الكلام على خطورة غيبة العلماء وولاة الأمر. حفظ
الشيخ : واعلم أن الغيبة تزداد قبحًا وإثمًا بحسب ما تؤدي إليه، فغيبة العامي من الناس ليست كغيبة العالم أو ليست كغيبة الأمير أو المدير أو الوزير أو ما أشبه ذلك، لأن غيبة ولاة الأمور صغيرًا كان الأمر أو كبيرًا أشد من غيبة من ليس له إمرة وليس له أمر ولا ولاية، لأنك إذا اغتبت عامة الناس إنما تسيء إليه شخصيًّا فقط، أما لكن إذا اغتبت من له أمر فقد أسأت إليه وإلى ما يتولاه من أمور المسلمين، مثلًا افرض أنك اغتبت عالمًا من العلماء هذا لا شك أنه عدوان عليه شخصيًّا كغيره من المسلمين، لكنك أيضًا أسأت إساءة كبيرة إلى ما يحمله من الشريعة رجل عالم يحمل الشريعة إذا اغتبته سقط من أعين الناس، وإذا سقط من أعين الناس لم يقبلوا قوله ولم يأتوا إليه يرجعون إليه في أمور دينهم وصار ما يقوله من الحق مشكوكاً فيه، لأنك اغتبته فهذه جناية عظيمة على الشريعة كذلك الأمراء اغتبت أميرًا أو ملكًا أو رئيسًا أو ما أشبه ذلك، ليس هذا غيبة شخصية فقط بل هي غيبة له وفساد في ولاية أمره، لأنك إذا اغتبت الأمير أو الوزير أو الملك معناه إنك تشحن قلوب الرعية على ولاتهم وإذا شحنت قلوب الرعية على ولاتها فإنك في هذه الحال أسأت إلى الرعية إساءة كبيرة، إذ أن هذا سبب لنشر الفوضى بين الناس وتمزق الناس وتفرق الناس واليوم يكون رميًا بالكلام وغدًا يكون رميًا بالسهام، لأن القلوب إذا شحنت وكرهت ولا أمورها فإنها لا يمكن أن تنقاد لأوامرها، بل إذا أمرت بخير رأته شرًا، ولهذا قال الشاعر كلمة صادقة قال:
" وعين الرضا عن كل عيب كليلة *** كما أن عين السخط تبدي المساوئ "
فأنت مثلًا إذا اغتبت أحدًا من الكبار الذين لهم ولاة أمر على المسلمين قيادة دينية أو قيادة تنفيذية وسلطة فإنك تسيء إلى المسلمين عمومًا من حيث لا تشعر، قد يظن بعض الناس أن هذا يشفي من غليله وغليانه، لكن كيف يصب جامه على أمن مستقر ليقلب هذا الأمن إلى خوف وهذا الاستقرار إلى قلق أو ليقلب هذه الثقة بالعالم إلى سحب الثقة إذا كنت ذا غليان أو كان صدرك مملوءا غيظا فصبه على نفسك قبل أن تصبه على غيرك انظر في مساوئك أنت، أنت هل أنت ناجٍ من المساوئ هل أنت سالم؟ أول عيب فيك أنك تسب ولاة الأمور وتغتاب ولاة الأمور، قد يقول أنا أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، نقول: حسنًا ما قصدت ولكن البيوت تؤتى من أبوابها، ليس طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تنشر معايب ولاة أمورك لأن هذا مما يزيد المنكر لا يثق الناس بأحد، إذا قال العالم هذا منكر قال هين هذا خله على جنب، إذا قال الأمير هذا منكر وأراد أن يمنع منه يقول لا أنت ما أصلحت نفسك حتى تصلح غيرك وما أشبه ذلك، فيحصل بهذا ضرر كبير على المسلمين، والعجب أن بعض المفتونين بهذا الأمر أي بسب ولاة الأمور من العلماء والأمراء العجب أنهم لا يأتون بحسنات هؤلاء الذين يغتابونهم حتى يقوموا بالقسط، لأن الله يقول: (( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم )) أي: لا يحملنكم بغضهم (( على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى )) والعجب أيضًا أنك لا تكاد تجد في مجالسهم أو في أفواههم يومًا من الدهر