شرح حديث عن عبد الله بن خبيب رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اقرأ: قل هو الله أحد، والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح، ثلاث مرات تكفيك من كل شيء ). رواه أبو داود والترمذي. وقال: حديث حسن صحيح. حفظ
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
نقل المؤلف رحمه الله تعالى في سياق الأحاديث في باب الذكر عند الصباح والمساء: " عن عبدالله بن خبيب رضي الله عنه قال: ( قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء ) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات إلا لم يضره شيء ) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح ".
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
هذان حديثان في بيان أذكار الصباح والمساء ذكرهما النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين، الأول حديث عبد الله بن خبيب رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمره أن يقرأ: (( قل هو الله أحد )) و: (( قل أعوذ برب الفلق )) و: (( قل أعوذ برب الناس )) في الصباح والمساء ثلاث مرات، وبيّن أن هذا يكفيه عن كل شيء، أما السورة الأولى فهي سورة الإخلاص: (( قل هو الله أحد )) التي أخلصها الله تعالى لنفسه فلم يذكر فيها شيئًا إلا يتعلق بنفسه جل وعلا، ما فيها ذكر لأحكام الطهارة أو الصلاة أو البيع أو غير ذلك، كلها مخلصة لله عز وجل ثم الذي يقرؤها يكمل إخلاصه لله تعالى فهي مخلصة ومخلصة تخلص قارئها من الشرك، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنها تعدل ثلث القرآن، ولكنها لا تجزئ عنها تعدله ولا تجزئ عنه والشيء قد يكون عديلًا للشيء ولكنه لا يجزئ عنه، ألم تروا إلى الإنسان إذا قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل، ومع ذلك لا يجزئ عن عتق رقبة ففرق بين المعادلة في الأجر وبين الإجزاء في الكفارة، ولهذا لو قرأ الإنسان: (( قل هو الله أحد )) في الصلاة لو قرأها ثلاث مرات ما أجزأت عن الفاتحة، مع أنه إذا قرأها ثلاث مرات كأنما قرأ القرآن كله لأنها تعدل ثلث القرآن، وأما (( قل أعوذ برب الفلق )) و (( قل أعوذ برب الناس )) فهما السورتان اللتان نزلتا على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين سحره الخبيث لبيد بن الأعصم اليهودي فأنزل الله هاتين السورتين فرقاه بهما جبريل فحلّ الله عنه السحر، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( ما تعوذ متعوذ بمثلهما ) فاستعيذوا برب الفلق، الفلق فلق الإصباح وفالق الحب والنوى جل وعلا (( من شر ما خلق )) كل ما خلق (( ومن شر غاسق إذا وقب )) يعني: الليل إذا دخل، لأن الليل تكثر فيه الهوام والوحوش وغير ذلك فتستعيذ بالله من شر غاسق إذا وقب (( ومن شر النفاثات في العقد )) الساحرات اللاتي يعقدن عقد السحر وينفثن فيها بالطلاسم والتعوذات والاعتصام بالشياطين والاستعانة بهم والعياذ بالله (( ومن شر حاسد إذا حسد )) هو العائن يصيب بعينه لأن الساحر يؤثر والعائن يؤثر فأمرت أن تستعيذ برب الفلق جل وعلا (( من شر ما خلق * ومن شر غاسق إذا وقب * ومن شر النفاثات في العقد * ومن شر حاسد إذا حسد )) وتأمل تناسب هذه الآيات الثلاثة (( من شر غاسق إذا وقب )) الليل لأن البلاء يكون فيه خفيًّا والسحر كذلك خفي والعين كذلك خفية، فتستعيذ برب الفلق الذي يفلق الإصباح حتى يتبين ويفلق النوى حتى يظهر ويبرز فهذا من مناسبة المقسم به والمقسم عليه أما (( قل أعوذ برب الناس )) فهي السورة الأخرى أيضًا التي فيها الاستعاذة بالله عز وجل (( قل أعوذ برب الناس ملك الناس )) فهو رب الملك ذو السلطان الأعظم الذي لا يمانعه شيء ولا مبدل لكلماته جل وعلا (( ملك الناس إله الناس )) أي: معبودهم الذي يعبد بحق فلا معبود حق إلا الله عز وجل (( من شر الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس )) هذه وساوس الصدور التي يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم، وما أكثر ما يلقي الشيطان في هذه الدنيا في هذا العصر من الوساوس العظيمة التي تقلق الإنسان وسبحان الله العظيم الدنيا على اسمها دنيا دنيئة لا تتم من وجه إلا نقصت من وجوه ترفنا في هذه الأيام في هذا العهد ترفنا ترف لا يوجد له نظير، فيما سبق النعم متوفرة والأمن ضارب أطنابه والأموال والبنون وكل شيء، فالترف الجسدي الظاهر تام لكن كثرت في الناس الآن كثرت الوساوس والأمراض النفسية والبلاء حتى لا تتم الدنيا فيركن الإنسان إليها، لأن الدنيا لو تمت من كل وجه أنست الآخرة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( والله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تفتح عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسها من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم ) فالله عز وجل إذا فتح الدنيا من جانب صار صفوها كدرًا من جانب آخر أو من جوانب وفي الشعر الجاهلي يقول:
