تتمة باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان: قال الله تعالى: (( ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم )). وقال تعالى: (( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا )). وقال تعالى: (( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )). حفظ
الشيخ : فإذا قال قائل: ما هي المناسبة مناسبة الغيبة لهذا المثل؟ قلنا: لأن الذي تغتابه غائب لا يمكن أن يدافع عن نفسه كالميت إذا قطعت لحمه لا يمكن أن يقوم فيدافع عن نفسه، ولهذا إذا ذكرت أخاك بما يكره في حال وجوده فإن ذلك لا يسمى غيبة بل يسمى سبًّا وشتمًا (( واتقوا الله إن الله تواب رحيم )) فأمر بتقوى الله عز وجل بعد أن نهى عن الغيبة وهذا إشارة إلى أن الذين يغتابون الناس لم يتقوا الله عز وجل، واعلم أنك إذا سلطت على عيب أخيك ونشرته وتتبعت عورته فإن الله تعالى يقيّض لك من يفضحك ويتتبع عورتك حيًّا كنت أو ميتًا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في بيت أمه ) إلا أن الغيبة إذا كانت للنصح والبيان فإنه لا بأس بها كما لو أراد إنسان أن يعامل شخصًا من الناس وجاء إليك يستشيرك يقول ما تقول هل أعامل فلانًا؟ وأنت تعلم أن هذا سيء المعاملة ففي هذه الحالة يجب عليك أن تبين ما تعلم فيه من العيب من باب النصح، ودليل ذلك: ( أن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها خطبها ثلاثة من الصحابة أسامة بن زيد ومعاوية بن أبي سفيان وأبو جهم، فجاءت تستشير النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تقول خطبني فلان وفلان وفلان فقال لها عليه الصلاة والسلام: أما أبو جهم فضرّاب للنساء، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة ) فذكر هذين الرجلين بما يكرهان لكن من باب النصيحة لا من باب نشر العيب والفضيحة وفرق بين هذا وهذا، وكذلك لو جاء إنسان يستشيرك قال أطلب العلم عند فلان وأنت تعلم أن فلان ذو منهج منحرف فلا حرج عليك أن تقول لا تطلب العلم عنده، مثل أن يكون في عقيدته شيء أو في فكره شيء أو في منهجه شيء وتخشى أن يؤثر على هذا الذي جاء يستشيرك يطلب العلم عنده أم لا، وجب عليك أن تبين له تقول لا تطلب العلم عند هذا، هذا فيه كذا وفيه كذا من العيوب حتى لا ينتشر عيبه بين الناس والأمثلة على هذا كثيرة، والمهم أنه إذا كان ذكرك أخاك بما يكره من أجل النصيحة فلا بأس، وقد شاع عند الناس كلمة غير صحيحة وهي قولهم: " لا غيبة لفاسق " هذا ليس حديثًا وليس قولًا مقبولًا، بل الفاسق له غيبة مثل غيره وقد لا يكون له غيبة فإذا ذكرنا فسقه على وجه العيب والسب فإن ذلك لا يجوز، وإذا ذكرناه على سبيل النصيحة والتحذير منه فلا بأس بل قد يجب، والمهم أن هذه العبارة ليست حديثًا عن الرسول عليه الصلاة والسلام وليست على إطلاقها أيضًا بل في ذلك تفصيل ويأتي إن شاء الله بقية الكلام على الآيات.