تتمة شرح حديث : ( ثم يأتي عيسى صلى الله عليه وسلم قوما قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم، ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة. فبينما هو كذلك إذ أوحى الله تعالى إلى عيسى صلى الله عليه وسلم إني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور. ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء، ويحصر نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم إلى الله تعالى، فيرسل الله تعالى عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة ثم يهبط نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم إلى الله تعالى، فيرسل الله تعالى طيرا كأعناق البخت فتحملهم، فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله عز وجل مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرك، وردي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس، فبينما هم كذلك إذ بعث الله تعالى ريحا طيبة، فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم؛ ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة ). رواه مسلم. حفظ
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه في باب أحاديث الدجال وأشراط الساعة وغيرها :
" قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ثم يأتي عيسى صلى الله عليه وسلم قوماً قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم، ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة.
فبينما هو كذلك إذ أوحى الله تعالى إلى عيسى صلى الله عليه وسلم أني قد أخرجت عبادًا لي، لا يدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور.
ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حَدَب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية، فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرةً ماء، ويُحصر نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً مِن مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم إلى الله تعالى، فيُرسل الله تعالى عليهم النَّغَف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغبُ نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم إلى الله تعالى، فيُرسل الله تعالى طَيراً كأعناق البُخت فتحملهم، فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يُرسل الله عز وجل مطراً لا يَكِن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزَّلَقة، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرك، وردي بركتك، فيومئذٍ تأكل العِصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرِّسل، حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللِّقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس، فبينما هم كذلك إذ بعث الله تعالى ريحاً طيبة، فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحُمُر، فعليهم تقوم الساعة ) رواه مسلم " .
الشيخ : بقية حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه في قصة الدجال وما إلى ذلك : ينزل عيسى بن مريم كما سبق ويقتل الدجال عند باب لُد في فلسطين ، واللد قرية معروفة الآن ، وستبقى بهذا الاسم إلى ما شاء الله عز وجل ، ( ثم يأتي عيسى بن مريم قومٌ قد عصمهم الله تعالى من فتنة الدجال : فيمسح على وجوههم ويبشرهم بمنازلهم في الجنة ، فبينما هم كذلك ) : يعني على الحال التي هم عليها، ( إذ أوحي الله عز وجل إلى عيسى أني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم ) : وهؤلاء العباد ليسوا عباد دين بل هم عباد قدر : (( إن كل من في السماوات والأرض إلا أتي الرحمن عبدا )) ، ( هؤلاء العباد هم يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ) : أي من كل مكان مرتفع ينسلون لأن الشعاب والأودية لا تسعهم ، فتجدهم يصعدون الجبال لينزلوا إلى الأرض من كثرتهم ، هؤلاء من بني آدم ، ليسوا جناً ولا صنفاً ثالثاً بل هم من بني آدم ، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( إن الله تعالى يقول يوم القيامة : يا آدم ! فيقول : لبيك وسعديك ، فيقول الله له : أخرج من ذريتك بعثاً إلى النار أو قال : بعث النار ، قال : يا رب وما بعث النار؟ قال من كل ألف تسعمائة وتسع وتسعين ) : من بني آدم ، من كل ألف تسع مئة وتسع وتسعون، كل هؤلاء في النار إلا واحدًا في الألف من بني آدم من أهل الجنة ، ( فَكَبُر ذلك على الصحابة وعظم عليهم وقالوا يا رسول الله أينا ذلك الواحد؟! ) واحد من ألف في الجنة من بني آدم وتسع مئة وتسع وتسعين في النار!، قال لهم صلى الله عليه وسلم: ( أبشروا فإنكم في أمَّتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه : يأجوج ومأجوج ، منكم واحد ، ومن يأجوج ومأجوج ألفاً، فاستبشر الصحابة بذلك، ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبر الصحابة فرحًا بنعمة الله عز وجل، ثم قال: أرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة ، فكبروا وفرحوا ، ثم قال: أرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة ) : وهذه الثالثة عندي فيها شك ، لكن قد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام : ( أن أهل الجنة مائة وعشرون صفا منهم ثمانون من هذه الأمة ).