" فيوم علينا ويوم لنا *** ويوم نساء ويوم نسر "
فالحاصل أن هذه السورة فيها الاستعاذة من الوسواس والوسواس يقع في الإنسان أحيانًا في أصول الدين وفي ذات الرب وفي القرآن وفي الرسول حتى يوسوس الإنسان في أشياء يحب أن يكون فحمة ولا يتكلم بها وسواس أيضًا في الطهارة بعض الناس يصاب بالوسواس والعياذ بالله، يدخل الحمام للوضوء الذي لا يستغرق خمس دقائق يبقى خمس ساعات نسأل الله العافية، في الصلاة تجده يكرر تكبيرة الإحرام يكرر الكاف عشرين مرة، الله أكبر وربما يعجز حتى إن بعضهم يقول أنا الآن ما أستطيع أصلي إطلاقًا فيؤدي به الوسواس إلى ترك الصلاة نسأل الله العافية، يقع الوسواس في معاملة الأهل حتى إن بعضهم يخيل إليه أن أهله جعلوا له سحرًا في أكله وشربه فيأكل من المطاعم، وحتى إن الرجل ليتكلم لأهله يقول يا أم فلان زوجته فيقول له الشيطان طلقتها وينكد عليه حياته، حتى إن بعضهم إذا فتح المصحف يقرأ كلما قلب ورقة خيّل له الشيطان أنه قال امرأتي طالق فترك قراءة القرآن فالوساوس عظيمة، لكن طردها سهل جدًّا بينه النبي عليه الصلاة والسلام الذي أعطاه الله جوامع الكلم وفواتح الكلم وخواتم الكلم حين شكي إليه هذا الأمر فقال صلى الله عليه وسلم: ( إذا وجد أحدكم ذلك فليستعذ بالله ولينته ) كلمتان فيلستعذ بالله يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لكن يقولها بصدق وإخلاص وأنه ملتجئ إلى الله حقًّا لا مفر له من الله إلا إليه ولينته يعرض عن هذا يعرض، يقول لنفسه أنا ليش أنا أصلًا أتوضأ وأصلي ألست أرجو الله وأخافه فينتهي عن هذا، يعرض إطلاقًا إذا استعمل هذا وإن كان سوف يكبس على نفسه وسوف يتألم وسوف يتعذب، لكن هذا في أول الأمر ثم بعد ذلك يزول بالكلية لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى قال: ( فليستعذ بالله ولينته ) (( قل أعوذ برب الناس * ملك الناس * إله الناس * من شر الوسواس )) هذه الجمل الثلاث الآيات الثلاث يمكن أن يقال إنها استوعبت أقسام التوحيد رب الناس، توحيد إيش يا أحمد؟
الطالب : الربوبية.
الشيخ : الربوبية، ملك الناس الأسماء والصفات لأن الملك لا يستحق أن يكون ملكًا إلا بتمام أسمائه وصفاته إله الناس الألوهية (( من شر الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس * من الجنة والناس )) قال العلماء: الخناس الذي يخنس عند ذكر الله، ولهذا جاء في الحديث: ( إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان ) الغيلان أوهام وخيلات تعبر الإنسان في سفره ولا سيما في الأسفار الأولى على الإبل أو الإنسان يسافر وحده فتتغول له الشياطين تتلون بألوان مزعجة أسد ذئب ضبع شياطين جن، إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان يعني قولوا الله أكبر فتتلاشى لأن الشيطان يخنس عند ذكر الله عز وجل (( من شر الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس * من الجنة والناس )) يعني: هذا الوسواس يكون من الجنة ويكون من الناس الجنة يعني الجن، والمراد بهم الشياطين توسوس في الصدور والناس أيضًا شياطين بني آدم، وما أكثر الشياطين في زمننا وقبل زمننا وإلى يوم القيامة (( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًّا من المجرمين )) كذلك لأتباع الأنبياء أعداء من المجرمين يأتون للناس يوسوسون هذا كذا وهذا كذا، وربما يسوسون على السذج من العوام سواء في مذاهب باطلة وملل كاذبة أو غير ذلك، المهم عندهم وسواس شياطين الإنس احذرهم احذر شياطين الإنس الذين يسوسون لك في أمور يزينونها في نفسك وهي فاسدة، فالمهم أن هذه الصور الثلاث ينبغي للإنسان أن يقرأها كل صباح وكل مساء لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها، نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما فيه الخير والصلاح وأن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.