم جاري مستمر، لأن الناس ينتفعون بهذا العلم الذي ورثه، والثالث: ( ولد صالح يدعو له ) ولد يشمل ذكر وأنثى يعني ابن أو بنت، يشمل ابنك لصلبك وابنتك لصلبك وأبناء أبنائك وأبناء بناتك وبنات أبنائك وبنات بناتك إلى آخره، ولد صالح يدعو للإنسان بعد موته هذا أيضًا يثاب عليه الإنسان، وانظر كيف قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( ولد صالح يدعو له ) ولم يقل ولد صالح يصلي له أو يقرأ له القرآن أو يتصدق عنه أو يصوم عنه لا ما قال هكذا، مع أن هذه كلها أعمال صالحة بل قال: ( ولد صالح يدعو له ) وفي هذا دليل على أن الدعاء لأبيك وأمك وجدك وجدتك أفضل من الصدقة عنهم وأفضل من الصلاة لهم وأفضل من الصيام لهم، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يمكن أن يدل أمته إلا على خير ما يعلمه لهم، ما من نبي بعثه الله إلا دل أمته على خير ما يعلمه لهم، فلو علم الرسول عليه الصلاة والسلام أن كونك تصدق عن أبيك أو أمك أفضل من الدعاء لقال الصدقة ما قال الدعاء، فلما عدل عن الصدقات والصيام والصلاة وقراءة القرآن والمقام مقام تحدث عن الأعمال لما عدل عن هذه الأعمال إلى الدعاء علمنا يقينًا لا إشكال فيه أن الدعاء أفضل من ذلك، فلو سألنا سائل أيهما أفضل أتصدق لأبي أو أدعو له؟ قلنا الدعاء أفضل لأن الرسول هكذا أرشدنا فقال: ( أو ولد صالح يدعو له ) والعجيب أن العوام وأشباه العوام يظنون أن الإنسان إذا تصدق عن أبيه أو صام يوما لأبيه أو قرأ حزبًا من القرآن لأبيه أو ما أشبه ذلك يرون أنه أفضل من الدعاء، ومصدر هذا الجهل وإلا فمن تدبر النصوص علم أن الدعاء أفضل، ولهذا لم يرشد النبي عليه الصلاة والسلام في أي حديث بحرف واحد إلى العمل الصالح يجعله الإنسان لوالديه أبدًا، غاية ما هنالك أنه حصلت قضايا أعيان يسأله الصحابة هل يتصدق عن أبيه وهو ميت أو عن أمه وهي ميتة فيقول نعم لا بأس، لكن لم يحث الأمة على ذلك ولم يرشدهم إلى هذا، لكن سئل في قضايا أعيان سعد بن عبادة رضي الله عنه ( سأله أن يتصدق بمخلافه يعني ببستانه لأمة بعد موتها، قال الرسول: نعم ) ( وجاءه رجل قال: يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها يعني ماتت بغتة أفأتصدق عنها؟ قال: نعم ) لكن لما أراد أن يشرع تشريعًا عامًّا للأمة قال: ( أو ولد صالح يدعو له ) نسأل الله أن يغفر لنا ولكم ولوالدينا وللمسلمين جميعًا.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
نقل المؤلف رحمه الله تعالى في سياق الأحاديث في باب فضل العلم تعلمًا وتعليمًا لله: " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ) رواه مسلم ".