المهم أن يأجوج ومأجوج من بني آدم ، شكلهم شكل بني آدم لا يختلفون عن بني آدم ، أما ما ورد في بعض الآثار أن منهم القصير المفرط في القصر والطويل المفرط في الطول ، وأن بعضهم يفترش إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى : يعني آذانهم طويلة، كل هذا لا صحة له ولا أصل له هم كبني آدم، بل هم من بني آدم، لكنهم أمم عظيمة كما قال تعالى : (( وهم من كل حدب ينسلون )) : يعني من كل حدب أي : من كل مرتفع ، لأن الأرض السهلة لا تسعهم من كثرتهم ، (( ينسلون )) : يسرعون كأنهم مسلطون على بني آدم ، ( فيقول الله عز وجل لعيسى : إني قد بعثت عبادا لا يدان لأحد بقتالهم ) : يعني ما لأحد بقتالهم من قوة ما حد يقاتلهم يعجز عنهم ، ( فحرِّز عبادي إلى الطور ) : يعني احترزوا فيه ، والطور جبل معروف فيصعد عيسى صلى الله عليه وسلم ومن معه إلى الطور ويحصرون فيه ، حتى إنهم يلحقهم من الجوع وشدة المؤونة ما يكون رأس الثور أحب إلى أحدهم من كذا وكذا من الدنانير ، ( وحينئذٍ يرغب عيسى وقومه إلى الله عز وجل ) : يدعون الله تعالى أن يذود عنهم هذه الأمم التي حاصرتهم في هذا الجبل ، ( فيرسل الله تعالى النغف ) : وهو عبارة عن دودة في أعناقهم ، دودة سلو في أعناقهم ، ( فيصبحون فرسى ) : جمع فريسة يعني موتى ، ( كنفس واحدة ) : كل هذه الأمم التي لا يحصيها إلا الله تموت في ليلة واحدة، لأن الأمر بيد من؟ بيد الله عز وجل، هذا النغف من حين ما يدخل في أعناقهم يموتون على الفور .
ثم ينزل عيسى ابن مريم وقومه إلى الأرض وإذا الأرض مملوءة من هذه الجثث نتناً ورائحة خبيثة ، فيرغب عيسى وقومه إلى الله عز وجل أن يفكهم من هذا ، ( فيرسل الله تعالى طيورا كأعناق البخت ) : يعني مثل أعناق الإبل طيورا كبيرة قوية تأخذ الواحد منهم وتلقيهم في البحر ، ومعنى هذا أنها طيور عظيمة لا يعلم عددها إلا الله عز وجل ، كل هذا بقدرة الله سبحانه وتعالى ، لأن أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ، لا تستغرب لا تقل: من أين جاءت الطيور وكيف تولدت وكيف توالدت ؟ الله على كل شيء قدير، هذه الطيور مثل أعناق الإبل تحمل الواحد وتلقيه في البحر ولا يبقى فيهم أحد ،
لكن كما تعلمون لابد أن يبقى في الأرض شيء من القذر والأذى والرائحة بعد هذه الجثث ، فيرسل الله تعالى مطراً عظيماً يغسل الأرض، ( لا يُكِن منه مدر ولا وبر ) : كل الأرض تمتلئ ماء حتى تكون كالزَّلقة : تنظف تنظيفاً تاما بإذن الله عز وجل .
( ويأمر الله تعالى الأرض أن تخرج بركاتها وثمراتها -فيكون فيها الثمرات العظيمة والخير والبركة- حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، ومن البقر تكفي القبيلة من الناس، ومن الغنم تكفي الفخذ من الناس ) : وهي واحدة لكن الله ينزل فيها البركة عز وجل ، ينزل فيها البركة فتكفي أمماً، وتكثر الخيرات والبركات وكل هذا يدل على عظمة وقدرة الله عز وجل : (( فإن مع العسر يسراً * إن مع العسر يسراً )) ، بدلا ما كانوا محصورين في الطور يتمنى الواحد منهم رأس الثور لا يجد شيئاً، إذا بالأرض تنبت وتنزل فيها البركة والثمار، وكثرة الرزق وغير ذلك كل هذا بأمر الله عز وجل ، والله الموفق.