إلا قليلًا أنهم يقولون للناس يا أيها الناس اتقوا كذا اتقوا الغش اتقوا الكذب الغش موجود في الأسواق في البيع والشراء والمعاملات، والكذب موجود أيضًا والغيبة موجودة لا تكاد تجد أنهم يصبون جامهم على إصلاح العامة ويحذرونهم، ومن المعلوم أن العامة إذا صلحت فالشعب هو العامة، الشعب مكون من زيد وعمرو وبكر وخالد أفراد إذا صلحت الأفراد صلح الشعب وإذا صلح الشعب فلابد أن تصلح الأمة كلها، لكن بعض الناس يكون فيه مرض يحب مثل هذا الأمر يحب أن يطرح بساط البحث عالمًا من العلماء فيتتبع عوراته ولا يذكر خيراته ويشيعها بين الناس، أو يأخذ أميرًا أو وزيرًا أو رئيسًا أو ملكًا فيضعه على البساط ثم يشرحه ويتكلم فيه ولا يذكر شيئا من حسناته، سبحان الله! أين العدل؟ إذا كان الله عز وجل يقول الحق وهو يهدي السبيل حتى في معاملة المشركين يقول الله عز وجل: (( وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها )) قالوا كلمتين وجدنا عليها آباءنا، والثانية والله أمرنا بها حكم الله بينهم: (( قل إن الله لا يأمر بالفحشاء )) فقبل منهم الحق وهو أنهم وجدوا آباءهم عليها ورد الباطل، إذا كنت تريد أن تتكلم بالعدل تكلم بالعدل أما أن تتبع عورات المسلمين ولاسيما ولاة الأمور منهم فاعلم أن من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته وأن من تتبع الله عورته فضحه ولو في بيت أمه، المهم أن علينا أن نتجنب الغيبة أن نتجنبها وأن نكف ألسنتنا وأن نعلم أن كل كلمة تكون غيبة لشخص فإنما هي نقص من حسناتنا وزيادة في حسنات هذا الذي ظلم بسبه كما قد جاء في الحديث: ( أتدرون من المفلس فيكم؟ قالوا: من لا درهم عنده ولا متاع، قال: لا، المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال فيأتي وقد ظلم هذا وشتم هذا وأخذ مال هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته وهذا من حسناته فإن بقي من حسناته شيء وإلا أخذ من سيئاته فطرح عليه ثم طرح في النار ) حتى إننا سمعنا بعض السلف أنه سمع شخصًا يغتابه فأرسل إليه بهدية من اللي أرسل الذي اغتيب أرسل إلى الذي اغتابه بهدية وقال له أنت أهديتني حسنات أنتفع بها يوم القيامة وأنا أهديك هذه الهدية تنتفع بها في الدنيا، وآخر أمرها أن تكون خراءة أو بولًا سبحان الله هذا هو الغائط، المهم يا إخواني نصيحتي لي لنفسي ولكم أن تتجنبوا الغيبة وأن تتجنبوا الخوض في مساوئ ولاة الأمور من العلماء والأمراء والسلاطين وغيرهم، إذا كنتم تريدون الخير والإصلاح فالباب مفتوح اتصلوا بأنفسكم اتصلوا بقنوات أخرى إذا لم تستطيعوا أن تصلوا بأنفسكم، ثم إذا أديتم الواجب سقط عنكم ما وراء ذلك، ثم اعلم يا أخي هل غيبتك هذه للعلماء أو للأمراء هل تصلح من الأمور شيئًا؟ أبدًا بل هي إفساد في الواقع لا تزيد الأمر إلا شدة ولا ترتفع بها مظلمة ولا يصلح بها فاسد، وإنما الطرق موجودة ثم على الإنسان أن يتكلم بالعدل كما قلت، إذا ابتليت بنشر مساوئ الناس فانشر المحاسن حتى تتعادل الكفة أو ترجح إحدى الكفتين على الأخرى، أما أن تبتلى والعياذ بالله نسأل الله أن يحمي ألسنتنا وألسنتكم مما يكرهه تبتلى بنشر المعايب وتكون أخرس في نشر المحاسن فهذا ليس بعدل وفقني الله وإياكم لما فيه الخير والصلاح.