باب تحريم بيع الحاضر للبادي وتلقي الركبان والبيع على بيع أخيه والخطبة على خطبته إلا أن يأذن أو يرد. عن أنس رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد وإن كان أخاه لأبيه وأمه. متفق عليه. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تتلقوا السلع حتى يهبط بها إلى الأسواق ). متفق عليه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تتلقوا الركبان، ولا يبع حاضر لباد ) فقال له طاووس: ما لا يبع حاضر لباد ؟ قال: لا يكون له سمسارا. متفق عليه. حفظ
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
قال -رحمه الله تعالى- : " باب تحريم بيع الحاضر للبادي وتلقي الركبان ، والبيع على بيع أخيه ، والخطبة على خطبته إلا أن يأذن أو يُرَد :
عن أنس رضي الله عنه قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد وإن كان أخاه لأبيه وأمه ) متفق عليه.
وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تتلقوا السلع حتى يُهبط بها إلى الأسواق ) متفق عليه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تتلقوا الركبان، ولا يبع حاضر لباد ) ، فقال له طاووس : ما يبيع حاضر لباد ؟ قال : لا يكون له سمسارا ، متفق عليه "
.
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذه أمور ثلاثة عقد لها المؤلف -رحمه الله تعالى- بابًا في كتابه *رياض الصالحين* :
منها : أن يبيع حاضر لباد ، ومنها : تلقي الركبان ، ومنها : البيع على بيع أخيه :
أما بيع الحاضر للبادي : فهو أن يأتي إنسان قادم من البادية بغنمه أو إبله أو سمنه أو لبنه أو أَقِطه ليبيعه في السوق ، فيأتي الإنسان إليه وهو من أهل البلد يقول : يا فلان أنا أبيع لك ، هذا لا يجوز ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض ) : دع البدوي يبيع ، ربما يريد يبيع برخص لأنه يريد أن يرجع إلى أهله ، وأيضا إذا باع البدوي فالعادة أن الحضري ينقد الثمن ولا يؤخره ، لأنه يعرف أنه صاحب بادية يريد أن يرجع ، فيكون في ذلك فائدة للبائع وهو البدوي ينقد له الثمن ، وفائدة للمشتري وهو أن الغالب أن البدوي يبيع برخص لأنه عجل لا ينتظر الزيادة ، ( ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يبيع حاضر لبادي ) ، واستدل العلماء -رحمهم الله تعالى- بالعلة على أنه إذا جاء البادي يعني صاحب البادية إلى الحاضر وقال : يا فلان بع هذه السلعة لي فإنه لا بأس بذلك ، لأن البادي الآن عارف ، يعلم أنه إذا باعه الحضري فهو غالبا أكثر ثمنا ولا يهمه أن يبقى يوما أو يومين من أجل أن يأخذ الثمن .
ولكن ظاهر الحديث العموم ، وأن الحاضر لا يبيع للبادي ، وأنه إذا جاء إليه قال يا فلان خذ سلعتي بعها يقول : لا ، بعها أنت .
كذلك أيضاً استنبط العلماء -رحمهم الله- من هذه العلة : ( دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض ) : أنه إذا كان السعر واحداً سواء باع البادي أو الحاضر فإنه لا بأس أن يبيع الحاضر للبادي ، لأن السعر لن يتغير ، ومثال ذلك أن تكون الدولة قد قررت سعرًا معينا لهذا النوع من المال لا يزيد ولا ينقص فهذا لا فرق بين أن يبيعه الحاضر أو البادي ، ليس للحاضر مكسب وفائدة في ذلك ، فقالوا : " إذا كان السعر معلوما فإنه لا بأس أن يبيع الحاضر للبادي " .
واستبط بعض العلماء من العلة : " أنه لا بد أن تكون السلعة هذه للناس بها حاجة " : يعني مما تتعلق به حوائج الناس ، وأما الشيء الذي لا يحتاجه الناس إلا نادرا فلا بأس ، لكن هذا الاستنباط ضعيف ، والصواب أنه لا فرق بين السلعة التي يحتاجها الناس ، والسلعة التي لا يحتاجونها إلا نادرا .
المسألة الثانية : تلقي الركبان ، وذلك أنهم كانوا فيما سبق يعرفون أن البادية تأتي بالسلع مثلا في أول النهار يوم الجمعة ، فتجد بعض الناس يطلع من البلد إلى قريب منه ، ثم يتلقى الركبان ويشتري منهم قبل أن يصلوا إلى السوق ، فيقطع الرزق على أهل البلد الذين ينتظرون الركبان ، وكذلك يغبن المتلَقَين بأن يغبن الركبان ، فيحصل بتلقي الجلب والركبان مضرتان :
المضرة الأولى : على أهل البلد الذين ينتظرون قدوم الركبان من أجل أن يشتروا منهم برخص .
والثاني : الضرر على المتلَقى على الركبان ، لأن الذي تلقاهم سيغبنهم ويشتري منهم بأقل من السوق ، وهم لم يصلوا إلى السوق حتى يعرفوا السعر، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فمن تُلقى فاشتري منه فأتى السوق فهو بالخيار ) : يعني أن الجالب إذا تلقاه الإنسان خارج البلد واشترى منه ثم دخل البلد ووجد أنه مغبون ، فله أن يرد البيع ، لأنه قد غُر وغُبن فهتان مسألتنا .
أما المسألة الثالثة : وهي يبيع المسلم على بيع أخيه فهي أيضا حرام ، وخِطبته على خطبته حرام .
بيعه على بيعه أن يقول لمن اشترى سلعة بعشرة : أنا أبيع عليك مثلها بثمانية حرام ، لأن المشتري سوف يحاول أن يفسخ العقد من لأجل أن يأخذ السلعة برخص .
وكذلك الخطبة على خطبة أخيه : يعني فمثلا لو سمعت أن إنساناً خطب من أناس ابنتهم ، فذهبت وخطبت منهم فهذا لا يجوز .