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه في باب أحاديث الدجال وأشراط الساعة وغيرها :
" قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ثم يأتي عيسى صلى الله عليه وسلم قوماً قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم، ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة.
فبينما هو كذلك إذ أوحى الله تعالى إلى عيسى صلى الله عليه وسلم أني قد أخرجت عبادًا لي، لا يدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور.
ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حَدَب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية، فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرةً ماء، ويُحصر نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً مِن مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم إلى الله تعالى، فيُرسل الله تعالى عليهم النَّغَف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغبُ نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم إلى الله تعالى، فيُرسل الله تعالى طَيراً كأعناق البُخت فتحملهم، فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يُرسل الله عز وجل مطراً لا يَكِن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزَّلَقة، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرك، وردي بركتك، فيومئذٍ تأكل العِصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرِّسل، حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللِّقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس، فبينما هم كذلك إذ بعث الله تعالى ريحاً طيبة، فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحُمُر، فعليهم تقوم الساعة ) رواه مسلم " .
الشيخ : بقية حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه في قصة الدجال وما إلى ذلك : ينزل عيسى بن مريم كما سبق ويقتل الدجال عند باب لُد في فلسطين ، واللد قرية معروفة الآن ، وستبقى بهذا الاسم إلى ما شاء الله عز وجل ، ( ثم يأتي عيسى بن مريم قومٌ قد عصمهم الله تعالى من فتنة الدجال : فيمسح على وجوههم ويبشرهم بمنازلهم في الجنة ، فبينما هم كذلك ) : يعني على الحال التي هم عليها، ( إذ أوحي الله عز وجل إلى عيسى أني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم ) : وهؤلاء العباد ليسوا عباد دين بل هم عباد قدر : (( إن كل من في السماوات والأرض إلا أتي الرحمن عبدا )) ، ( هؤلاء العباد هم يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ) : أي من كل مكان مرتفع ينسلون لأن الشعاب والأودية لا تسعهم ، فتجدهم يصعدون الجبال لينزلوا إلى الأرض من كثرتهم ، هؤلاء من بني آدم ، ليسوا جناً ولا صنفاً ثالثاً بل هم من بني آدم ، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( إن الله تعالى يقول يوم القيامة : يا آدم ! فيقول : لبيك وسعديك ، فيقول الله له : أخرج من ذريتك بعثاً إلى النار أو قال : بعث النار ، قال : يا رب وما بعث النار؟ قال من كل ألف تسعمائة وتسع وتسعين ) : من بني آدم ، من كل ألف تسع مئة وتسع وتسعون، كل هؤلاء في النار إلا واحدًا في الألف من بني آدم من أهل الجنة ، ( فَكَبُر ذلك على الصحابة وعظم عليهم وقالوا يا رسول الله أينا ذلك الواحد؟! ) واحد من ألف في الجنة من بني آدم وتسع مئة وتسع وتسعين في النار!، قال لهم صلى الله عليه وسلم: ( أبشروا فإنكم في أمَّتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه : يأجوج ومأجوج ، منكم واحد ، ومن يأجوج ومأجوج ألفاً، فاستبشر الصحابة بذلك، ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبر الصحابة فرحًا بنعمة الله عز وجل، ثم قال: أرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة ، فكبروا وفرحوا ، ثم قال: أرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة ) : وهذه الثالثة عندي فيها شك ، لكن قد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام : ( أن أهل الجنة مائة وعشرون صفا منهم ثمانون من هذه الأمة ).
