شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب, قال: اضربوه, قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه. فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله، قال: ( لا تقولوا هذا، لا تعينوا عليه الشيطان ). رواه البخاري. وعنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من قذف مملوكه بالزنى يقام عليه الحد يوم القيامة، إلا أن يكون كما قال ). متفق عليه. حفظ
الشيخ : كما قيل في هذا " ونشربها فتتركنا ملوكا *** " وكما قال ( حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه لابن أخيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين رآه النبي صلى الله عليه وسلم سكران فتكلم معه فقال له حمزة وهو سكران هل أنتم إلا عبيد أبي ) وهذه كلمة بشعة لكنه سكران والسكران لا يؤاخذ بما يقول وهذا قبل أن ينزل تحريم الخمر
وكان الخمر على أربع مراحل:
المرحلة الأولى الإباحة أن الله أباحه للعباد إباحة صريحة فقال تعالى (( ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا )) يعني تشربونه فتسكرون وتتجرون به فتحصلون رزقا هذي واحدة
ثم عرض الله تعالى بتحريمه فقال (( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما )) ولم ينه عنهما وهذي المرحلة الثانية
والثالثة قال الله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون )) فنهى عن قربان الصلاة في حال السكر وهذا يقتضي أنه يباح شرب الخمر في غير أوقات الصلاة
المرحلة الرابعة التحريم البات في قوله تعالى في سورة المائدة وهي من آخر ما نزل قال (( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه )) فاجتنبه الناس لكن لما كانت النفوس تدعوا إليها أي إلى الخمر وشربها جعل لها رادع رادع يردع الناس عن شربها وهو العقوبة ولم يقدر فيها النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فعقوبة الشارب ليست حدا لكنها تعزير ولهذا ( جيء برجل شرب فقال النبي صلى الله عليه وسلم اضربوه ) ولا قال أربعين ولا ثمانين ولا مئة ولا عشر أطلق فقاموا يضربونه منهم الضارب بثوبه ومنهم الضارب بيده ومنهم الضارب بنعله لكن ضربوا نحو أربعين جلدة فلما انصرفوا وانصرف الرجل ( قال رجل من القوم أخزاه الله ) يعني أذله وفضحه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تقل هكذا ) لا تدع عليه بالخزي رجل شرب مسكرا وجلد وتطهر بالجلد ( لا تعينوا عليه الشيطان ) فنهاهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يسبوه مع أنه شارب خمر إذن ما موقفنا من شارب الخمر موقفنا أن ندعوا له بالهداية قل اللهم اهده اللهم أصلحه اللهم أبعده عن هذا وما أشبه هذا أما أن تدعوا عليه فإنك تعين عليه الشيطان
وفي هذا دليل على أن الخمر محرم وأن عليه عقوبة لكن في عهد عمر ابن الخطاب رضي الله عنه انتشرت الفتوحات ودخل في دين الإسلام أناس جدد وكثر شرب الخمر في عهده وكان رضي الله عنه رجلا حازما ناهيك به فأراد أن يعاقب شارب الخمر بعقوبة تكون أشد وأردع إلا أنه رضي الله عنه لورعه وتحرزه جمع الصحابة والمراد جمع ذوي الرأي مهو كل صحابي لأن السوقة وعامة الناس لا يصلحون لمثل هذه الأمور ولا لأمور السياسة وليس لعامة الناس أن يلوكوا ألسنتهم بسياسة ولاة الأمور السياسة لها أناس والصحون والقدور لها أناس آخرون ولو أن السياسية صارت تلاك بين ألسن عامة الناس فسدت الأمة لأن العامي ليس عنده علم وليس عنده عقل وليس عنده تفكير وعقله وفكره لا يتجاوز قدمه ويدل لهذا قول الله تعالى (( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به )) ونشروه وصار لوك ألسنتهم قال الله تعالى (( ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم )) فدل هذا على أن العامة ليسوا كأولي الأمر وأولي الرأي والمشورة فليس الكلام في السياسة في مجالس العامة ومن أراد أن تكون العامة مشاركة لولاة الأمور في سياستها وفي رأيها وفكرها فقد ضل ضلالا بعيدا وخرج عن هدي الصحابة وهدي الخلفاء الراشدين وهدي سلف الأمة فالمهم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لحزمه جمع ذوي الرأي من الصحابة وقال لهم ما معناه " كثر شرب الخمر " وإذا قل الوازع الديني يجب أن يقوى الرادع السلطاني لأنه إذا ضعف الأمر من الناحيتين الوازع الديني والرادع السلطاني انفلتت الأمة فاستشارهم ماذا يصنع فقال له عبدالرحمن بن عوف " يا أمير المؤمنين أخف الحدود ثمانون جلدة " ارفع العقوبة إلى ثمانين جلدة ويشير رضي الله عنه أعني عبدالرحمن إلى حد القذف فإن الله تعالى قال (( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة )) هذا أخف الحدود فرفع عمر رضي الله عنه عقوبة شارب الخمر إلى ثمانين وهذا كالنص الصريح على أن عقوبة شارب الخمر ليست حدا بل هي صريح لأنه قال أخف الحدود ثمانون ووافقه الصحابة على هذا ولم يقل عمر رضي الله عنه إنه ليس كذلك فرفعه عمر وجعل ذلك ثمانين جلدة من أجل أن يرتدع الناس وقد جاء في السنة ( أن شارب الخمر إذا شرب فجلد ثم شرب فجلد ثم شرب فجلد ثم شرب الرابعة فإنه يجب قتله ) هكذا جاء في السنن وأخذ بظاهره الظاهرية وقالوا شارب الخمر إذا جلد فإنه يقتل في الرابعة لأنه أصبح عنصرا فاسدا لم ينفع فيه فيه الإصلاح والتقويم وتوسط وقال جمهور العلماء إنه لا يقتل بل يكرر عليه الجلد وكلما شرب جلد وتوسط شيخ الإسلام رحمه الله فقال إذا كثر شرب الخمر في الناس ولم ينته الناس بدون القتل فإنه يقتل في الرابعة وهذا قول وسط روعي فيه الجمع بين المصلحتين مصلحة ما يدل عليه ظاهر النصوص الصريحة لأن عمر لم يرفع العقوبة إلى القتل مع أنه يقول إن الناس كثر شربهم وبين هذا الحديث الذي اختلف الناس في صحته وفي بقاء حكمه هل هو منسوخ أو غير منسوخ وهل هو صحيح أو غير صحيح وعلى كل حال فما اختاره شيخ الإسلام فهو عين الصواب أنه إذا كثر شرب الناس الخمر ولم ينته الناس بدون قتل فإنه يقتل الشارب في الرابعة
وليت ولاة الأمور يعملون هذا العمل لو عملوا هذا العمل لحصل خير كثير واندرأ شر كثير وقل شرب الناس للخمر الذي بدأ ينتشر والعياذ بالله وفي بعض البلاد الإسلامية انتشر كانتشار الشراب المباح كعصير الليمون وعصير البرتقال وما أشبه ذلك وهذا لا شك أنه مظهر غير مظهر المسلمين وأنه استباحة له في الواقع لأن كونه يبقى منشورا بين الناس يفتح الإنسان الثلاجة ويشرب الخمر والعياذ بالله هذا كالاستباحة وهذا ينطبق عليه قول النبي عليه الصلاة والسلام ( ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ) فإن الناس هذه الأيام تقاسموا هذه الأشياء الأربعة منهم من انتشر في شعوبهم الزنا واللواط والعياذ بالله وصار عندهم يباع يذكر لنا أنه في بعض البلاد إذا نزلت الطائرة وإذا في المطار فتيات وفتيان يقال للنازل من تبي بنات وإلا بنين والعياذ بالله جميلة وإلا غير جميلة شابة وإلا غير شابة هذا استحلال الحر يعني الزنا أو اللواط
وفي بعض البلاد الخمر منتشر يباع في الأسواق ويشرب ليلا ونهارا وكأنه شراب حلال وفي بعض البلاد ولا يسما في المترفين من رعيتهم تجد الرجل كالمرأة يلبس الحرير واللين من الثياب وربما يلبس حلي الذهب قلادة أو إزرار أو خاتم أو ما أشبه ذلك
والمعازف الآن حدث ولا حرج المعازف منتشرة في غالب بلاد الإسلام إن لم أقل كل بلاد الإسلام فقد انتشرت والعياذ بالله المعازف بجميع أنواعها فنسأل الله السلامة والهداية وأن يصلح ولاة ورعاياهم إنه على كل شيء قدير