تتمة شرح حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا: فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال *. رواه مسلم. وعن وراد كاتب المغيرة بن شعبة قال: أملى علي المغيرة في كتاب إلى معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ) وكتب إليه أنه كان ينهى عن قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال، وكان ينهى عن عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات. متفق عليه. حفظ
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
قال -رحمه الله تعالى- : " باب النهي عن إضاعة المال في غير وجوهه التي أذن الشرع فيها :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثاً، ويكره لكم ثلاثاً: فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال ) رواه مسلم .
وعن ورّادٍ كاتب المغيرة قال : أملى عليَّ المغيرة بن شعبة في كتاب إلى معاوية رضي الله عنه : ( أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا مُعطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَد منك الجَد، وكتب إليه أنه كان ينهى عن قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال، وكان ينهى عن عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعٍ وهات ) متفق عليه "
.
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
سبق الكلام على أول هذا الباب، وهو تحريم إضاعة المال إلا بإذن من الشرع. وفي هذه الأحاديث حديث أبي هريرة والمغيرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ) :
قيل وقال : معناه أن يشتغل الإنسان بالكلام ، بنقله ، قال فلان وقيل كذا وقيل كذا ، كما يوجد في كثير من المفلسين الآن الذين يعمرون مجالسهم بقولهم ماذا قيل اليوم ، وقال فلان ، وماذا تقول في فلان وما أشبه ذلك من الكلام الذي يضيع به الوقت .
والشرع حكيم كما نهى عن إضاعة المال الذي جعله الله قياماً للناس ، نهى عن إضاعة الوقت أيضًا ، فإضاعة الوقت في قيل وقال وكثرة السؤال هذا لا شك أنه أشد ضرراً على الإنسان من إضاعة المال ، إضاعة المال ربما يُخلف لكن إضاعة الوقت لا يمكن أن تُخلف ، الوقت يذهب ولا يرجع ، لهذا يجب على الإنسان أن يتجنب الخوض في قيل وقال ، وما تقول في فلان ، وما تقول في فلان وما أشبه ذلك .
كذلك كثرة السؤال : وكثرة السؤال يحتمل أن يراد به سؤال الخلق ، يعني لا تسأل الناس ، لا تكثر من السؤال ، والسؤال إن كان سؤال مال فإنه حرام ، ( بل لا يزال الإنسان يسأل ويسأل حتى يأتي يوم القيامة وما في وجهه مزعة لحم ) والعياذ بالله .
ويحتمل أن يراد به كثرة السؤال عن أحوال الناس بدون حاجة وبدون فائدة ، ماذا تقول في فلان هل هو غني فقير عالم أو جاهل وما أشبه ذلك .
ويحتمل أن يراد به كثرة السؤال عن العلم الذي لا يحتاج إليه الإنسان ، ولاسيما في عهد النبوة ، لأنه يُخشى أن يسأل الإنسان عن شيء لم يحرم فيحرم من أجل مسألته ، أو عن شيء لم يجب فيوجب من أجل مسألته .
ولكن الأخير هذا يُقيد بما إذا لم يحتج الإنسان إلى السؤال ، فإن كان يحتاج إلى ذلك كطالب العلم الذي يسأل ويستفهم فإنه لا بأس أن يسأل ويستفهم ويزيل اللبس عن نفسه .
وكان عليه الصلاة والسلام : ( ينهى عن عقوق الأمهات ) : يعني عن قطع الأمهات عن حقوقهن ، والأم لها حق عظيم على الولد من ذكر أو أنثى حتى أنها أحق من الأب ، ( سُئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أحق بصحبتي؟ قال: أمك قال: ثم مَن؟ قال: أمك ، قال: ثم من؟ قال: أمك ، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك ) .
فالأم لها حق كبير عظيم لأنها حملت ولدها كُرها ووضعته كُرها وأرضعته كرها وأتعب ليلها ونهارها فلها حق عظيم .
وكذلك عقوق الأباء وهو أيضًا من كبائر الذنوب ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عقوق الأمهات لأنه أشد .
( وكان ينهى عن عقوق الأمهات ، وعن وأد البنات ) : وأد البنات : هو أن من عادة الجاهلية الحمقاء أن الإنسان إذا وُلد له بنت دفنها والعياذ بالله ، دفنها وهي حية : (( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ )) : يعني يختفي عن الناس من سوء ما بشر به (( أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ )) : يعني أيبقيها مع الإهانة وعدم المبالاة بها ، (( أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ )) : أي يدفنه وهو حي ، " حتى إن بعضهم والعياذ بالله كان يحفر حفرة لابنته فطار شيء من الغبار على لحيته ، وهو يريد أن يدفنها ، فنفضت لحيته عن التراب ودفنها والعياذ بالله " ، إلى هذا الحد يعني قلوب أقسى من الحجارة ، حتى البهائم لا تفعل بأولادها هكذا وهؤلاء والعياذ بالله يفعلون هكذا ، يحفر لها ليدفنها وهي تنظف لحيته من التراب ثم يدفنها والعياذ بالله .
" وكان بعضهم يحفر لابنته ، فإذا أحست بذلك قامت تتدخل به يا أبت يا أبت فيمسكها ويطرحها حتى يدفنها نعوذ بالله " ، نسأل الله العافية مع ما في كفالة البنات من الأجر العظيم : ( ما من إنسان يكفل ثلاث بنات يحسن إليهن إلا كن حجابا له من النار، قالوا : واثنتان يا رسول الله؟ قال: واثنتان قالوا : وواحدة؟ قال وواحدة ) ، وكان الإمام أحمد -رحمه الله- إذا قيل له : " ولد لك بنت ، قال : ولدت الإناث للأنبياء " ، ولدت الإناث للأنبياء ، الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يولد لهم بنات ، فها هو أشرف الأنبياء عليه الصلاة والسلام محمد له أربع بنات وله ثلاثة أولاد ، أربع بنات وثلاثة أولاد ، والذين بلغوا الحلم منهم هم البنات ، وأما الأولاد البنون فهم صغار ، أكبرهم إبراهيم توفي وله ستة عشر شهرا ، سنة وأربعة أشهر ، رضيع وكان له مرضع في الجنة لإبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما البنات الأربع فثلاث منهن متن في حياته عليه الصلاة والسلام ، وهن : زينب ورقية وأم كلثوم ، والرابعة فاطمة ماتت بعده بأشهر .
فالحاصل أن البنات إذا منّ الله على الإنسان بهن وكفلهن وأحسن إليهن كن له حجابا من النار .
( ومنعٍ وهات ) : أي وينهى عن منع وهات وهذا كناية عن الشح والبخل ، منع : يعني يمنع ولا يعطي ولا يجود بالمال ولا بالنفس ، وهات : يطلب ، فهو والعياذ بالله بخيل شحيح لا يشبع ولا ينفع ، والله الموفق .