المهم أن يأجوج ومأجوج من بني آدم ، شكلهم شكل بني آدم لا يختلفون عن بني آدم ، أما ما ورد في بعض الآثار أن منهم القصير المفرط في القصر والطويل المفرط في الطول ، وأن بعضهم يفترش إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى : يعني آذانهم طويلة، كل هذا لا صحة له ولا أصل له هم كبني آدم، بل هم من بني آدم، لكنهم أمم عظيمة كما قال تعالى : (( وهم من كل حدب ينسلون )) : يعني من كل حدب أي : من كل مرتفع ، لأن الأرض السهلة لا تسعهم من كثرتهم ، (( ينسلون )) : يسرعون كأنهم مسلطون على بني آدم ، ( فيقول الله عز وجل لعيسى : إني قد بعثت عبادا لا يدان لأحد بقتالهم ) : يعني ما لأحد بقتالهم من قوة ما حد يقاتلهم يعجز عنهم ، ( فحرِّز عبادي إلى الطور ) : يعني احترزوا فيه ، والطور جبل معروف فيصعد عيسى صلى الله عليه وسلم ومن معه إلى الطور ويحصرون فيه ، حتى إنهم يلحقهم من الجوع وشدة المؤونة ما يكون رأس الثور أحب إلى أحدهم من كذا وكذا من الدنانير ، ( وحينئذٍ يرغب عيسى وقومه إلى الله عز وجل ) : يدعون الله تعالى أن يذود عنهم هذه الأمم التي حاصرتهم في هذا الجبل ، ( فيرسل الله تعالى النغف ) : وهو عبارة عن دودة في أعناقهم ، دودة سلو في أعناقهم ، ( فيصبحون فرسى ) : جمع فريسة يعني موتى ، ( كنفس واحدة ) : كل هذه الأمم التي لا يحصيها إلا الله تموت في ليلة واحدة، لأن الأمر بيد من؟ بيد الله عز وجل، هذا النغف من حين ما يدخل في أعناقهم يموتون على الفور .
ثم ينزل عيسى ابن مريم وقومه إلى الأرض وإذا الأرض مملوءة من هذه الجثث نتناً ورائحة خبيثة ، فيرغب عيسى وقومه إلى الله عز وجل أن يفكهم من هذا ، ( فيرسل الله تعالى طيورا كأعناق البخت ) : يعني مثل أعناق الإبل طيورا كبيرة قوية تأخذ الواحد منهم وتلقيهم في البحر ، ومعنى هذا أنها طيور عظيمة لا يعلم عددها إلا الله عز وجل ، كل هذا بقدرة الله سبحانه وتعالى ، لأن أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ، لا تستغرب لا تقل: من أين جاءت الطيور وكيف تولدت وكيف توالدت ؟ الله على كل شيء قدير، هذه الطيور مثل أعناق الإبل تحمل الواحد وتلقيه في البحر ولا يبقى فيهم أحد ،
لكن كما تعلمون لابد أن يبقى في الأرض شيء من القذر والأذى والرائحة بعد هذه الجثث ، فيرسل الله تعالى مطراً عظيماً يغسل الأرض، ( لا يُكِن منه مدر ولا وبر ) : كل الأرض تمتلئ ماء حتى تكون كالزَّلقة : تنظف تنظيفاً تاما بإذن الله عز وجل .
( ويأمر الله تعالى الأرض أن تخرج بركاتها وثمراتها -فيكون فيها الثمرات العظيمة والخير والبركة- حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، ومن البقر تكفي القبيلة من الناس، ومن الغنم تكفي الفخذ من الناس ) : وهي واحدة لكن الله ينزل فيها البركة عز وجل ، ينزل فيها البركة فتكفي أمماً، وتكثر الخيرات والبركات وكل هذا يدل على عظمة وقدرة الله عز وجل : (( فإن مع العسر يسراً * إن مع العسر يسراً )) ، بدلا ما كانوا محصورين في الطور يتمنى الواحد منهم رأس الثور لا يجد شيئاً، إذا بالأرض تنبت وتنزل فيها البركة والثمار، وكثرة الرزق وغير ذلك كل هذا بأمر الله عز وجل ، والله الموفق.