باب التغليظ في تحريم السحر : قال الله تعالى: (( وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر )) الآية. حفظ
القارئ : الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين :
قال -رحمه الله تعالى- : " باب التغليظ في تحريم السحر :
قال الله تعالى : (( وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر )) الآية.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اجتنبوا السبع الموبقات قالوا: يا رسول الله وما هن ؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ) متفق عليه "
.
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتابه *رياض الصالحين* : " باب تغليظ تحريم السحر " :
السحر : هو عبارة عن عُقد وقراءات ونفثات يَتوصل بها الساحر إلى الإضرار بالمسحور ، فمنه ما يقتل ومنه ما يمرض ومنه ما ي يسلب العقل ومنه ما يوجب العطف، يعني تعلق الإنسان بغيره تعلقا شديدًا، ومنه ما يوجب الصرف يعني انصرافه عن غيره انصرافاً كاملا، فهو أنواع والعياذ بالله، لكن كله محرم .
وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم ممن سَحر وسُحر له، ومنه ما يوصل إلى الكفر ، فإذا كان الساحر يتوصل إلى سحره بالأرواح الشيطانية ، يتقرب إليها ويتعبد لها حتى تطيعه فهذا كفر لا شك فيه .
وأما إذا لم يكن كذلك ، فإنه أذية ومُحرم ومن كبائر الذنوب، ويجب على ولي الأمر أن يقتل الساحر قتلاً بدون توبة، بمعنى : أن يقتله قتلا وإن تاب ، لأنه إن تاب فأمره إلى الله عز وجل ، وإن لم فأمره إلى الله لكننا نقتله درءاً لمضرته ومفسدته ، وأما إذا لم يتب فهو من أهل النار إن كان سحره مكفرًا ، لأن السحر والعياذ بالله من أعظم الفساد في الأرض وأعظم الشرور ، لأنه يأتي الإنسان من غير أن يحترز منه ، ولكن هناك شيء يحميك منه بإذن الله عز وجل : وهي قراءة الأوراد الشرعية ، مثل آية الكرسي ، (( قل هو الله أحد )) ، (( قل أعوذ برب الفلق )) ، (( قل أعوذ برب الناس )) ، وما أشبه ذلك مما جاء به الآيات والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن هذا أكبر واقٍ يقي الإنسان من السحر .
ثم ذكر المؤلف -رحمه الله- قول الله تعالى : (( وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا )) ، أول الآية قوله : (( واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان )) : أي ما تتبعه على ملك سليمان وهو أن الشياطين علمت الناس السحر ، (( وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر )) : سليمان عليه الصلاة والسلام ما كفر ولم يخلف سحرًا وإنما خلف علم النبوة فإنه كان أحد الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام ، (( ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر )) ، وفي هذا دليل على أن السحر تعلمه من الشياطين كفر ، ولهذا قلنا قبل قليل : إذا استعان الإنسان على سحره بالشياطين كان كافرا .
(( وما أُنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت )) : وهذان ملكان بعثهما الله عز وجل إلى أرض بابل لكثرة السحرة فيها ، يعلمون الناس السحر ، ولكنهما ينصحان الناس : (( وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر )) ، أرسلهما الله عز وجل يعلمان الناس السحر ، وهنا قد يسأل الإنسان : كيف يرسل الله تعالى ملكين والملائكة كرام مُكرَمون عند الله عز وجل كيف يرسلهم يعلمون الناس السحر؟ فيقال : هذا فتنة من الله عز وجل ولهذا إذا علما الناس قالا : (( إنما نحن فتنة فلا تكفر )) ، ينصحون للناس لكن الله عز وجل ابتلى الناس بهذا ، فجعلوا يتعلمون من الملكين يتعلمون منهما ما يسمى بالعطف والصرف وهو من أشد أنواع السحر ، (( فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه )) : يأتي الساحر والعياذ بالله إلى رجل قد حسنت الحال بينه وبين أهله وطابت لهما الحياة فيفرق بين الرجل وزوجته والعياذ بالله ، تأخذ تصيح إذا قرب إليها وتبكي وتنفر منه ، وإذا أبعد عنها بكت على فراقه والعياذ بالله ، فيضرها من الناحيتين : من ناحية الاجتماع ومن ناحية الافتراق .
