شرح حديث عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( ائذنوا له، بئس أخو العشيرة ). متفق عليه. احتج به البخاري في جواز غيبة أهل الفساد وأهل الريب. وعنها قالت: قال رسول الله: ( ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا ). رواه البخاري. قال الليث بن سعد أحد رواة هذا الحديث: هذان الرجلان كانا من المنافقين. وعن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إن أبا الجهم ومعاوية خطباني ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو الجهم فلا يضع العصا عن عاتقه ). متفق عليه. وفي رواية لمسلم: ( وأما أبو الجهم فضراب للنساء ) وهو تفسير لرواية: ( لا يضع العصا عن عاتقه ) وقيل: معناه: كثير الأسفار. وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر أصاب الناس فيه شدة، فقال عبد الله بن أبي: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته بذلك، فأرسل إلى عبد الله بن أبي، فاجتهد يمينه ما فعل، فقالوا: كذب زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقع في نفسي مما قالوه شدة حتى أنزل الله تعالى تصديقي: (( إذا جاءك المنافقون )) ثم دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم فلووا رؤوسهم. متفق عليه. حفظ
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
قال رحمه الله تعالى: " وعن عائشة رضي الله عنها ( أن رجلًا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ائذنوا له بئس أخو العشيرة ) متفق عليه احتج به البخاري في جواز غيبة أهل الفساد وأهل الريب، وعنها قالت: ( قال رسول الله: ما أظن فلانًا وفلانًا يعرفان من ديننا شيئًا ) رواه البخاري، قال: قال الليث بن سعد أحد رواة هذا الحديث: هذان الرجلان كانا من المنافقين، وعن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت: ( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت إن أبا الجهم ومعاوية خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو الجهم فلا يضع العصا عن عاتقه ) متفق عليه، وفي رواية لمسلم: ( وأما أبو الجهم فضراب للنساء ) وهو تفسير لرواية ( لا يضع العصا عن عاتقه ) وقيل: معناه كثير الأسفار، وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: ( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر أصاب الناس فيه شدة فقال عبدالله بن أُبي: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، وقال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك، فأرسل إلى عبد الله بن أُبي فاجتهد يمينه ما فعل، فقالوا: كذب زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقع في نفسي مما قالوه شدة حتى أنزل الله تعالى تصديقي: (( إذا جاءك المنافقون )) ثم دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم فلووا رؤوسهم ) متفق عليه ".
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
تقدم أن النووي رحمه الله عقد بابًا في بيان ما يجوز من الغيبة، وذكر لذلك أحاديث فمنها حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم استأذن عليه رجل يعني ليدخل بيته فقال: ( ائذنوا له بئس أخو العشيرة ) وفي لفظ: ( بئس ابن العشيرة ) وكان هذا الرجل من أهل الفساد والريب، فدل هذا على جواز غيبة من كان من أهل الفساد والريب وذلك من أجل أن يحذر الناس فساده حتى لا يغتروا فيه، فإذا رأيت شخصًا ذا فساد وريب لكنه قد سحر الناس ببيانه وكلامه يأخذ الناس منه ويظنون أنه على خير، فإنه يجب عليك أن تبين أن هذا الرجل لا خير فيه وأن تثني عليه شرًّا لأجل ألا يغتر الناس به، كم من إنسان طليق اللسان فصيح البيان إذا رأيته يعجبك جسمه وإن يقل تسمع لقوله، ولكنه لا خير فيه فالواجب بيان حاله، كذلك أيضًا ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة أيضًا قال: ( ما أظن أن فلانًا وفلانًا يعرفان من ديننا شيئًا ) وكانا من المنافقين فأثنى عليهما شرًّا وأنهما لا يعرفان من الدين شيئًا، لأن المنافق لا يعرف من دين الله شيئًا بقلبه وإن كان يعرف بأذنه، لكن لا يعرف بقلبه والعياذ بالله فهو منافق يظهر أنه مسلم ولكنه كافر، قال الله تعالى: (( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وماهم بمؤمنين * يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون )) وذكر أيضًا حديث فاطمة بنت قيس في المشورة أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأخبرته أنه خطبها ثلاثة من الرجال معاوية بن أبي سفيان وأبو جهم وأسامة بن زيد، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ( أما معاوية فصعلوك لا مال له ) لكنه رضي الله عنه بقي حتى صار خليفة من خلفاء المسلمين، لكنه في ذلك الوقت فقير قال: ( أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فضراب للنساء ) وفي رواية: ( فلا يضع العصا عن عاتقه ) وهما بمعنى واحد