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
ساق المؤلف رحمه الله النووي في كتابه رياض الصالحين في باب فضل العلم تعلمًا وتعليمًا لله، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ) وهذا الحديث فيه الحث أعني حث الإنسان على المبادرة بالأعمال الصالحة لأنه لا يدري متى يفجؤه الموت، فليبادر قبل أن ينقطع العمل بالعمل الصالح الذي يزداد به رفعة عند الله سبحانه وتعالى وثوابًا، ومن المعلوم أن كل واحد منا لا يعلم متى يموت ولا يعلم أين يموت، كما قال الله تعالى: (( وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا وما تدري نفس بأي أرض تموت )) فإذا كان الأمر كذلك فإن العاقل ينتهز الفرص فرص العمر في طاعة الله عز وجل قبل أن يأتيه الموت ولم يستعتب ولم يتب، وقوله: ( انقطع عمله ) يشمل كل عمل لا يكتب له ولا عليه إذا مات لأنه انتقل إلى دار الجزاء دار العمل هي دار الدنيا، أما بعد ذلك فالدور كلها دور جزاء ( إلا من ثلاثة صدقة جارية ) يعني: أن يتصدق الإنسان بشيء ويستمر هذا الشيء، وأحسن ما يكون المساجد بناء المساجد صدقة جارية لأن أجر الباني مستمر ما دام هذا المسجد قائمًا ليلًا ونهارًا، والمسلمون ينتفعون بالمساجد في صلاتهم وقراءتهم وتعلمهم العلم وتعليمهم العلم وغير ذلك، ومن الصدقات الجارية أن يوقف الإنسان وقفًا من عقار أو بستان أو نحوه على الفقراء والمساكين أو على طلبة العلم أو على المجاهدين في سبيل الله أو ما أشبه ذلك، ومن الصدقات الجارية أن يطبع الإنسان كتبًا نافعة للمسلمين يقرؤون بها وينتفعون بها سواء كانت من مؤلفين في عصره أو من مؤلفين سابقين، المهم أن تكون كتبًا نافعة ينتفع بها المسلمون من بعده، ومن الصدقات الجارية إصلاح الطرق فإن الإنسان إذا أصلح الطرق وعدّلها وأزال عنها الأذى واستمر الناس ينتفعون بهذا فإن ذلك من الصدقات الجارية، والقاعدة في الصدقات الجارية كل عمل صالح يستمر للإنسان بعد موته، أما الثاني: فعلم ينتفع به وهذا أعمها وأشملها وأنفعها أن يترك الإنسان وراءه علمًا ينتفع المسلمون به، سواء ورث من بعده بالتعليم الشفوي أو بالكتابة، فتأليف الكتب وتعليم الناس وتداول الناس لهذه المعلومات ما دام مستمرًّا فأجر المعلم جاري مستمر، لأن الناس ينتفعون بهذا العلم الذي ورثه، والثالث: ( ولد صالح يدعو له ) ولد يشمل ذكر وأنثى يعني ابن أو بنت، يشمل ابنك لصلبك وابنتك لصلبك وأبناء أبنائك وأبناء بناتك وبنات أبنائك وبنات بناتك إلى آخره، ولد صالح يدعو للإنسان بعد موته هذا أيضًا يثاب عليه الإنسان، وانظر كيف قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( ولد صالح يدعو له ) ولم يقل ولد صالح يصلي له أو يقرأ له القرآن أو يتصدق عنه أو يصوم عنه لا ما قال هكذا، مع أن هذه كلها أعمال صالحة بل قال: ( ولد صالح يدعو له ) وفي هذا دليل على أن الدعاء لأبيك وأمك وجدك وجدتك أفضل من الصدقة عنهم وأفضل من الصلاة لهم وأفضل من الصيام لهم، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يمكن أن يدل أمته إلا على خير ما يعلمه لهم، ما من نبي بعثه الله إلا دل أمته على خير ما يعلمه لهم، فلو علم الرسول عليه الصلاة والسلام أن كونك تصدق عن أبيك أو أمك أفضل من الدعاء لقال الصدقة ما قال الدعاء، فلما عدل عن الصدقات والصيام والصلاة وقراءة القرآن والمقام مقام تحدث عن الأعمال لما عدل عن هذه الأعمال إلى الدعاء علمنا يقينًا لا إشكال فيه أن الدعاء أفضل من ذلك، فلو سألنا سائل أيهما أفضل أتصدق لأبي أو أدعو له؟ قلنا الدعاء أفضل لأن الرسول هكذا أرشدنا فقال: ( أو ولد صالح يدعو له ) والعجيب أن العوام وأشباه العوام يظنون أن الإنسان إذا تصدق عن أبيه أو صام يوما لأبيه أو قرأ حزبًا من القرآن لأبيه أو ما أشبه ذلك يرون أنه أفضل من الدعاء، ومصدر هذا الجهل وإلا فمن تدبر النصوص علم أن الدعاء أفضل، ولهذا لم يرشد النبي عليه الصلاة والسلام في أي حديث بحرف واحد إلى العمل الصالح يجعله الإنسان لوالديه أبدًا، غاية ما هنالك أنه حصلت قضايا أعيان يسأله الصحابة هل يتصدق عن أبيه وهو ميت أو عن أمه وهي ميتة فيقول نعم لا بأس، لكن لم يحث الأمة على ذلك ولم يرشدهم إلى هذا، لكن سئل في قضايا أعيان سعد بن عبادة رضي الله عنه ( سأله أن يتصدق بمخلافه يعني ببستانه لأمة بعد موتها، قال الرسول: نعم ) ( وجاءه رجل قال: يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها يعني ماتت بغتة أفأتصدق عنها؟ قال: نعم ) لكن لما أراد أن يشرع تشريعًا عامًّا للأمة قال: ( أو ولد صالح يدعو له ) نسأل الله أن يغفر لنا ولكم ولوالدينا وللمسلمين جميعًا.