وكذلك الزوج تجده في شوق عظيم إلى أهله ، فإذا أتى إلى أهله ضاق بهم ذرعًا وضاق صدره وتمنى أن يموت والعياذ بالله ، هذا من السحر العظيم .
قال الله تعالى : (( وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله )) ، سبحان الله العظيم !! من بيده ملكوت السماوات والأرض ؟ الله عز وجل ، هؤلاء السحرة والشياطين مهما اجتمعوا على أمر يريدون أن يضروك به والله تعالى لا يضرك فإنهم لن يضروك ، (( وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله )) ، وتأمل هذا التركيب فإن الجملة هنا اسمية : (( وما هم بضارين به من أحد )) والاسمية تفيد الثبوت والاستمرار ثم إن النفي مؤكد بالباء (( وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله )) : يعني لا يمكن أبدا أن يضروا أحدا بسحرهم إلا بإذن الله ، إذا أذن الله عز وجل بذلك قدرا فالله على كل شيء قدير ، وإذا شاء عز وجل منع ، منع كل شر، لأنه هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض ، وهو خالق الأسباب ومانع الأسباب وهو على كل شيء قدير ، (( وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون )) : أي هؤلاء الناس الذي أرسل إليهم الملكان : (( يتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم )) : يعني ما فيه الضرر المحض الذي لا نفع فيه إطلاقا ، ولهذا قال : (( ما يضرهم ولا ينفعهم )) : هو ضرر محض في الدين والدنيا والعاقبة الوخيمة ، وكذلك الظلم الذي يحصل على المسحور فإنه سوف يقضي له بحقه يوم القيامة لن يهمله الله عز وجل .
(( ولقد علموا لَمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق )) : أكد الله هذه الجملة بالقسم واللام وقد : أي : لقد علم هؤلاء الذين يتعلمون السحر أن الذي يتعلمه ما له في الآخرة من خلاق ، علموا مِن أين ؟ من قول الملكين : (( إنما نحن فتنة فلا تكفر )) ، قد علموا وبان لهم الأمر ولكنهم والعياذ بالله اختاروا ذلك ، ولهذا قال : (( لمن اشتراه )) : والشراء إنما يكون عن رغبة وطمع في المبيع ، ولهذا سمى الله تعالى تعلمه اشتراءً ، (( ما له في الآخرة من خلاق )) أي : ما له نصيب في الآخرة ، وليس أحد من الناس لا نصيب له في الآخرة على وجه الإطلاق إلا الكافر ، المؤمن له نصيب في الآخرة إما أن يدخل الجنة بلا حساب وإما أن يعذب على قدر ذنوبه ثم يكون مآله الجنة ، لكن الكافر ليس له في الآخرة من خلاق أي : من نصيب .
(( ولبئس ما شروا به أنفسهم )) شروا : هنا بمعنى باعوا ، يعني أن الله ذم هذا الذي اختاروه وباعوا أنفسهم من أجله ، (( لو كانوا يعلمون )) : يعني لو كانوا من ذوي العلم لعلموا أن هذا شر محض .
والخلاصة : أن السحر من كبائر الذنوب ، وقد يؤدي إلى الكفر ، وأن عقوبة الساحر أن يقتل سواء كفر بسحره أم لم يكفر ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( حد الساحر ضربه بالسيف ) ، وفي لفظ : ( ضربة بالسيف ) ، نسأل الله تعالى أن يقي المسلمين شرهم، وأن يرد كيدهم في نحورهم، وأن يعيننا وإياكم على تعلم الأوراد الشرعية التي يحتمي بها المرء من أعدائه من الشياطين والأنس، والله الموفق.