يعني أنه سيء العشرة مع النساء يضربهن، والمرأة لا يجوز ضربها إلا لسبب بيّنه الله في قوله: (( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن )) أما أن تكون تضرب امرأتك كلما خالفت أدنى مخالفة هذا غلط ولا يحل لقوله تعالى: (( وعاشروهن بالمعروف )) لكن إذا خفت نشوزها وترفعها عليك وعدم قيامها بواجبك فاستعمل معها هذا الرتب، أولًا: عظها خوفها بالله بيّن لها أن حق الزوج لا يجوز تضييعه فإن استقامت فهذا المطلوب، وإلا فالرتبة الثانية: اهجرها في المضجع لا تنم معها، أما الكلام فلا تهجرها لكن لك رخصة أن تهجرها في الكلام ثلاثة أيام، لأنه لا يحل لأحد أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، الرتبة الثالثة: إذا لم يجد بها هذا فاضربوهن لكن ضربًا غير مبرّح يعني ليس شديدًا بل ضرب يحصل به التأديب فقط، وفي لفظ: ( أنه لا يضع العصا عن عاتقه ) وهما بمعنى واحد، وقيل إن معنى قوله: " لا يضع العصا عن عاتقه " إنه كثير الأسفار لأن صاحب السفر في ذلك الوقت يسافر على الإبل تحتاج إلى العصا، والظاهر أن المعنى واحد يعني أن معناه ضرّاب للنساء ولا يضع العصا عن عاتقه واحد، لأن الروايات يفسر بعضها بعضًا، ثم قال: ( انكحي أسامة بن زيد ) بن حارثة فنكحته فاغتبطت به ورأت به خيرًا، ففي هذا دليل على أن الإنسان إذا جاءك يستشيرك في شخص فذكرت عيوبه فلا بأس، لأن هذا من باب النصيحة وليس من باب الفضيحة، وفرق بين من يغتاب الناس ليظهر مساوءهم ويكشف عوراتهم وبين إنسان يتكلم بالنصيحة، أما الحديث الرابع فهو حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر وكان معه المؤمنون والمنافقون فأصاب الناس شدة فتكلم المنافقون وقالوا لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، يعني لا تعطوهم شيئًا من النفقة حتى يجوعوا ويتركوا النبي عليه الصلاة والسلام وكذبوا، المؤمنون لا يمكن أن يتركوا الرسول عليه الصلاة والسلام لو ماتوا جوعًا وظمأ ما تركوه، لكن هذه هي حال المنافقين الذين يلمزون النبي صلى الله عليه وسلم في الصدقات إن أعطوا رضوا وإن لم يعطوا إذا هم يسخطون، أما المؤمنون فلن يتركوا الرسول عليه الصلاة والسلام (( لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا )) حتى هنا للتعليل وليست للغاية يعني لأجل أن ينفضوا عنه، ولكن كذبوا في ذلك وقالوا أيضًا: (( لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل )) ويعني بالأعز نفسه وقومه وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فسمع ذلك زيد بن أرقم رضي الله عنه فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بأن عبد الله بن أُبي قال هذا الكلام، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم أي إلى عبد الله بن أُبي فاجتهد يمينه أنه لم يقل هذا، يعني حلف وأقسم واشتد في القسم أنه ما قال ذلك، لأن المنافقين هذا دأبهم يحلفون على الكذب وهم يعلمون، فأقسم أنه ما قال ذلك وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل علانيتهم ويكل سريرتهم إلى الله، فلما بلغ ذلك زيد بن أرقم اشتد عليه الأمر لأن الرجل حلف وأقسم عند الرسول واشتد يمينه في ذلك، فاشتد هذا على زيد بن أرقم فقالوا كذب زيد بن أرقم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني أخبره بالكذب، حتى أنزل الله تصديق زيد بن أرقم: (( هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون * يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنون ولكن المنافقين لا يعلمون )) وتأمل جواب الله عز وجل لقول عبد الله بن أُبي ليخرجن الأعز منها الأذل حيث قال: (( ولله العزة ولرسوله )) ولم يقل إن الله هو الأعز لأنه لو قال هو الأعز لصار في ذلك دليل على أن المنافقين لهم عزة وهم لا عزة لهم، بل قال: (( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون )) في هذه الآية دليل على أنه لا بأس أن الإنسان ينقل كلام المنافق إلى ولي الأمر حتى يتخذ فيه ما ينبغي اتخاذه، وكذلك ينقل كلام المفسد إلى ولي الأمر حتى لا يتمادى في إفساده، وإذا كان الإنسان يخشى من الكلام أن يحصل فيه فساد وجب عليه أن يبلغه إلى ولي الأمر حتى يقضى على الفساد قبل أن يستشري، ولا يقال أخشى أن ولي الأمر يفعل فيه أو يفعل فيه دعه هو الذي جنى على نفسه، إذا كان يتكلم بكلام يخشى منه الفساد فالواجب رفع الكلام إلى ولي الأمر، لكن لابد من التثبت لابد من التثبت وألا يقع الإنسان في حرج، في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام لما أنكر عبد الله بن أُبي ما قيل عنه نزل الوحي بتصديق زيد بن أرقم، لكن في وقتنا ما في وحي يؤيد أو يفند فأنت إذا تثبت وسمعت من بعض الناس كلامًا يؤدي إلى الشر والفساد وجب عليك أن تبلغ به ولي الأمر حتى لا يستشري الشر والفساد، فالمهم أن المؤلف رحمه الله ذكر مسائل وضوابط مما يجوز من الغيبة ثم ذكر أدلة ذلك، والله الموفق.